الذكاءات المتعددة•
لم يكتب لنظرية أن تكون مألوفة وشائعة بالشكل الذى أصبحت عليه نظرية الذكاءات المتعددة ، والتى أصبح صاحبها Howard Gardner سيكولوجيا لا معاً فى الآونة الأخيرة والسؤال الجدير بالأخذ فى الاعتبار هنا، ما السر فى شيوع وانتشار هذه النظرية دون غيرها من نظريات الذكاء؟
فى الحقيقة يرجع الفضل فى شيوع نظرية الذكاءات وبهذا الشكل ليس لكونها نظرية علمية ، ولم يأت هذا الانتشار من تلقاء نفسه، وإنما جاء من الدعم الذي تلقيه والجهود الكبيرة المبذولة في الدوائر
Howard Gardner
التربوية التى تحاول تطبيق النظرية فى ميدان التربية والتعليم . وقد أوضح Howard (2003) أن نظرية الذكاءات أصبحت تمثل الإطار النظرى والبناء الفلسفى للتربية وإعداد المناهج والتدريس والتقييم فى العديد من المدارس ، لدرجة أنه توجد مدارس قائمة على فلسفة نظرية الذكاءات المتعددة وبات يطلق عليها مدارس الذكاءات المتعددة MI Schools وذلك فى الولايات المتحدة الأمريكية.
ويذكر أنه أثناء استعراضه للمصادر المختلفة لدراسة الملكات الإنسانية، كان يفكر فى أفضل طريق يمكن الكتابة بها على اكتشافاته. فقد فكر فى استخدام مصطلحات مثل Abilities, Gifts, Talents, Capacities, Skills, Potentials. ولكنه أدرك أن كل كلمة من هذه الكلمات لها عيوبها مما يجعلها غير ملائمة . وأخيراً اختار أن يقوم بخطوة جريئة تتمثل فى تعديل وموائمة كلمة من علم النفس ثم توسيعها ومطها بطرق جديدة ، وكانت الكلمة هى الذكاء Intelligence ، ثم قام بجمعها على غير قواعد اللغة لتصبح Intelligences ، حيث إن كلمة ذكاء لا تجمع لأنها لا تعد . ورغم أن له العديد من المؤلفات والآمال المتعلقة بحياته المهنية إلا أنه يعترف بأن نظرية الذكاءات المتعددة أعطته الشهرة . فهو يعرف الآن بـ "أبو الذكاءات المتعددة " Father of multiple Intelligences .
الأهمية التربوية
قد يطرأ للبعض أن مصطلح "الذكاء المتعدد" يعني تعدد مستويات الذكاء بين الأفراد ، عموماً فقد ارتبط الذكاء بالعمليات العقلية المتعلقة بالذاكرة و المعرفة و الإدراك و الطلاقة و الاستدلال والقدرة العددية و الانتباه و الاستيعاب و غيرها. إلا أن الصحيح هو أن "الذكاء المتعدد" هو أحد النظريات التي تطرقت إلى موضوع الذكاء. و هناك عدد من نظريات الذكاء سنستعرضها باختصار.
من أوائل النظريات التي بحثت في الذكاء نظرية سبيرمان التي تنظر إلى الذكاء بصورة بسيطة حيث أعتقد الباحث أن الناس يختلفون في مدى ما يمتلكون من طاقة عقلية. و أتى آخرون بعد سبيرمان كأمثال ثيرستون و جلفورد و كاتل، حددوا بنية القدرات العقلية بتفصيل أكثر مما جاء به الباحث سبيرمان. أما الباحث ستيرنبرغ فقد أقترح نظرية تقوم على تحليل مكونات الذكاء و التي تقوم على تحليل للأساليب التي يستخدمها الإنسان عندما يقوم بحل المشكلات في الحياة العامة و المشكلات التي ترد في اختبارات الذكاء. وقد اعتبر ستيرنبرغ أن هناك ثلاثة مظاهر أساسية للذكاء يجب أن تقوم عليها النظرية المكتملة في الذكاء و هي: الذكاء الأكاديمي و الذي يمكن قياسه بالقدرة على حل المشكلات، و الذكاء العملي و الذي يستخدم في مواقف الحياة اليومية و ليس من السهل قياسه لعدم سهولة حصر مواقف الحياة و قياسها نظرياً . والذكاء الإبداعي الذي يتجلى في اكتشاف حلول جديدة للمشكلات الجديدة أو اكتشاف حلول مختلفة غير مألوفة.
وقد وسعت هذه النظرية مفهوم الذكاء لتغطي مجالات لم تؤكدها نظريات الذكاء الأخرى من حيث ربط معنى الذكاء في الحياة العامة.
نظرية الذكاءات المتعددة :
واضع هذه النظرية هو العالم جاردنر الذي نحا نحواً مختلفاً عن بقية الباحثين في محاولته تفسير طبيعة الذكاء. وقد أستمد نظريته من ملاحظاته للأفراد الذين يتمتعون بقدرات خارقة في بعض القدرات العقلية ولا يحصلون في اختبارات الذكاء إلا على درجات متوسطة أو دونها مما قد يجعلهم يصنفون في مجال المعاقين عقلياً. فعلى سبيل المثال فقد لاحظ جاردنر أن طفلاً بلغت نسبة ذكائه( 50) ، غير أنه كان قادراً على ذكر تاريخ أي يوم من أيام الأسابيع الواقعة بين السنوات 1880 – 1950م، كما كان قادراً على العزف على آلة البيانو بالسماع ، و كان هذا الطفل يمتلك غيرها من القدرات مثل الغناء بلغات أجنبية لا يتحدثها والتهجئة و الحفظ (الوقفي 1980م).
