اسامه جاد مشرف سوبر
عدد الرسائل : 3356 العمر : 53 العمل/الترفيه : معلم اول احياء وعلوم بيئه وجيولوجيا نقاط : 13748 تاريخ التسجيل : 14/02/2009
| موضوع: فقه السيرة النبوية :" بناء شخصية الإنسان المؤمن " الجمعة يناير 01, 2010 6:59 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
المرحلة المكية : أولويات ودروس وعبر :
1 ـ النبي بنى شخصية الإنسان المؤمن : أيها الإخوة الكرام ، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية ، ونحن في هذه المحن التي يمر بها المسلمون في أمسّ الحاجة إلى الدروس والعبر المستنبطة من السيرة النبوية ، يمكن أن نقسم السيرة النبوية إلى مرحلتين كبيرتين ، المرحلة المكية ؛ وقد انتهت ، وننتقل إلى المرحلة المدنية ، وما لم يمر المسلمون بالمرحلة المكية أولاً التي تعني قوة الإيمان ثم بالمرحلة المدنية ، التي تعني حق القوة فلن تقوم لهم قائمة . ماذا فعل النبي الكريم بمكة ؟ هناك مرحلة ليس للمسلمين كيان ، وليس معهم قوة ، ولا يملكون شيئاًَ من القوى التي ترفع مكانتهم ، إلا أنهم في مرحلة الضعف ، امتلكوا قوة الحق ، ماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم في مكة ؟ بادئ ذي بدء ، بنى شخصية الإنسان المؤمن ، الشخصية بناء ، ترى الإنسان إيمانه ضعيف ، نفسه مشتتة ، ثقته بالله ليست كما ينبغي ، عزيمته خائرة ، همته ضعيفة ، نفسه مشعبة ، مشتتة ،هذا الإنسان لا يصنع شيئاً ، أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضوان الله عليهم الواحد منهم بألف ، بينما المسلم في آخر الزمان وقد ضعفت ثقته ولم يستقم عمله ، ولم يبتغِ مرضاة ربه ، الألف بل المئة ألف ، بل المليون بأف ، كما ترون ، فلذلك النبي صلى الله عليه وسلم بنى شخصية مرء المسلم المؤمن ، مؤمن بوجود الله ، مؤمن بألوهيته ، بربوبيته ، مؤمن بأسمائه الحسنى ، بصفاته الفضلى ، مؤمن أن الأمر بيده ، مؤمن أن الله لا يتخلى عن المؤمنين . المشكلة أن كل واحد منا من دون استثناء ببساطة ما بعدها بساطة يدعي أنه مؤمن . يمكن لإنسان يرتدي ثوبًا أبيض ، ويضع سماعة في أذنه ، وميزان حرارة في صدره ، ونظارة ، ويقول لك : أنا طبيب ، وقد يكون أمياً ، بينه وبين الطبيب الذي يحمل أعلى شهادة ، وقد أمضى تسعة وثلاثين عامًا في الدراسة ، واختص في اختصاص نادر ، هذا طبيب ، وذلك يدعي أنه طبيب ، الطب عند الأول ثوب أبيض ، ونظارة ، وسماعة ، وميزان حرارة فقط ، وهو جاهل ، والثاني أمضى 39 سنة يدرس حتى أصبح مكتبة متنقلة .
