بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين اما بعد....
الصلاة والسلام، على رسول الرحمة والمحبة والسلام، إن قوماً أحبوك لمأجورون، وإن أناساً عشقوا سيرتك لمشكورون، وإن بشراً هاموا بتعاليمك لمعذورون، آمل من كل محب للحقيقة، عاشق للإنصاف أن يطالع بتجرد سيرة النبي المعصوم محمد بن عبد الله
، كلما طالعتُ سيرته
بتمعن وتأمل ظهرت لي حقيقتان؛ الأولى: أن النجاة والنجاح والسعادة باتباعه وحده صلى الله وسلم.
الثانية: أن كثيراً منا ظلم سنّته وسيرته حين فهمها فهماً مشوّهاً، وقدّمها للآخرين بصورة مغلوطة، أقرأُ في صحيح السنة أنه
يمسك بخطام الجمل ويضع قدمه على ركبة الجمل؛ لتركب إحدى زوجاته، وهو يهيئ لها الركوب، فمَنْ منّا يفعل ذلك مع أهله؟
وفي صحيح السنة أنه
في بيت عائشة تهدي إحدى زوجاته له طعاماً في جفنة فتغار عائشة وتضرب الجفنة فتكسرها ويتناثر الطعام فيأخذ
في صمت وهدوء وحكمة وسكينة جفنة من بيت عائشة ويضع فيها طعاماً ويردها مع الجارية إلى بيت زوجته الأخرى ويقول: «طعام بطعام وجفنة بجفنة». أقرأ في صحيح السنة أن أعرابياً قدم من البادية فأمسك ببُرد الرسول
وجذبه بعنف وغلظة حتى احمر عنقه
وأثّر البرد في عنقه ثم صاح الأعرابي بجفاء وغضب في وجه الرسول
وهو يقول: أعطني من مال الله الذي عندك لا من مال أبيك ولا من مال أمك.
فيضحك
في سماحة وعفو وحلم ويأمر له بعطاء. أقرأ في صحيح السنة أن امرأة توقفه
في إحدى طرق المدينة في الشمس فيقف لها حتى تنهي حديثها، وتأخذه جارية بيده
فيذهب معها حتى تريه عناقاً ميتة في إحدى سكك المدينة ويبول أعرابي في المسجد فيريد الصحابة ضربه فيمنعهم
ويتحبب للأعرابي ويتعطف عليه حتى يتعلم السنة والأدب.
اجتمع عليه
الأعراب في حنين يريدون العطاء ويجرون بكسائه ويتعلق كساؤه بشجرة فيوزع عليهم الغنائم ولا يبقي لنفسه درهماً ولا ديناراً. يبالغ أعداؤه في أذيته، يخرجونه من دياره، يسبونه، يشتمونه، يحاربونه، يشجون رأسه، يكسرون ثنيته، يدمون عقبيه يقتّلون أصحابه، ثم ينتصر فيقول: «عفا الله عنكم، اذهبوا فأنتم الطلقاء».
يترجم أخلاقه بقوله: «إن الله أمرني أن أصل من قطعني، وأن أعفو عمن ظلمني، وأن أعطي من حرمني»، يحمل الأطفال، يداعبهم، يضاحكهم، يمازحهم، يحمل أمامة بنت زينب ابنته على كتفه وهو يصلي بالناس، يصافحه الإنسان فلا ينـزع
يده من يد من يصافحه حتى يترك المصافح يده، يتبسم في وجوه الناس، يختار في حديثه أرق وأجمل وأحسن وأحلى العبارات، يدفع بالتي هي أحسن، يكظم الغيظ، يعفو عن الزلة، يوقر الكبير، يرحم الصغير، يتحنن على المسكين، ينصر المظلوم، يرعى حق الصحبة، يباشر
الخدمة بنفسه، فيخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويصلح بيته، ويعين أهله في المنزل، ويساعد أصحابه في العمل، يركب الحمار، ويمشي حافياً، وينام على التراب، ويربط الحجر على بطنه من الجوع، ويأكل مع المساكين، ويزور الضعفاء، ويعود المرضى، ثم يستحق بجدارة قول الله تعالى: (وإنك لعلى خلق عظيم).
كنت أقرأ مع أحد زملائي وأصدقائي فصولا من سيرته
، ثم رفعت رأسي أطلب من صديقي التعليق على ما سمع وإذا بدموعه تتحدر على خده ويقول لي: يكفي يكفي.
إن أجمل تعليق وأحسن شرح على سيرته
أن ترسل دموعك الحارة الصادقة شوقاً لصحبته، وغراماً بسيرته، وترسلها مرة ثانية بكاء على واقعنا المؤسف ونحن غلاظ شداد، لا نصبر ولا نتحمل ولا نعفو ولا نسامح إلا من رحم ربك، هل من عودة صادقة لسيرته
؟