بإذن الله سأطرح بعض الاحاديث المتعلقة بالصلاة من كتاب عمدة الاحكام
مع شرحها لفضيلة الشيخ : عبد الرحمن السحيم
الحديث الأول
حديث المسيء صلاته
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْمَسْجِدَ , فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى , ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : ارْجِعْ فَصَلِّ , فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ . فَرَجَعَ فَصَلَّى كَمَا صَلَّى , ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : ارْجِعْ فَصَلِّ , فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ - ثَلاثاً - فَقَالَ : وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لا أُحْسِنُ غَيْرَهُ , فَعَلِّمْنِي , فَقَالَ : إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلاةِ فَكَبِّرْ , ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ معك مِنْ الْقُرْآنِ , ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعاً , ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِماً , ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِداً, ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِساً . وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا .
في الحديث مسائل :
1= هذا الحديث أصل وعُمدة عند العلماء في إثبات أركان الصلاة ، وبعضهم يُسمِّيها فروض الصلاة .
وهذا الحديث يُعرف بحديث المسيء صلاته .
قال الإمام القرطبي في التفسير :
وأما فروضها [ يعني الصلاة ] فـ :
استقبال القبلة والنية وتكبيرة الإحرام والقيام لها وقراءة أم القرآن والقيام لها والركوع والطمأنينة فيه ورفع الرأس من الركوع والاعتدال فيه والسجود والطمأنينة فيه ورفع الرأس من السجود والجلوس بين السجدتين والطمأنينة فيه والسجود الثاني والطمأنينة فيه .
ثم ذَكَر أن الأصل في ذلك حديث الباب .
وقال الإمام النووي :
وفيه دليل على وجوب الاعتدال عن الركوع والجلوس بين السجدتين ووجوب الطمأنينة في الركوع والسجود والجلوس بين السجدتين وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور ولم يوجبها أبو حنيفة رحمه الله تعالى وطائفة يسيرة ، وهذا الحديث حجة عليهم وليس عنه جواب صحيح ، وأما الاعتدال فالمشهور من مذهبنا ومذاهب العلماء يجب الطمأنينة فيه كما يجب في الجلوس بين السجدتين .
2= في هذه الرواية وَرَد ذِكر السلام دون الردّ .
وفي رواية للبخاري ومسلم : ثم جاء فَسَلَّم عليه ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : وعليك السلام ارجع فَصَلِّ ، فإنك لم تُصَلِّ ، فرجع فصلى ، ثم جاء فَسَلَّم ، فقال : وعليك السلام ، فارجع فَصَلِّ ، فإنك لم تُصَلِّ .
ويكون ردّ السلام مطوياً في الرواية الأولى .
وفي هذه الرواية زيادة فائدة ، وهي جواز قول : وعليك السلام في الردّ على الشخص الواحد .
3= في رواية للإمام أحمد من حديث رِفاعة بن رافع الزُّرَقي :
والذي بعثك بالحق لقد أجهدت نفسي فعلمني وأرِني ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : إذا أردت أن تصلى فتوضأ فأحسن وضوءك ، ثم استقبل القبلة ، ثم كبر ، ثم اقرأ ، ثم اركع حتى تطمئن راكعا ، ثم ارفع حتى تطمئن قائما ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ، ثم قم فإذا أتممت صلاتك على هذا فقد أتممتها ، وما انتقصت من هذا من شيء فإنما تنقصه من صلاتك .
ففي هذه الرواية زيادة تعليم الوضوء واستقبال القبلة .
4= المقصود بقوله : " ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ " أي بعد قراءة الفاتحة ، مع جواز الاقتصار على الفاتحة .
روى الإمام أحمد من حديث رِفاعة بن رافع الزُّرَقي – وفيه – : فقال : يا رسول الله علمني كيف أصنع ؟
قال : إذا استقبلت القبلة فكبر ، ثم اقرأ بأم القرآن ثم اقرأ بما شئت ، فإذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيك وامدد ظهرك ومكِّن لركوعك ، فإذا رفعت رأسك فأقم صُلبك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها ، وإذا سجدت فَمَكِّن لسجودك ، فإذا رفعت رأسك فاجلس على فخذك اليسرى ، ثم اصنع ذلك في كل ركعة وسجدة .
فَدَل الحديث برواياته على أن :
استقبال القبلة شرط لصحّة الصلاة .
