اسامه جاد مشرف سوبر
عدد الرسائل : 3356 العمر : 53 العمل/الترفيه : معلم اول احياء وعلوم بيئه وجيولوجيا نقاط : 13750 تاريخ التسجيل : 14/02/2009
| موضوع: ضيق الصدر والتصعد في السماء الأربعاء يناير 06, 2010 7:30 pm | |
| ضيق الصدر والتصعد في السماء الدكتور عبدالجواد الصاوي يقول الله تعالى: (فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى السَّمَآءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) الأنعام ـ 125.تبين هذه الآية الكريمة أن من أراد الله هدايته شرح صدره للإسلام فاطمأن به قلبه واستنارت له نفسه، وأن من أراد به الضلال - وِفق مشيئته - ضاق صدره عن قبول الإيمان وانغلق انغلاقا تامًّا حتى لا يجد الخير حينئذ مسلكًا إلى قلبه، وقد شبَّه المولى - سبحانه - ضيق صدر هذا البائس بضيق صدر الذي يتصاعد في السماء بتناقص قدرته على التنفس الطبيعي درجة بعد درجة، وذلك لانخفاض الضغط الجزيئي للأكسجين في طبقات الجو العليا حتى يصل الضيق إلى أشد مراحله وهو مرحلة الحرج والتي لا يستطيع بعدها الأكسجين أن ينفذ إلى دمه، وهو تشبيه بليغ شبهت فيه الحالة المعنوية بحالة حسية، أُدرِكَت حقائقها وشوهدت كيفياتها اليقينية في هذا الزمان ولم تكن معلومة للبشر وقت التنزيل.الشرح اللغوي والتفسيريالشرح: الكشف، وشرح الشيء يشرحه شرحًا: فتحه وبينه وكشفه، وشرح الله صدره لقبول الخير يشرحه شرحًا فانشرح: وسعه لقبول الحق فاتسع. ( لسان العرب 2/ 497)، والشرح كناية عن قبول النفس للحق والهدى، وبين لفظ الشرح والضيق طباق وهو من المحسنات البديعية. الحرج: قُرئ: حَـرَِجًا بفتح الراء وكسرها، قال ابن الأثير: الحرج في الأصل الضيق، وقيل: الحرج أضيق الضيق، ورجل حَرِج وحَرَج: ضيِّق الصدر وحَرِج صدره يحرج حرجًا: ضاق فلم ينشرح لخير، وقال الزجّاج: الحرج في اللغة أضيق الضيق، ومعناه أنه ضيق جدًّا، ومكان حرَج وحرِج: أي مكان ضيق كثير الشجر. (لسان العرب 2/234)، قال ابن قتيبة: الحرج الذي ضاق فلم يجد منفذًا (صفوة التفاسير 412).صعد: صَعِد المكان وفيه صعودًا وأصعد وصعد: ارتقى شرفًا، والصُّعود ضد الهبوط، والصَّعود: العقبة الكؤود أو الشَّاقَّة، وتصعَّدني الأمر وتصاعدني: شقّ عليّ، وتصعَّد النَّفَس: صعُب مخرجُه وهو الصُّعَداء، وقيل: الصعداء: النفس إلى فوق ممدود، وقيل: هو النفس بتوجُّع، وهو يتنفس الصعداء ويتنفس صُعَدا، والصعداء هي المشقة أيضًا.ويقال: لأرهقنَّك صَعودًا أي لأجشمنَّك مشقَّةً من الأمر، وإنما استقوا ذلك لأن الارتفاع في صعود أشق من الانحدار في هبوط. (لسان العرب 3/251 ـ 256).والصعود معناه: الذهاب في مكانٍ عالٍ، تقول: صعد في السلم صعودا (بصائر ذوي التمييز 3/413).