يقول تعالى: ﴿ وإنك لعلى خلق عظيم﴾ 1
.
... أما بعد!
اقرأ اخي كل هذه الأخلاق عل تسيل دموعك، اقرأ كل هذه الخصال عل يهتز كيانك، اقرأ كل هذه الصفات عل يرق قلبك، من اقرأ كل هذه الأفعال عل يلتاع فؤادك؟ من يملك عواطفه وأحاسيسه ومشاعره أمام نبله وكرمه وشهامته وتواضعه ورحمته ورقته وحنانه...؟ من منا يطالع سيرته وأخلاقه ثم لا ينفجر باكيا ويقول: ما أعظمك يا سيدي يا رسول الله؟.
فما أجمل أن نحيي هذه السيرة العطرة وأن نتخلق بهذه الأخلاق العظيمة فأولى الناس به صلى الله عليه وسلم أحفظهم لحقها وأدومهم للعمل بها، سئل عليه الصلاة والسلام عن أقرب الناس منه مجلسا يوم القيامة فقال: "أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا الموطؤون أكنافا الذين يألفون ويألفون" .
وسئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة يوم القيامة فقال: "تقوى الله وحسن الخلق" ، وسئل عن أعظم شيء وأثقل شيء في الميزان فقال: "تقوى الله وحسن الخلق" ولا يزال الإنسان حسَن الخلق حتى يجعله الله طيب الذكر في الأرض والسماء
اما الان فقد:
كان خلقه صلى الله عليه وسلم عظيما حينما كان أكمل الناس أدبا مع الله وأشدهم خشية لله، قال صلى الله عليه وسلم: "إني لأخشاكم لله وأتقاكم له" .
قام الليل حتى تورمت قدماه من القيام وصام النهار فما مل ولا سئم بل واصل الصيام، كمل أدبه مع الله عز وجل فزينه بأفضل الشمائل والخصال فكان إماما في الأخلاق، قال عنه أنس رضي الله عنه: "كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا"، وقالت عنه صفية بنت حيي: "ما رأيت أحسن خلقا من رسول الله صلى الله عليه وسلم".
كان خلقه صلى الله عليه وسلم عظيما حينما كان دائم البشر طليق الوجه بالسرور، قال جرير بن عبد الله: "ما لقيت النبي صلى الله عليه وسلم إلا تبسم في وجهي".
كان خلقه صلى الله عليه وسلم عظيما حينما كان إمام الرحماء يرق للضعيف ويحن على المسكين ويعطف على الخلق أجمعين، يرحم الصغير والكبير والقريب والبعيد والمسلم وغير المسلم، جاءه أعرابي فرآه يقبل حفيده الحسن بن علي رضي الله
عنه، فتعجب الأعرابي وقال: "تقبلون صبيانكم؟ فما نقبلهم" فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم: "نزع الله من قلبك الرحمة".
دخل أعرابي المسجد والرسول صلى الله عليه وسلم جالس مع أصحابه فرفع ثوبه لكي يبول فقام إليه الصحابة مسرعين لينهروه، فمنعهم الرؤوف الرحيم عليه الصلاة والسلام شفقة ورحمة وتركه حتى أتم بوله، ثم دعاه إليه فوجهه وعلمه وأرشده حتى قال الأعرابي من شدة تأثره لفعل النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم ارحمني وارحم محمدا ولا ترحم معنا أحدا".
كان يجلس صبي بين يديه الشريفتين عليه الصلاة والسلام فبال عليه، فقامت إليه أمه مسرعة لتأخذه، فمنعها الرحمة المهداة حتى لا تخيف الطفل، وتركه عليه الصلاة والسلام حتى أتم بوله وذهب بعد ذلك ليغير ملابسه.
كان خلقه صلى الله عليه وسلم عظيما حينما كان جوادا كريما، كان أجود بالخير من الريح المرسلة، قال جابر بن عبد الله: "ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فقال: لا"، وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: "كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة".
كان خلقه صلى الله عليه وسلم عظيما حينما كان رحيما حتى في إمامته وصلاته، كان يدخل إلى الصلاة يريد أن يطيلها فإذا سمع بكاء طفل أشفق على أمه فخففها وكان يقول: "إذا أم أحدكم بالناس فليخفف، فإن وراءه الضعيف والسقيم والشيخ والكبير وذا الحاجة..." .
كان خلقه صلى الله عليه وسلم عظيما حينما كان رحيما في دعوته، رحيما في توجيهه وإرشاده ونصحه، ما كان يجرح الناس ولا يعنفهم ولا يكسر خواطرهم ولا يشهر بهم، بل كان يقول: "ما بال أقوام"، وكان يعلم بألطف عبارة وأحسن إشارة، جاءه شاب وطلب منه أن يأذن له بالزنى فقام إليه الناس وزجروه، فقال له عليه الصلاة والسلام أتحبه لأمك.. أتحبه لابنتك .. أتحبه لأختك.. فقال الشاب: لا، وبعد ذلك وضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصّن فرجه.
