سعدت كعربي بفوز قطر بشرف تنظيم مونديال 2022 بعد أن انتزعته عن جدارة من بين أنياب الولايات المتحدة بملف قوي وإعداد منظم وجهود متضافرة من جانب الشعب القطري بأكلمه.
لكن سعادتي اختلطت بحزن عميق على بلدي الحبيب مصر .. مصر التي كانت .. مصر التي ملأت الدنيا يوماً ما بخيراتها وتراثها وعلومها وثقافتها .. مصر التي كان من المفترض أن تكون أول دولة عربية تشرف باستضافة هذا الحدث التاريخي الذي يتجاوز مجرد الحدث الضيق من مباريات ومنافسات رياضية..
لكن مصر اليوم .. مصر الحزب الوطني .. تتهاوي يوماً بعد يوم وتغتصب آلاف المرات صباح مساء وتنتهك حرمتها وتنهب خيراتها لصالح حفنة من الأشخاص لا يرون في مصر إلا مرتعاً لتحقيق أحلام الثراء وإرضاء لشهوة السلطة وتتواري خلف أستار من الخزي والعار لتتقدم قطر التي لم تكتف بهذا الانجاز وإنما تتقدم سياسياً -حتى ولو كان لمجرد الظهور الإعلامي على الساحة- بفضائية ملأت الدنيا ضجيجاً وبالتدخل في ملف دارفور و محاولات الصلح بين الفرقاء في لبنان وغيرها .. تحياتي سيادة وزير خارجية مصر !
لا أنكر أن الدموع كادت تهرب من الأعين وأنا أرى بلاتر يرفع تلك الورقة والتي كتب عليها اسم قطر وعادت بي الذاكرة لحظتها إلى صفر الحزب الوطني والسيد على الدين هلال الذي لا أعرف كيف يتحمل أن يظهر للناس بعد ما تسبب فيه هو ومن خلفه من إهدار لكرامة مصر وتاريخها -هذا هو ما يسيء إلى سمعة مصر حقاً وليس من يعارض كل فساد في بلادنا المنكوبة- وتذكرت عدداً من تلك الأصفار الكبيرة التي لا زالت مصر تحصدها على مدى ثلاثين عاماً .
تذكرت أننا لم ننجح إلى الآن في الانتهاء من البنية التحتية وكأننا الدولة الوحيدة على وجه البسيطة التي خاضت حروباً، فيما دكت دول كاليابان وألمانيا وسويت بالأرض لتنهض في فترة أقصر بكثير من فترة احتكار الحزب الوطني للسلطة في مصر.
تذكرت وانا اشاهد الفضائيات واقرأ الأخبار تعهدات قطر بإنشاء تجهيزات على أعلى مستوى استعداداً لحدث سيتم بعد اثنتي عشر سنة أننا في مصر نصدر الغاز لإسرائيل لتعاني محطات الكهرباء في الصيف من نقص الغاز الذي يشغلها .. أي فشل هذا في التخطيط ولو لعام واحد مقبل؟
تذكرت أننا لا نحمل كمصريين حلما واحداً يجمعنا ولا مشروعاً قومياً يقوي من إحساسنا بالانتماء (اذكر لي من فضلك مستشفى واحد بحجم قصر العيني تم بناؤه خلال فترة حكم الحزب الوطني بتمويل حكومي لا بالتسول من الناس لبنائه) بل إننا لا نستمع إلا لكلمات السيدة مشيرة خطاب - هي وغيرها من السادة أطال الله بقاءهم - وهي توجه التوبيخ واللوم للمصريين لأنهم يأكلون كثيرا ويستحمون كثيرا فيستهلكون المياه كثيراً وكأن سيادتهم قد ورثوا الأرض ومن عليها وشاء حظهم العاثر أن يتولوا تقسيم الخيرات على شعب لا هم له إلا التكاثر والأكل والنوم.