وعلى أن :
تكبيرة الإحرام والقيام لها وقراءة أم القرآن والقيام لها والركوع والطمأنينة فيه ورفع الرأس من الركوع والاعتدال فيه والسجود والطمأنينة فيه ورفع الرأس من السجود والجلوس بين السجدتين والطمأنينة فيه والسجود الثاني والطمأنينة فيه ؛ أنها أركان كما تقدّم نقله عن القرطبي والنووي .
5= قوله عليه الصلاة والسلام : " ارجع فَصَلِّ ، فإنك لم تُصَلِّ " مراراً يدل على أن الصلاة التي يَنقُرها صاحبها لا تُسمى صلاة بلسان الشرع ، ولا يُعتدّ بها ، ولا تُجزئ .
6= ودل هذا الحديث على أن الذي لا يطمئن بعد الركوع ، ولا بين السجدتين لا تصح صلاته .
وقد رأى حذيفة رجلا لا يُتِمّ ركوعه ولا سجوده ، فلما قضى صلاته قال له حذيفة : ما صليت . قال أبو وائل : وأحسبه قال : لو مِتّ مت على غير سنة محمد صلى الله عليه وسلم . رواه البخاري .
إذاً فليست العِبرة بالأداء بقدر ما هي العبرة بإقامة الصلاة ، ولذلك فإن الله لم يأمر بمجرّد الصلاة ، وإنما أمر بإقامتها .
وقد جاء في الحديث : إن الرجل ليصلي ستين سنة وما تُقبل له صلاة ؛ لعله يُتمّ الركوع ولا يُتمّ السجود ، ويُتمّ السجود ولا يُتمّ الركوع .
7= الضابط في الطمأنينة :
ما جاء في حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه : " حتى يعود كل فقار مكانه " .
فإذا عاد كل عضو إلى مكانه فقد اطمئن الْمُصلِّي .
والله تعالى أعلم .
الحديث الثاني
الحديث في تمام صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمره بالتخفيف
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : مَا صَلَّيْتُ وراء إمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلاةً ، وَلا أَتَمَّ صّلاةً مِنَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم .
في الحديث مسائل :
1= تقدّم الكلام على أمره صلى الله عليه وسلم بالتخفيف ، وأنه مع ذلك كان يُطيل في بعض الأحيان ، وأن الأمر بالتخفيف في مُقابِل التطويل الذي يشقّ على الناس .
2= التخفيف لا يعني الإخلال بالصلاة من حيث أركانها وواجباتها بل وسُننها .
فقد جاء الحث على المحافظة على ركوعها وسُجودها ، فمن ذلك :
قوله عليه الصلاة والسلام : لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود . رواه أبو داود وابن ماجه .
وفي حديث أبي هريرة عند أحمد مرفوعاً : لا ينظر الله إلى صلاة رجل لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده .
وقوله عليه الصلاة والسلام : أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته . قالوا : يا رسول الله وكيف يسرق من صلاته ؟ قال : لا يتم ركوعها ولا سجودها ، أو قال : لا يُقيم صلبه في الركوع والسجود . رواه الإمام أحمد .
وقوله عليه الصلاة والسلام : من حافظ على الصلوات الخمس ركوعهن وسجودهن ووضوئهن ومواقيتهن ، وعلم أنهن حق من عند الله دخل الجنة ، أو قال وَجَبَتْ له الجنة . رواه الإمام أحمد .
وفي رواية له : قال من حافظ على الصلوات الخمس على وضوئها ومواقيتها وركوعها وسجودها يراها حقا لله عليه حُرِّمَ على النار .
3= جَمْعُه صلى الله عليه وسلم بين التخفيف والتمام والْمُقارَبة بين أركان الصلاة .
روى مسلم من طريق ثابت عن أنس قال : ما صَلَّيتُ خَلْفَ أحَدٍ أوجزَ صلاة من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمام ؛ كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم مُتقارِبة ، وكانت صلاة أبي بكر متقاربة ، فلما كان عمر بن الخطاب مَـدّ في صلاة الفجر ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال : " سمع الله لمن حمده " قام حتى نقول : قد أوْهَم ، ثم يسجد ويقعد بين السجدتين حتى نقول : قد أوهم .
4= في هذا الحديث رد على من تمسّك بظاهر الأمر بالتخفيف ، فإن الذي أمر بالتخفيف عليه الصلاة والسلام كان يُتمّ صلاته ، ولم يُـرَ أحسن منها .
والله تعالى أعلم .