2 ـ النبي بنى الإيمان في صدور الناس : فكلهم يدعي أنه مؤمن ، النبي عليه الصلاة والسلام بنى إيماناً ، الإيمان لا يأتي من دون جهد ، وما من إنسان ينام ثم يستيقظ وقد أصبح دكتورا ، ينام ثم يستيقظ وقد أصبح صاحب أكبر مؤسسة تجارية ، هذه المراتب العلمية ، والمؤسسات الناجحة جداً وراءها أدمغة ، وراءها عقول ، وراءها خبرات متراكمة ، لذلك أنا أقف عند كلمة النبي عليه الصلاة والسلام بنى إيماناً في نفوس أصحابه ، الإيمان أقوى من الجبال ، الإيمان أساس الفضائل ، وأس العزائم ، وبلسم الصبر عند الشدائد ، كلمة مؤمن في الميزان الإيماني ككلمة دكتوراه دولة في الميزان العلمي ، بالضبط . نال أحدهم الشهادة الابتدائية ، والإعدادية ، والثانوية ، والليسانس ، والدبلوم والماجستير ، والدكتوراه دولة ، في الميزان العلمي دكتوراه دولة أعلى مرتبة ، وفي الميزان الإيماني مؤمن ، النبي الكريم بنى مؤمنين ، بنى مؤمنين التبر عندهم والتراب سيان ، التبر والتراب ، فكيف بإنسان يبيع دينه بيمين كاذبة ، بائع يحلف بالله وبرسوله ، وبالقرآن ، وبالكعبة أن شراء هذه السلعة أعلى من ثمن بيعها ، والحقيقة ليست كذلك ، في آخر الزمان يبيع الإنسان دينه بعرض من الدنيا قليل ، بينما المؤمن : (( والله يا عم ، لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن هذا الأمر ما تركته ، هذا يظهره الله أو أهلك دونه )) . [ السيرة النبوية ] أنا تأثرت بأن هذا الصحابي الجليل مع أنه كان ضعيف في مكة ، ومضطهد وينكل به ، ويُعذب ، لكن في مكة المكرمة بنى النبي الإيمان ، بنى قوة الإيمان ، تجد المؤمن الصادق ينطوي على عقيدة كالجبال ، وعزيمة كالمرجل ، ونقاء كالثلج ، وتواضع كالأرض وتألق كالشمس ، هذا المؤمن ، آمن الصحابة الكرام بالله خالقاً ، ومربياً ، مسيراً ، موجوداً واحداً ، كاملاً ، آمنوا بأسمائه الحسنى ، وصفاته الفضلى ، آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الخلق ، وحبيب الحق ، المعصوم من أن يخطئ في أقواله ، وفي أفعاله ، وفي إقراره ، الآن تجد مئات المسلمين يقولون في حديث شريف : هذا لا يصلح لهذا الزمان ، وكأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يرشده الوحي إلى شيء يصلح لهذا الزمان ، وهؤلاء الصحابة الكرام آمنوا بالأنبياء جميعاً ، وأطاعوا منهج رسول الله .
إذاً الآن إسقاطًا على واقعنا ، ولو كنا ضعافًا ، إن أردنا أن ننتصر في النهاية يجب أن نبني الإيمان ، الإيمان من أين يأتي ؟ لا يأتي وأنت في البيت ، لا يأتي وأنت مستلق ، وأنت مسترخٍ ، وأنت تتابع المسلسلات ، الإيمان لا يأتي من دون جهد كبير ، لذلك كل واحد منا يجب ألا يقنع بإيمانه ، الدليل :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا
( سورة النساء الآية : 136 )
ما معنى ذلك ؟ معنى ذلك أن إيمانكم لا يكفي ، إن ما أنتم عليه من إيمان ليس في المستوى المطلوب ، فالنصر نتيجة لآلاف الدروس ، وآلاف الجهود ، وآلاف العبادات ويتوج هذا كله بالنصر .
3 – النبي بنى المحبة في قلوب الناس :
شيء آخر أيها الإخوة ، الشخصية الإيمانية التي فيها قوة الإيمان فيها محبة ، ليس هناك التزام فقط ، هناك محبة ، والمحبة تجعل الإنسان ينطلق ، يضحي ، يبذل الغالي والرخيص ، النفس والنفيس . امرأة أنصارية بلغها أن النبي قُتل ، انطلقت إلى أُحد ، تقول : ما فعل رسول الله ؟ رأت ابنها مقتولاً ، تقول : ما فعل رسول الله ؟ رأت زوجها مقتولاً ، تقول : ما فعل رسول الله ؟ رأت أباها مقتولاً ، ما فعل رسول الله ؟ رأت أخاها مقتولاً ، فلما رأته واطمأنت على حياته وسلامته ، قالت : يا رسول الله كل مصيبة بعدك جلل ، وفي رواية أنها رأت غباراً على وجهه الشريف ، قالت : والله يا رسول الله لهذا الغبار أشد عليّ من موت كل من حولي ، عندنا هذا الحب ؟ ائتني بقوة الإيمان وحب النبي العدنان ، وعندئذٍ نصنع المعجزات .
