بســم الله الـرحمــن الرحيــم
السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــه ،،
انظر للآيات التي تشرح كم كان هذا اليوم الذي يعد آخر يوم في معاناة سيدنا لوط مع قومه عصيبا وقاسيا، فتقول الآيات: {وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ، قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ، قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ، قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}، فالمعصية أصبحت مستمرة فيهم.
ولكن يظهر هنا سؤال: هل سيدنا لوط يرضى لبناته أن تتزوج كل منهن من واحد من هؤلاء الفسقة فيقول لهم: {يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ}؟
لا ولكن سيدنا لوط يقصد بـ"بَنَاتِي" بنات المدينة، فالعلماء قالوا إن كل نبي يرسل في قرية أو مدينة يكون هو بالنسبة للقوم أبا لهم، ولذلك الآية تقول: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} الأحزاب.
ولكن بعد أن ضاق بهم ولم تجدِ معهم محاولاته المستميتة لإبعادهم عن ضيفه حتى وهو مازال لم يدرك أنهم ملائكة، ليكون هذا الموقف في ميزان قومه وفي ميزانه يوم القيامة، ولكن بعد أن يئس ووصل إلى حالة من الارتباك قال: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: "رحمة الله على لوط لقد كان يأوي إلى ركن شديد" وهو لا يدرك أن الله قد أرسل إليه الملائكة ليجعلوا نهاية لمعاناته مع قومه، وهنا قامت الملائكة: {قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ}.
وهنا يأتيه الأمر أن يسير في أكثر أجزاء الليل ظلاما، ويظهر هنا سؤال آخر؛ لماذا قال الله تبارك وتعالى لسيدنا لوط {وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ} وهم في الأصل يسيرون بالليل والعذاب سوف ينزل بقومه في الصباح؟
يقصد بها أن ألقوا بكل ما تركتم خلف ظهوركم ولا تلتفتوا إلى الدنيا ولا تصبح غايتكم الدنيا، فالمقصود عدم الالتفات إلى المتاع.
ولكن هنا يظهر سؤال: لماذا قال الله في الآيات: {إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ}، والآية الأخرى من سورة التحريم: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ}.
ولكن لا تعتقد أن الخيانة بالمفهوم الذي نعرفه، فالخيانة هنا ليست خيانة عرض فلا ينبغي لنبي أن يخان في عرضه، فالله قد نزه الأنبياء عن هذا، ولكن المقصود بالخيانة هنا خيانة عقيدة، فقد أعجبها قومها فكانت لا تستنكر ما يفعل قومها، فكانت النتيجة أن أصابها ما أصابهم، ونستخلص منها أن الذي يشاهد ما تعرضه القنوات الإباحية، وأفعال قوم لوط معرض أن يلقى من العذاب وعقاب صاحب الفعل الأصلي.
وهنا يأتي ميعاد العذاب فيقول الله تبارك وتعالى في سورة هود: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ، مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}.
انظر جزاء من نكسوا الخلقة وقلبوا الفطرة السليمة، فكان جزاؤهم أن قام سيدنا جبريل برفع المدينة على جناحيه إلى السماء حتى سمع أهل السماء نداء كلابهم، صراخ وصراخ وقبل أن يقذف بهم إلى الأرض أمطر الله عليهم حجارة من طين متحجر صخري كلها جحيم وكل حجر ينزل باسم كل شخص في المدينة باسمه وهذا معنى {مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ}، ولكن لماذا أمطر الله عليهم الحجارة؟
لأن الجزاء من جنس العمل، فقد استخدموا نقطة المني وبدلا من أن توضع في مكانها الذي شاء الله لها أن توضع، قاموا هم بوضعها في المكان الخطأ، فكان استخدام المطر النقي الطاهر على عكس معناه، الذي يأتي دوما بالخير على الأرض التي ينزل عليها، فكان فرحهم في البداية كبيرا لنزول المطر، ولكن عذابهم كان في النهاية شديدا، لأن المطر الذي من المفترض أن يحمل لهم الخير حمل لهم أحجارا من الجحيم مهلكة.
ثم نزل سيدنا جبريل من السموات فخسف بهم الأرض، ويقول العلماء إن مكانهم هو مكان البحر الميت الآن، يقول الله تبارك وتعالى: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ، وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ}.
ولكن انظر للتعقيب القرآني الذي يلخص لك لماذا يقص عليك قصص هؤلاء من أجل: {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}
.