إخوان رسول الله صلى الله عليه وسلم
ا
4- اتباعه بإحسان:
قال الله عز وجل: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ .
إتباع بإحسان بما يعنيه من إحسان في العبادة أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك . ومن إحسان في المعاملات، أن تعامل بالحسنى الوالدين والأقربين والجيران وجميع خلق الله. ومن إحسان في العمل وهو إتقانه وتطويره.
يقول الأستاذ عبد السلام ياسين في كتاب الإحسان [ج1: 17]: "مجموع هذه الدلالات يعطينا مواصفات المومن الصالح في نفسه وخلقه وتعامله مع المجتمع، يعطينا الوصف المرغوب لعلاقات العبد بربه وبالناس وبالأشياء. علاقته بربه تكون إحسانية إن حافظ على ذكره لا يفتر عن مراقبته وخشيته ورجائه ودعائه ومناجاته. بهذا الإحسان في عبادة ربه يطيب قلبه وتجمل أخلاقه وتصلح نواياه وأفعاله فيكون للخلق رحمة يعم العالم الأقرب فالأقرب".
والإحسان أيضا أعلى درجة في الدين فوق الإسلام والإيمان، لا إيمان بلا إسلام، ولا إحسان بلا إيمان.
5- سند الصحبة:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "يأتي على الناس زمان، يغزو فئام من الناس. فيقال: لهم فيكم من رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فيقولون: نعم. فيفتح لهم. ثم يغزو فئام من الناس. فيقال لهم: فيكم من رأى من صحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟فيقولون: نعم. فيفتح لهم. ثم يغزو فئام من الناس. فيقال لهم: هل فيكم من رأى من صحب من صحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فيقولون: نعم. فيفتح لهم" .
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "لا تمس النار مسلما رآني أو رأى من رآني" ؛ قال طلحة فقد رأيت جابر بن عبد الله. وقال موسى وقد رأيت طلحة. قال يحيى وقال لي موسى وقد رأيتني ونحن نرجو الله. رواه الترمذي.
فهذه الأحاديث تثبت لنا أن لرسول الله إخوان يأتون من بعده لهم فضل بما آمنوا به ولم يروه ولهم فضل بما أحبوه بحب الله تعالى، ولهم فضل بما صبروا عليه من غربة الإسلام، ولهم فضل الصحبة ببركة من صحب من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يقول الأستاذ المرشد عبد السلام ياسين في كتاب المنهاج النبوي:
"ًوإنما ينفع الله عز وجل المؤمن الصادق الجاد في الإقبال على ربه ما ينفعه بصحبة رجل صالح، ولي مرشد، يقيضه له، ويقذف في قلبه حبه، ومتى كان المصحوب وليا لله حقا والصاحب صادقا في طلبه وجه الله ظهرت ثمرة الصحبة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في ما رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح وقال فيه الترمذي: حديث حسن: "الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل"، والآيات والأحاديث المشيرة إلى الصحبة والحاثة عليها كثير، وكل تاريخ الإيمان يشهد بأن قلب الداعي إلى الله على بصيرة، نبيا كان أو وليا، وهو النبع الروحي الذي اغترفت منه أجيال الصالحين بالصحبة، والملازمة، والمحبة، والتلمذة، والمخالله. وعلى قدر المصحوب إيمانا وإحسانا وولاية ينتفع الصاحب.
ومن المؤمنين من يرفع الله همته لطلب معرفة ربه والوصول إليه مع الذين أنعم الله عليهم، فمن كتب الله سبحانه له سابقة خير يسره لصحبة دليل رفيق، ولي مرشد".
6- دعاء الرابطة:
في الحديث الذي في سنن أبي داود قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أسدى إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له حتى تعلموا أنكم قد كافأتموه" .