4 – النبي زكى النفس الإنسانية :
شيء آخر ، ما الذي فعله النبي في مكة المكرمة ؟ زكى النفس الإنسانية ، ليس هناك مؤمن لئيم ، ولا مؤمن مخادع ، ولا مؤمن بخيل ، ولا مؤمن جبان ، ولا مؤمن كذاب ، ما لم تزك نفسك بمكارم الأخلاق ، ما لم تكن أميناً عند التعامل ، صادقاً عند التكلم ، ما لم عفيفاً عند إثارة الشهوة ، ولم تكن متواضعاً ، ولم تكن منصفاً ، ولم تكن معطاء فلست مؤمناً ، ائتني بواحد بهذا البناء ، وهذه الأخلاق ، عندئذٍ كما قال النبي الكريم : (( لن ـ اسمعوا جميعاً ـ لن تغلب أمتي من اثني عشر ألف من قلة )) . [ الجامع الصغير ] . فتاة بارعة الجمال في عهد النبي الكريم ، عند النبي الكريم شاب فقير جداً ، لكنه دميم جداً ، أعرج ، وفيه عور بعينيه ، عاهات ، كتلة عاهات ، على كتلة دمامة ، على قتلة فقر ، النبي الكريم قال له : ألا تتزوج يا جليبيب ؟ قال : من يزوجني يا رسول الله ؟ النبي الكريم أرسله إلى بيت فيه هذه الفتاة ، قصة طويلة ، لكن ملخصها أن الأب حينما طلب منه النبي أن يزوج ابنته لهذا الأخ جليبيب ، سكت ، صُعق ، فلما حدث الأم قالت : لا والله لا أزوجها إياه ، فسمعت البنت ، قالت : أنا أتزوجه ، ورسول الله لا يضيعني ، هل هناك بنت هكذا ؟ عشرات الفتيات لسبب تافه جداً ترفضه ، بعد عقد العقد ترفضه ، لسبب تافه جداً ، فلذلك فتاة بارعة الجمال ترضى بإنسان دميم وفقير ، لكنها في النهاية قبلت ، قبلت راضية بوصية رسول الله ، وهيأ نفسه ، وهيأت نفسه ، وهيأ البيت ، ويوم العرس نادى منادي الجهاد فانطلق إلى الجهاد ، ومات في ساحة المعركة ، وأمسكه النبي بيديه إلى أن حُفر قبره وبكى . هذا هو مجتمعنا وذاك هو مجتمع الصحابة :
نحن نعيش في مجتمعات متفسخة ، فيها أثرة ، وبخل ، وقسوة ، ليس فيها رحمة ، لكن فيها صلوات ، فيها شعائر ، لكن ليس فيها أخلاق المسلمين ، ولا فيها ورع المسلمين ، ولا فيها أمانة المسلمين ، ولا فيها صدق المسلمين .
وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141) النساء
الآن لهم علينا ألف سبيل وسبيل ، انظر من أجل جنديين دُمرت أمةٌ بأكملها ، ألا ترون ؟ أريد أن أركز ماذا فعل النبي الكريم بمكة وهو ضعيف ، أصحابه ضعاف ، يُعذبون ، يُنكل بهم ، يقُتلون ، شردوا في الآفاق ، هاجروا إلى الحبشة ، حُصروا ، أكلوا ورق الشجر ، لكن بنوا إيمانهم ، صار الواحد منهم كألف ، وصار الواحد منهم كجيش . هل من المعقول أن سيدنا الصديق يُطّلب منه خمسين ألف رجل مددًا لسيدنا خالد ، فيرسل له واحدًا ؟! "القعقاع بن عمرو" ، ولما وصل إلى سيدنا خالد في نهاوند قال له : أين المدد ؟ قال له : أنا ، قال له : أنت ؟! قال له : أنا ، وهذا الكتاب من خليفة رسول الله ، فتحه ، يا خالد فوجد فيه : << والذي بعث محمداً بالحق إن جيشاً فيه القعقاع لا يُهزم >> ، ما هذا ؟ . إخواننا الكرام ، نحن في محنة كبيرة ، نحن في محنة الآن إما أن ننتصر أو لن تقوم لنا قائمة ، العالم كله يراهن علينا ، أليس كذلك ؟ لذلك كل إنسان يبني نفسه ، افرضوا أن هذه مرحلة مكية ، نحن ضعاف ، لنستغل هذا الضعف في بناء الذات ، في طلب العلم ، في الانضباط ، في إتقان العبادات ، في البذل ، في العطاء . الطبيب الذي يحمل أعلى شهادة ، ما الذي يمنع أن تُعمم علمك على زملائك الأطباء الذين لم يتح لهم أن يذهبوا إلى تلك البلاد ؟ ما الذي يمنعك ؟ . ما لم تنشأ عندنا روح تعاون ، ما لم تر أن أخاك هو أقرب الناس إليك ، ما لم تعط من كل شيء معك ، ما لم تبذل علمك ، وخبرتك ، ومالك ، ووقتك ، وجهدك لأخيك فلن ننتصر أبداً ، لن ننتصر إلا إذا رضي الله عنا ، ولا لن يرضى عنا إلا إذا تحاببنا . (( وجبت محبتي للمتحابين فيّ ، وحقت محبتي للمتواصلين فيّ ، وحقت محبتي للمتناصحين فيّ ، وحقت محبتي للمتزاورين فيّ ، وحقت محبتي للمتباذلين فيّ ، المتحابون في على منابر من نور يغبطهم بمكانهم النبيون والصديقون والشهداء يوم القيامة )) . [ أخرجه أحمد في مسنده والطبراني ، والحاكم ، عن عبادة بن الصامت ] . إذاً بنى الإيمان وزكى النفس والعقل ، عنده مسلّمات ، بديهيات ، يقينيات ، لو أن الدنيا كلها كفرت بقي هو ثابتًا كالصخر والجبل . إخواننا الكرام ، المؤمن إن لم تهِم في حبه فليس مؤمناً ، من تواضعه ، من عقله الراجح ، من إيمانه ، من عزيمته ، من صدقه ، من أمانته ، من عفافه ، بنى الإيمان في العقول ، وزكى النفوس ، هذه محصلة مكة ، كانوا ضعافا ، والكفار أقوياء ، أشداء ، متغطرسون ، لكن المؤمنين كانوا في قمم الكمال .
5 – النبي ربى أصحابه على العلم : والله الذي لا إله إلا هو بالمناسبة ، إن أضفت على كلمة مسلم كلمة واحدة تكن عنصرياً ، فلان جيد ، لكنه من الريف ، وقد تكون قُلامة ظفر إنسان في الريف تشرف مئة إنسان في المدينة ، هذا عبد لله مؤمن ، تحبه فقيراً ، وتحبه غنياً ، تحبه مثقفاً ، تحيه محدود الثقافة ، تحبه وسيماً ، تحبه دميماً ، تحبه قوياً ، تحبه ضعيفاً ، مؤمن ، ما لم نضع تحت أقدامنا كل المرجحات الجاهلية فلن ننتصر .
وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ( سورة الأحقاف الآية : 19 ) . قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ( سورة الزمر الآية : 9 )
| |
|