وتذكرت رجب طيب أردوغان وحزبه الذي حول تركيا في أقل من 10 سنوات إلى واحدة من أقوى دول أوربا اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً بل وتشجيعه للمواطنين على الإنجاب والتكاثر لإعمار البلاد .. لا كما يفعل المسئولون في بلادنا بانفاق الملايين على وسائل تنظيم الأسرة بل وطرحها مجاناً على الناس لمنعهم من التهام ثراوت البلاد المنهوبة من الأصل بدلاً من إقامة مشروعات قومية تستغل تلك القوة الهائلة المعطلة.
نسي هؤلاء أن أجداد من يتهكمون عليهم اليوم وينعتونهم بأنهم لم يصلوا لدرجة كافية من النضج لإرساء الديمقراطية بينهم أن عهودا من القهر والتعذيب والتضييق حولت شعباً صلباً قوياً مقداماً لا يقبل أن تداس كرامته ولو هلك دونها، إلى شعب غاية ما يفكر فيه أن يقفز عبر نافذة في ميكروباص ليضمن "توصيلة" إلى بيته أو عمله و إلى شعب يعاني الملايين منه أمراضاً لو اجتمعت في أمة واحدة لهلكت وإلى أناس انتشر بينهم الجهل والفقر والمرض ويعيش ملايين منهم تحت خط الفقر يعانون كما يعاني أهل الصومال من شظف العيش.
تذكرت وأنا أتابع الأخبار أننا لم نر مسئولاً ممن تولوا مسئولية ملف استضافة مصر لمونديال 2010 وهو يحاسب على فشله، فضلاً عن أن ينتحر على طريقة الهاراكيري ولو أنه فعل -أو فكر أي مسئول غير منتخب في بلادنا- في أن يفعلها كما يفعل أي مسئول صيني أو ياباني يفشل فيما هو أقل من ذلك لوجد ملايين المصريين قد تطوعوا بتكاليف استيراد سيف هاتوري هانزو الشهير .. بس هو ينويها!!
تذكرت وأنا أرى أمير قطر بنفسه ومعه زوجته وأبنائه والنجم زين الدين زيدان مسئول ترويج الملف حجم التمثيل المخزي وغير المشرف لبعثة مصر التي تولت ملف الإعداد لفضيحة الصفر الشهير.
وياليته كان صفراً واحداً .. وفي الرياضة فقط، بل إنها أصفار متعددة في التعليم والصحة والسياحة اللهم إلا الهلس ومهرجان القاهرة السينمائي الدولي ومسابقة ملكة جمال جمصة وغيرها من توافه الأمور، ولولا جهود فردية لأشخاص من أمثال علاء الأسواني ومحمد غنيم ونجيب محفوظ وغيرهم لزاد عدد المنتحرين في مصر آلافا.
إن الجرح لكبير .. بل إنه غائر في النفس والروح بعمق عشرات السنين التي مضت على مصر وهي تسير من سيء إلى أسوأ .. لكن الأمل يبقى معقوداً على شباب وفتيات نشأوا في عالم غير الذي يتحدث عنه أسامة سرايا ومحمد على ابراهيم وعبد الله كمال ومجدي الدقاق .. عالم أكثر رحابة وأشد اتساعاً .. عالم لم تعد فيه المعلومة أو الحلم حكراً على برامج السيد تامر أمين تصدح فيها أناشيد وطنية حولها الناس إلى أضحوكة ليقينهم أنها أنشدت في سياق (أكل العيش) للمطرب والملحن والموزع وليس في سياق استنهاض الهمم وشد العزائم .
يا شباب مصر .. أنتم الأمل في غد أفضل .. غد ليس فيه فساد ولا تعذيب.. مستقبل ملئ بأحلامكم التي لن يعوقها مليون ونصف المليون من قوات الأمن المركزي .. مستقبل خال من تزوير إرادتكم ولا تنتهك فيه كرامتكم ولا تهدد فيه أعراضكم .. مستقبل الطريق فيه معبدة لكم ولأبنائكم من بعدكم يفخرون فيه بأنهم من تراب هذه البلاد الطاهرة .. وسامحونا .. فقد انهكتنا كثرة الأصفار.
منقووووووووووووووووووووووووول للأمانة