كان خلقه صلى الله عليه وسلم عظيما حينما كان يمشي مع الأرملة والمسكين والعبد حتى يقضي له حاجته، ويأتيه الصغير فيأخذ بيده يريد أن يحدثه في أمر فيذهب معه حيث شاء.
كان خلقه صلى الله عليه وسلم عظيما حينما كان متواضعا، لو دخل عليه الغريب لا يستطيع أن يعرفه من فرط تواضعه، وكان السائل يقول: أيكم محمد؟ ما كان جبارا ولا فظا ولا سخابا ولا لعانا ولكن كان رحمة للعالمين، دخل في فتح مكة إلى الحرم خاشعا مستكينا، ذقنه يكاد يمس ظهر راحلته من الذلة لله تعالى والشكر له.. لم يدخل متكبرا، متجبرا، مفتخرا، شامتا. وقف أمامه رجل وهو يطوف بالبيت، فأخذته رعدة، وهو يظنه كملك من الملوك، فقال له الرحمة المهداة عليه الصلاة والسلام: "هون عليك، فإنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة" .
كان خلقه صلى الله عليه وسلم عظيما حينما كان يفرح لفرح الأطفال، ويبتسم لابتسامتهم، في الخبر: أنه صلى إماماً بجماعة من أصحابه فأطال السجود حتى ظن الناس به شيئاً، فلما انصرف من صلاته قال: "لقد أطلتُ سجودي حتى ظننتم، وإن ولدي هذا ارتحلني، فكرهت أن أهيجه" وفي خبر آخر: أنه كان يلاعب الحسن والحسين حتى يرتحلا ظهره فيقول: "نعم الجمل جملكما ونعم الراكب أنتما!!" ، ولم يجد غضاضة في نفسه أن نزل يوما من منبره وقد رأى ولده يعثر في المسجد فحمله وصعد به المنبر واستأنف خطبته، وقد حملت لنا كتب السنة كثيرا من أدبه مع الأطفال، وقد كان يرعاهم بنظره ودفئه وحنانه ورحمته.
كان خلقه صلى الله عليه وسلم عظيما حينما كان يفرح لفرح الأطفال، ويبتسم لابتسامتهم، في الخبر: أنه صلى إماماً بجماعة من أصحابه فأطال السجود حتى ظن الناس به شيئاً، فلما انصرف من صلاته قال: "لقد أطلتُ سجودي حتى ظننتم، وإن ولدي هذا ارتحلني، فكرهت أن أهيجه" وفي خبر آخر: أنه كان يلاعب الحسن والحسين حتى يرتحلا ظهره فيقول: "نعم الجمل جملكما ونعم الراكب أنتما!!" ، ولم يجد غضاضة في نفسه أن نزل يوما من منبره وقد رأى ولده يعثر في المسجد فحمله وصعد به المنبر واستأنف خطبته، وقد حملت لنا كتب السنة كثيرا من أدبه مع الأطفال، وقد كان يرعاهم بنظره ودفئه وحنانه ورحمته.
كان خلقه صلى الله عليه وسلم عظيما حينما كان يدخل إلى بيته، كان خير الأزواج وأفضلهم، ما عاب طعاما وضع بين يديه، ولا سب امرأة ولاشتمها ولا ضربها ولا أهانها، كان يساعدهم في أمورهم ويقضي حوائجهم، كان يخيط ثوبه، ويخصف نعله، ويكنس بيته، ويحلب شاته، كان حليما رحيما، لا يؤذي ولا يعنف ولا يجرح أحدا.
كان خلقه صلى الله عليه وسلم عظيما حينما كان يجالس الفقراء، ويجلس حيث انتهى به المجلس، كان أشد حياء من العذراء في خدرها، يحلم على الجاهل ويصبر على الأذى، يبتسم في وجه محدثه ويأخذ بيده ولا ينزعها قبله، يُقبل على من يحدثه حتى يظن أنه أحب الناس إليه، يؤْثِر أصحابه بالطعام، يكره التّزلّف والمديح والتّملّق، يحنو على المسكين، يقف مع المظلوم، يزور الأرملة، يعود المريض، يشيّع الجنازة، يمسح رأس اليتيم، يشفق على المرأة، يقري الضيف، يُطعم الجائع، يمازح الأطفال، يرحم الحيوان. قال له أصحابه: ألا تقتل الشرير الفاجر رأس المنافقين عبد الله بن أُبي بن سلول؟ فقال: "لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه" .
عن أبي عبد الله الجدلي رضي الله عنه قال: قلت لعائشة: كيف كان خلق رسول الله في أهله؟ قالت: "كان أحسن الناس خلقا، لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا سخابا في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة مثلها ولكن يعفو ويصفح". رواه الإمام أحمد رحمه الله. وعن أنس رضي الله عنه قال: "خدمت رسول الله عشر سنين فما قال لي أف ولا لم صنعت ولا ألا صنعت". رواه الإمام البخاري رحمه الله. وعن سماك قال: قلت لجابر بن سمرة: أكنت تجالس رسول الله؟ قال: "نعم، كان طويل الصمت قليل الضحك، وكان أصحابه يذكرون عنده الشعر وأشياء من أمورهم فيضحكون وربما تبسم". انفرد بإخراجه الإمام مسلم رحمه الله.
عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله: "لا تُطْرُوني كما أَطْرت النصارى عيسى بن مريم، فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله". أخرجه الإمام البخاري رحمه الله.
وعن جابر رضي الله عنه قال: "جاء النبي يَعُودُني ليس براكب بغلا ولا بِرْذَوْنا". انفرد بإخراجه الإمام البخاري رحمه الله.
وعن أنس رضي الله عنه قال: "إن كانت الأمة من أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله فتنطلق به في حاجتها". انفرد بإخراجه الإمام البخاري رحمه الله. وفي بعض ألفاظ الصحيح: "فتنطلق به حيث شاءت". وعن الأسود رضي الله عنه قال: قلت لعائشة رضي الله عنها : "ما كان رسول الله يصنع إذا دخل بيته؟" قالت: "كان يكون في مِهْنة أهله فإذا حضرت الصلاة خرج فصلى". انفرد بإخراجه الإمام البخاري رحمه الله.
وعن البراء رضي الله عنه قال: "رأيت النبي يوم الأحزاب ينقل التراب وقد وارى التراب بياض بطنه وهو يقول:
والله لولا أنت ما اهتدينا *** ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلنْ سكـينة علينـا *** وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الأُلَى قد بغوا علينا *** إذا أرادوا فتنة أبينا
أخرجاه في الصحيحين. وفي بعض الألفاظ: "والله لولا الله ما اهتدينا".
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان رسول الله يعود المرضى، ويشهد الجنازة، ويأتي دعوة المملوك، ويركب الحمار، ولقد رأيته يوما على حمار خِطَامُه لِيفٌ" (ليفٌ: قِشر النخل ونحوه).
وعن الحسن أنه ذكر رسول الله فقال: "لا والله ما كانت تغلق دونه الأبواب، ولا يقوم دونه الحجاب، ولا يُغْدَى عليه بالجِفَان، ولا يُراح عليه بها، ولكنه كان بارزا من أراد أن يَلْقَى نبيَّ الله لقيه، وكان يجلس بالأرض ويوضع طعامه بالأرض، يَلْبَس الغليظ ويَركَب الحمار ويُرْدِف عبدَه ويَعْلِف دابتَه بيده".
* من كتاب صفة الصفوة، لأبي الفرج ابن الجوزي رحمه الله.
كان خلقه القرآن
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير الضراعة والابتهال، دائم السؤال لله تعالى أن يزينه بمحاسن الآداب ومكارم الأخلاق.
فاستجاب الله دعاءه، فأنزل عليه القرآن وأدبه به فكان خلقه القرآن.
أخرج الإمام البخاري في كتاب الأدب في رواية عن سعد بن هشام قوله: " دخلتُ على عائشة وعلى أبيها فسألتها عن أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: أما تقرأ القرآن؟ قلت : بلى، قالت : كان خلقه القرآن وإنما أدبه القرآن بمثل قوله تعالى : "خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين" الأعراف، الآية 119.
وقوله : "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي" النحل، الآية90.
وقوله: "واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور" الشورى، الآية 43.
وقوله: "فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين" المائدة، الآية 13.
وقوله: "ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم" فصلت، الآية 34.
وقوله: "والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين" آل عمران، الآية 134.
وقوله: "يأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا" الحجرات، الآية 12.
مشاهد من مكارم الأخلاق
وأمثال هذه التأديبات في القرآن كثيرة لا تحصر وهو عليه السلام المقصود الأول بالتأديب والتهذيب، ثم منه يشرق النور على كافة الخلق، فإنه أُدّب بالقرآن وأََََدّب الخلقَ به.
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في رواية الإمام البخاري في الأدب: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" ثم رغب الخلق في محاسن الأخلاق ولما أكمل الله خلقه أثنى عليه وقال تعالى: "وإنك لعلى خلق عظيم" القلم، الآية 4.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين لنا أن الله يحب مكارم الأخلاق ويبغض سفاسفها، قال علي رضي الله عنه : "يا عجبا لرجل مسلم يجيئه أخوه في حاجة فلا يرى نفسه للخير أهلا، لقد كان له أن يسارع إلى مكارم الأخلاق فإنها مما تدل على سبيل النجاة، فقال له رجل أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : نعم".
وخير منه لما أتى بسبايا طيء ووقفت جارية في السبي فقالت : يا محمد إن رأيت أن تخلي عني ولا تشمت بي أحياء العرب فإني بنت سيد قومي وإن أبي كان يحمي الدمار ـأي الحمى والديارـ ويفك العاني ويشبع الجائع ويطعم الطعام ويفشي السلام ولم يرد طالب حاجة قط، أنا ابنة حاتم الطائي، فقال صلى الله عليه وسلم : "يا جارية هذه صفات المؤمنين حقا، لو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه، خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق وإن الله يحب مكارم الأخلاق، فقام أبو ذر بن نيار فقال : يا رسول الله، آلله يحب مكارم الأخلاق ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : "والذي نفسي بيده لا يُدخِل الجنة إلا حسن الأخلاق" خرجه الحافظ العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء" ج2.