خلافته:
وفي أثناء مرض الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمره أن يصلي بالمسلمين، وبعد وفاة الرسول الكريم بويع أبو بكر بالخلافة في سقيفة بني ساعدة، وكان زاهدا فيها ولم يسع إليها، إذ دخل عليه ذات يوم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فوجده يبكي، فسأله عن ذلك فقال له: (يا عمر لا حاجة لي في إمارتكم) فرد عليه عمر: (أين المفر؟ والله لا نقيلك ولا نستقيلك)، هذا هو سلوك الخلفاء وقد أعلنها صريحة حين ولاه المسلمون أمرهم إذ قال:
"أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني الصدق أمانة والكذب خيانة والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله".
واجه أبو بكر في بدء خلافته محنة كبرى تمثلت في ردة كثير من قبائل العرب عن الإسلام بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ امتنعت بعض القبائل عن أداء الزكاة فقرّر سيدنا أبو بكر قتالهم، فذهب عمر إليه وقال له: "كيف تقاتلهم وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله فإن قالوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله"، فقال أبو بكر: "والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة من حق الله، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على منعه"، قال سيدنا عمر: "فلما رأيت أن الله شرح صدر أبي بكر للقتال عرفت أن الحق معه".
وقد كانت مدة خلافته سنتين وستة أشهر ونصف الشهر.
من أقواله و مواعظه:
- كان سيدنا أبو بكر إذا مدحه أحد قال: "اللهم أنت أعلم بي من نفسي وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلني خيرًا مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون".
- "إن العبد إذا دخله العجب بشيء من زينة الدنيا مقته الله تعالى حتى يفارق تلك الزينة".
- "وكان يأخذ بطرف لسانه ويقول: "هذا الذي أوردني الموارد".
- "اعلموا عباد الله أن الله قد ارتهن بحقه أنفسكم، وأخذ على ذلك مواثيقكم، واشترى منكم القليل الفاني بالكثير الباقي، وهذا كتاب الله فيكم لا تفنى عجائبه فصدقوا قوله، وانصحوا كتابته، واستضيئوا منه ليوم الظلمة".
وفاته:
توفِّي سيدنا أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- في شهر جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة قيل: يوم الجمعة لسبع بقين من جمادى، وقيل: مساء ليلة الثلاثاء لثمانٍ بقين من جمادى الآخرة، وصلّى عليه عمر بن الخطاب، وكان أبو بكر قد ولد بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- بسنتين وأشهر، ومات بعده بسنتين وأشهر مستوفيًا ثلاثة وستين عامًا وهو نفس العمر الذي مات عنه النبي -صلى الله عليه وسلم .
وقال عمر في حقه: "رحمة الله على أبي بكر لقد أتعب من بعده تعبًا شديدًا".
رثاه علي بن أبى طالب وهو يبكي بكاء عظيمًا يوم موته بكلام طويل منه: "رحمك الله يا أبا بكر، كنت إلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنيسه ومكان راحته، وموضع سره ومشاورته، وكنت أول القوم إسلامًا، وأخلصهم إيمانـًا، وأحسنهم صحبة، وأكثرهم مناقب وأفضلهم سوابق، وأشرفهم منزلة، وأرفعهم درجة، وأقربهم وسيلة، وأشبههم برسول الله هديًا وسمتـًا... سمّاك الله في تنزيله صدِّيقـًا فقال: "والذي جاء بالصدق وصدق به..."، فالذي جاء بالصدق محمد -صلى الله عليه وسلم- والذي صدق به أبو بكر، واسيته حين بخل الناس، وقمت معه على المكاره حين قعدوا، وصحبته في الشدة أكرم صحبة، وخلفته في دينه أحسن الخلافة، وقمت بالأمر كما لم يقم به خليفة نبي...".
جزاء الصديق:
أخرج الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافأناه إلا أبا بكر فإن له عندنا يدا يكافئه بها الله يوم القيامة وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر".
رضي الله عن الصديق وأرضاه عنا، وجعلنا من أحبابه وإخوانه، آمين.