حديث من يرد به خيرا :
عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ خَطِيبًا يَقُولُ :"سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌوَاللَّهُ يُعْطِي وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الْأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِاللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ."
الراوي : هُوَ اِبْن أَبِي سُفْيَان رضي الله عنه :صخر بن حرب بن أميّة كنيته أبو عبد الرحمن، صحابي جليل أحد أبناء أبو سفيان و أول خلافاء الدولة الأموية ، كان والياً على الشام زمن خلافة عثمان ابن عفان رضي الله عنه وبعد حادثة مقتل عثمان أصبح علي رضي الله عنه الخليفة بعده فلما قتل علي من قبل ابن ملجم وتنازل الحسن ابن علي رضي الله عنه عن الخلافة لمعاوية أسس معاوية الدولة الأموية واتخذ دمشق عاصمته .
1-أخرج الإمام أحمد ، عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلىالله عليه وسلم يقول : اللهم علم معاوية الكتاب و قه العذاب . فضائل الصحابة(2/913)إسناده حسن .
2-روى الترمذي في فضائل معاوية أنه لما تولى أمر الناس كانت نفوسهم لا تزال مشتعلةعليه ، فقالوا كيف يتولى معاوية و في الناس من هو خير مثل الحسن و الحسين . قالعمير و هو أحد الصحابة : لا تذكروه إلا بخير فإني سمعت رسول الله صلى الله عليهوسلم يقول : "اللهم اجعله هادياً مهدياً و اهد به ." رواه الإمام أحمد في المسند(4/216)و صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (3/236) . و زاد الإمام الآجري فيكتابه الشريعة (5/2436-2437) لفظة : ( ولا تعذبه ) . إسناده صحيح. أقوال :
وَهَذَا الْحَدِيث مُشْتَمِل عَلَى ثَلَاثَة أَحْكَام : أَحَدهَا فَضْل التَّفَقّه فِي الدِّين . وَثَانِيهَا أَنَّ الْمُعْطِي فِي الْحَقِيقَة هُوَ اللَّه . وَثَالِثهَا أَنَّ بَعْض هَذِهِ الْأُمَّة يَبْقَى عَلَى الْحَقّ أَبَدًا . فَالْأَوَّل لَائِق بِأَبْوَابِ الْعِلْم . وَالثَّانِي لَائِق بِقَسْمِ الصَّدَقَات وَالثَّالِث لَائِق بِذِكْرِ أَشْرَاط السَّاعَة .
الْمُرَاد بِأَمْرِ اللَّه هُنَا الرِّيح الَّتِي تَقْبِض رُوح كُلّ مَنْ فِي قَلْبه شَيْء مِنْ الْإِيمَان وَيَبْقَى شِرَار النَّاس فَعَلَيْهِمْ تَقُوم السَّاعَة .( فتح الباري ) .
قَالَ النَّوَوِيّ : مُحْتَمَل أَنْ تَكُون هَذِهِ الطَّائِفَة فِرْقَة مِنْ أَنْوَاع الْمُؤْمِنِينَ مِمَّنْ يُقِيم أَمْر اللَّه تَعَالَى مِنْ مُجَاهِد وَفَقِيه وَمُحَدِّث وَزَاهِد وَآمِر بِالْمَعْرُوفِ وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاع الْخَيْر , وَلَا يَلْزَم اِجْتِمَاعهمْ فِي مَكَان وَاحِد بَلْ يَجُوز أَنْ يَكُونُوا مُتَفَرِّقِينَ .
المفردات :فقهه : الفقه : الفهم .
يُقَال فَقُهَ بِالضَّمِّ إِذَا صَارَ الْفِقْه لَهُ سَجِيَّة , وَفَقَهَ بِالْفَتْحِ إِذَا سَبَقَ غَيْره إِلَى الْفَهْم , وَفَقِهَ بِالْكَسْرِ إِذَا فَهِمَ . وَنَكَّرَ " خَيْرًا " لِيَشْمَل الْقَلِيل وَالْكَثِير , وَالتَّنْكِير لِلتَّعْظِيمِ لِأَنَّ الْمَقَام يَقْتَضِيه .
المعنى العام :يبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف أمورا جليلة ينبغي معرفتها والعمل بها وربما تخفى على كثير من الناس ومن جملتها :
1-الفقه في الدين : هو علم الشريعة الذي به يصان هذا الدين ويحفظ من زيغ أصحاب الأهواء ولقد امتن الله تعالى على العلماء القائمين بنشره فقال :"إنما يخشى الله من عباده العلماء ." فمن يرد الله له خيرا في دنياه وآخرته يلهمه هذا العلم وييسر له سبله .
2-المعطي هو الله : فالذي يمن بالنعم هو الله تعالى فليطلب الإنسان هذه النعم ومن جملتها الفقه في الدين من الباري سبحانه وتعالى باتباع نبيه صلى الله عليه وسلم خير أسوة وقدوة ، والنبي صلى الله عليه وسلم مبلغ للنعمة والقسمة تكمن فيمن أمسك ما جاء به أو ترك ، فمن أخذ بقسمته فقد فاز وظفر ومن تركها فقد خاب وخسر .
3-الفئة الباقية :هي التي أمسكت ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وعضت عليه بالنواجذ لأنها علمت أنها أن لا سبيل للنجاة من شر الفتن والمحن إلا بنعمة الفقه في الدين ، ونحن نرى أن العلماء محفوظون بأمر الله لا تضرهم فتنة في كل زمان ومكان ، والذي يقع في شراك الفتن هم الجهلة بالدين حتى ولو كانوا من أفصح لسان عصرهم ، .
الفوائد :
1-الدعوة إلى طلب العلم .
2-بالفقه في الدين ينال المسلم المكانة والرفعة .
3-المنان بالنعم هو الله فاطلبوها منه جل في علاه .
4-الفقهاء محفوظون من الزيغ والفتنة إلى قيام الساعة .
وقفة: أصحاب المواقع : من أراد الله به خيرا فقهه في الدين ، وقد من الله علينا بوسائل نشر هذا العلم وتعليمه للناس فهنيئا لمن فتح هذه الأبواب من الخير العظيم بفوز عاجل وآجل ، وكم تعلم فيها الناس الخير وتفقهوا في الدين ، حتى ولو كان أصحابها ليسوا بعلماء ولا فقهاء :" فالدال على الخير كفاعله ." .وهم من جملة الفئة الباقية القائمة على أمر هذا الدين بتعريفه ونشره ، فليحمد الله هؤلاء وليصبروا ويثبتوا على هذا الأمر حتى يأتي أمر الله تعالى .