و هكذا فقد إسترعت مثيلات هذه الحالة إنتباه جاردنر الذي بات يعتقد بأن الذكاء مؤلف من كثير من القدرات المنفصلة أو الذكاءات المتعددة التي يقوم كل منها بعمله مستقلاً استقلالاً نسبياً عن الآخر.
وتتحدث هذه النظرية عن أبعاد متعددة في الذكاء، و تركز على حل المشكلات و الإنتاج المبدع على اعتبار أن الذكاء يمكن أن يتحول إلى شكل من أشكال حل المشكلات أو الإنتاج . ولا تركز هذه على كون الذكاء وراثي أو هو تطور بيئي. و نتيجة للبحث و الدراسة وجد جاردنر أن الأشخاص العاديين يتشكل لديهم على الأقل سبعة عناصر مستقلة من عناصر الذكاء :
(1) الذكاء اللغوي :
وهو القدرة على استخدام الكلمات شفوياً بفاعلية مثل الرواة والخطباء والسياسيون أو في صورتها التحريرية كما هو الحال عند الشعراء والمحررين والصحفيين . ويتضمن هذا الذكاء القدرة على تناول ومعالجة بناء اللغة وأصواتها ومعانيها والاستخدامات العملية لها ، مثل مهارة الإقناع والشرح .
(2) الذكاء المنطقي والرياضي :
هو القدرة على استخدام الأعداد بفاعلية كما هو الحال عند علماء الرياضيات ومحاسبي الضرائب والإحصائيين . وأن يستدلوا استدلالاً جيداً مثل العلماء ومبرمجو الكمبيوتر . ويتميز هذا الشخص بأنه يستمتع بالألغاز المنطقية والمثيرة للعقل ، وترتيب الأشياء وتصنيفها ، ويحب إيجاد العلاقات المنطقية بين الأشياء التي يقولها ويفعلها الآخرين ويؤمن بأن كل شئ له تفسير عقلي .
(3) الذكاء المكاني :
وهو القدرة على الإدراك البصري الدقيق لعالم المكان مثل الصيادين والكشافين والمرشدين ، وأن يؤدي أو يقوم بتحويلات معتمداً على تلك الإدراكات كما هو الحال عند مصمم الديكورات الداخلية ، والمهندس المعماري والفنان ، ويتميز هذا الشخص بأنه يستمتع بالألغاز المصحوبة بالصور والمتاهات والألغاز المكونة من صور مقطعة .
(4) الذكاء الموسيقي :
وهو القدرة على إدراك الصيغ والأنغام الموسيقية والتمييز بينها مثل الناقد الموسيقي ، وهواة الاستماع إلى الموسيقي وصياغتها مثل المؤلف الموسيقي والتعبير عنها مثل المغني أو العازف وهذا الذكاء يتضمن الحساسية للإيقاع والطبقة واللحن والجرس أو لون النغمة لقطعة موسيقية .
(5) الذكاء الجسمي الحركي :
وهو قدرة استخدام الفرد جسمه في التعبير عن أفكاره ومشاعره مثل الممثلون والرياضيون والراقصون ، واليسر في استخدام الفرد ليديه لإنتاج الأشياء أو تحويلها كما هو الحال عند النحاتين والحرفيين. ويتضمن هذا الذكاء مهارات جسمانية محددة مثل التناسق والتوازن والبراعة والقوة والمرونة والسرعة وقدرة الفرد على الإحساس بأبعاد جسمه وبحاسة اللمس عنده .
(6) الذكاء الاجتماعي :
وهو القدرة على إدراك أمزجة الآخرين ومقاصدهم ودوافعهم ومشاعرهم والتمييز بينها ، ويضم الحساسية للتعبيرات الوجهية والصوت والإيماءات والقدرة على التمييز بين مختلف الأنواع من المزاجات ، ويتضمن هذا الذكاء القدرة على التمييز بين أنواع كثيرة جداً من الإشارات الاجتماعية والاستجابة المناسبة لهذه الإشارات بطريقة عملية تساعد على التأثير في مجموعة من الأفراد لحثهم على القيام بعمل معين .
(7) الذكاء الشخصي :
وهو القدرة على معرفة الذات والتصرف توافقياً على أساس تلك المعرفة ، وهذا الذكاء يتضمن أن يكون لدى الفرد صورة دقيقة عن نواحي قوته وحدوده والوعي بأمزجته الداخلية ومقاصده ودوافعه وحالاته المزاجية والانفعالية ورغباته والقدرة على تأديب الذات وفهمها وتقديرها .
و من هنا نرى أن هذه النظرية ترى الذكاء نظرة كليه وتعتقد بالمركزية الفردية ، حيث تؤكد على الفردية التي تميز كل فرد ، ويرى جاردنر أن الناس يملكون أنماطا فريدة من نقاط القوة والضعف وفي القدرات المختلفة ، وعليه يصبح من الضروري فهم وتطوير أدوات مناسبة لكل شخص حيث يعتمد جاردنر في نظريته على افتراض مهمتين ألا وهما :
أ ) أن للبشر اختلافات في القدرات والاهتمامات ولذا فهم لا يتعلمون بنفس الطريقة .
ب ) ولا يمكن لأحد أن يتعلم كل شئ يمكن تعلمه.