لا نستطيع إدراك عظيم الخير الذي أسداه إلينا من سبقنا بالإيمان، ولا نستطيع تأدية ثمنه، فهم الجسر الذي عبْرهم وصلنا ما وصلنا من ميراث النبوة إيمانا وعلما وعملا وسلوكا وجهادا. ولما عز علينا القيام بتأدية ثمنه علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تعويض ذلك بالدعاء. دعاء نرد به الجميل وفي نفس الوقت يربطنا بموكبهم النوراني الجهادي. يقول الله عزوجل يعلمنا هذا الدعاء: ﴿ والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوفٌ رحيم﴾ .
أخرج أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مثل الميت في قبره مثل الغريق يتعلق بكل شيء، ينتظر دعوة من ولد، أو والد، أو أم، أو أخ، أو قريب" . وإنه ليدخل على قبور الأموات من دعاء الأحياء من الأنوار مثل الجبال.
يقول الأستاذ عبد السلام ياسين في كتاب المنهاج النبوي:
"ينبغي لكل مؤمن -والأفضل وقت السحر عندما ينزل ربنا عز وجل إلى السماء الدنيا يدعونا هل من تائب وسائل-أن يفتح دعاءه الرابط بالفاتحة ثم يستغفر الله لذنبه، ويسأله لنفسه ووالديه وأهله وولده وذوي رحمه خير الدنيا والآخرة، ويصلي ويسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أنبياء الله ورسله. ثم على الخلفاء الراشدين والصحابة والأزواج والذرية. ثم على التابعين وصالحي الأمة وأثمتها. ثم يتلو معمما الدعاء : "ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا. ربنا إنك رؤوف رحيم ثم على المؤمنين المجاهدين في عصرنا ويعرض على الله حوبتنا ويستفتح للمجاهدين. ثم يخصص بالدعاء من يربطه بهم رباط الجهاد ويذكر الأسماء. ثم يسأل الله لأمة محمد صلى الله عليه وسلم الرحمة والمغفرة والنصر وخير الدنيا والآخرة. ويتوجه في دعائه هذا لمستقبل الإسلام والخلافة والظهور على الأعداء.
بهذا يستشعر المؤمن انتماء إلى الموكب النوراني -موكب الإيمان والجهاد- من لدن آدم إلى يوم القيامة فيدخل في بركة أمة الخير التي تولاها الله. ويزداد صلة إيمانية وصحبة بمن يدعوا لهم عن ظهر غيب من إخوته".
علامتهم في الآخرة:
"يأتون غرا محجلين من أثر الوضوء" .
الوضوء رمز الطهارة والصفاء والنقاء.
الوضوء سلاح المومن فلايحق للمؤمن أن يترك سلاحه في زمن كثر فيه أعداؤه .
الطهور شطر الإيمان، فإن حقق المؤمن النصف بالوضوء سهل عليه الإتيان بالنصف الآخر.
الوضوء شرط لصحة الصلاة، والصلاة عمود الدين، فإن عدم الوضوء غاب العمود الذي هو الصلاة فانهار الدين.
والحكمة من ذكر الوضوء أيضا أن مثل الجنة والحوض النبوي لايدخلهما إلا من كان طاهرا نقيا قلبا وقالبا.
حفل الإكرام:
"وأنا فرطكم على الحوض" ، أي سيسبق رسول الله صلى عليه وسلم إلى حوضه ليستقبل الصحب والإخوان ويجمعهم في حفل شرب ماء الكوثر بعد ما كانوا في الدنيا مفترقين زمانا ومكانا.
حدثنا سويد بن سعيد وابن أبي عمر جميعا عن مروان الفزاري قال بن أبي عمر حدثنا مروان عن أبي مالك الأشجعي سعد بن طارق عن أبي حازم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن حوضي أبعد من آيلة من عدن لهو أشد بياضا من الثلج وأحلى من العسل باللبن، ولآنيته أكثر من عدد النجوم، وإني لأصد الناس عنه كما يصد الرجل إبل الناس عن حوضه" ، قالوا: يا رسول الله أتعرفنا يومئذ؟ قال: "نعم، لكم سيما ليست لأحد من الأمم، تردون علي غرا محجلين من أثر الوضوء" .
[2] ورواه أيضا رزين رضي الله عنه.
[3] رواه مسلم.
[4] رواه أبو داود والترمذي