والسماء لغة: هي كل ما يعلو غيره، وتأتي على معان متعددة منها: سقف البيت، السحاب، المطر، الجرم بعينه، الجهة، أما هنا فهي بمعنى الفضاء الواسع، وهذا كله مأخوذ من معنى السمو أي الارتفاع (المشاهد في القرآن الكريم/20). يقول الإمام الطبري (8/26): فمن يرد الله أن يهديه للإيمان به وبرسوله وما جاء به من عند ربه يشرح صدره للإسلام حتى يستنير الإسلام في قلبه فيضيء له ويتسع له صدره بالقبول، أي فسَّح صدره لذلك وهوَّنه عليه وسهَّله له بلطفه ومعونته، ويقول القرطبي (7/81 ): وأصل الشرح التوسعة وشرحت الأمر بينته وأوضحته ويشرح صدره للإسلام أي يوسعه له ويوفقه. ويقول البيضاوي (2/450): وهذا كناية عن جعل النفس قابلة للحق مهيأة لحلوله فيها مصفَّاة عما يمنعه وينافيه، وإليه أشار النبي- صلى الله عليه وسلم - حين سئل عنه فقال: (نور يقذفه الله ـ سبحانه وتعالى ـ في قلب المؤمن فينشرح له وينفسح)، فقالوا: هل لذلك من أمارة يعرف بها؟ فقال: (نعم؛ الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله). وقال صاحب روح البيان (3/100): (فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ)؛ أي يعرِّفه طريق الحق ويوفقه للإيمان ويشرح صدره للإسلام فيتسع له وينفسح، فالمعنى من أراد الله منه الإيمان قوَّى صوارفه عن الكفر ودواعيه للإيمان وجعل قلبه قابلاً لحلول الإيمان لتحليه به صافيًا خاليًا عما ينافيه ويمنعه، ومن يرد أن يضله، أي يخلق فيه الضلال لصرف اختياره إليه: (يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا) بحيث ينبو عن قبول الحق فلا يدخله الإيمان، أي من أراد الله منه الكفر قوى صوارفه عن الإيمان وقوى دواعيه إلى الكفر. قال صاحب الظلال (3/1203): ومن يقدِّر له الضلال وِفق سُنته الجارية من إضلال من يرغب عن الهدى ويغلق فطرته عنه، فهو مغلق مطموس يجد العسروالمشقة في قبوله. (وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا): قال الطبري (8/28): والحرج أشد الضيق وهو الذي لا ينفذ من شدة ضيقه وهو هاهنا الصدر الذي لا تصل إليه الموعظة ولا يدخله نور الإيمان لِرَيْنِ الشرك عليه، وأصله من الحرج والحرج جمع حرجة وهي الشجرة الملتف بها الأشجار لا يدخل بينها وبينها شيء لشدة التفافها بها، قال عمر: (كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شيء من الخير)، والحرج بفتح الراء وكسرها بمعنى واحد وهما لغتان مشهورتان. أما القرطبي فقد جعل لكل قراءة معنى فقال: حرِجًا بالكسر معناه الضيق كرر المعنى وحسن ذلك لاختلاف اللفظ، أما حرَجًا بالفتح جمع حرجة وهو شدة الضيق قال ابن عباس: الحرج موضع الشجر الملتف فكان قلب الكافر لا تصل إليه الحكمة كما لا تصل الراعية إلى الموضع الذي التف شجره، فكأنه ضيق بعد ضيق وأعيد تكراره لاختلاف اللفظين أو تأكيدًا للأول (الحجة في القراءات السبع ج1/149)، ويوافق النسـفيُّ القرطبيَّ فيقول: يجعل صدره ضيقًا ضيقا (مكي) وحرجًا صفة لضيقًا (مدني) أي بالغا في الضيق (1/344)، أما أبو السعود فيقول: حرِجًا بكسر الراء أي شديد الضيق والأول مصدر وصف به مبالغة (3/183)، قال ابن كثير: الصدر الضيق الحرج: هو الذي لا يتسع لشيء من الهدى ولا يخلص إليه شيء ما ينفعه من الإيمان ولا ينفذ فيه، وقال عطاء الخراساني: ضيقًا حرجًا أي ليس للخير فيه منفذ (2/176)، والحرج مصدر وصف به مبالغة وبالكسر اسم الفاعل وهو المتزايد في الضيق فهو أخص من الأول فكل حرج ضيق من غير عكس (روح البيان 3/101). وفي قوله تعالى: (كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى السَّمَآءِ) قال الطبري (8/31) نقلاً عن السُّدِّي: كأنما يصعد في السماء من ضيق صدره ثم ذكر عدة قراءات في يصّعّد أولها: كأنما يصّعد من صعد يصعد (بعض المكيين)، ثانيها: يصّاعد بمعنى يتصاعد فأدغم التاء في الصاد وجعلها صادًا مشددة (بعض الكوفيين)، ثالثها: يصعد بمعنى يتصعد فأدغموا التاء في الصاد فلذلك شددوا الصاد (عامة قراء أهل المدينة والعراق)، ثم قال: وكل هذه القراءات متقاربات المعاني، وقد اختار القراءة الأخيرة لكثرة القراء بها، ولقول عمر ـ رضي الله عنه: (ما تصعدني شيء ما تصعدتني خطبة النكاح). ويوضح القرطبي (7/82) الفروق بين معاني هذه القراءات فيقول: يصعد من الصعود وهو الطلوع، ويتصاعد: فيه معنى شيء بعد شيء، وذلك أثقل على فاعله ويتصعد: يتكلف ما لا يطيق شيئًا بعد شيء كقولك يتجرع ويتفوق، وجملة (كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى السَّمَآءِ) كما يقول الألوسي (8/22): إما استئنافًا أو حالاً من ضمير الوصف أو وصفًا آخر، وقد علل التشبيه بأنه للمبالغة في ضيق الصدر حيث شبه ضيق صدر الكافر بمن يزاول ما لا يقدر عليه فإن صعود السماء مثل فيما هو خارج عن دائرة الاستطاعة (البيضاوي 2/451)، وكثير من المفسرين يحملون التشبيه على هذا المعنى؛ فيقول القرطبي (7/82): شبه الله الكافر في نفوره من الإيمان وثقله عليه بمنزلة من تكلف ما لا يطيقه كما أن صعود السماء لا يطاق. ويقول الطبري (8/30): وهذا مثل من الله ـ تعالى ـ ضربه لقلب هذا الكافر في شدة تضييقه إياه عن وصوله إليه مثل امتناعه من الصعود إلى السماء وعجزه عنه لأن ذلك ليس في وسعه مثله كمثل الذي لا يستطيع أن يصعد إلى السماء، ويقول الألوسي (8/23): وفيه تنبيه على أن الإيمان يمتنع منه كما يمتنع منه الصعود، وما في (كَأَنَّمَا) هي المهيِّئة لدخول كأن على الجمل الفعلية. وقال صاحب روح البيان (3/10) (كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى السَّمَآءِ) في كيفية هذا التشبيه وجهان:الأول: أن الإنسان إذا كلف الصعود إلى السماء ثقل ذلك التكليف عليه، وعظم وقعه عليه، وقويت نفرته منه؛ فذلك الكافر يثقل عليه الإيمان وتعظم نفرته منه، والثاني: أن قلبه يتباعد عن الإسلام ويتباعد عن قبول الإيمان فشبه ذلك البعد ببعد من يصعد من الأرض إلى السماء، قال صاحب الظلال (3/1203): (كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى السَّمَآءِ): وهي حالة نفسية تجسم في حالة حسية من ضيق النفس وكربة الصدر والرهق المضني في التصعد إلى السماء، وبناء اللفظ ذاته (يَصَّعَّدُ) ـ كما هو في قراءة حفص ـ فيه هذا العسر والقبض والجهد، وجرسه يخيل هذا كله فيتناسق المشهد الشاخص مع الحالة الواقعة مع التعبير اللفظي في إيقاع واحد، وقوله: (كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) أي مثل ذلك الجعل الذي هو جعل الصدر ضيقًا حرجًا (يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) (فتح القدير 2/161)، والرجس هو العذاب أو الخذلان، وعن مجاهد: أنه ما لا خير فيه، وقال الزجّاج: هو اللعنة في الدنيا والآخرة، وأصله من الارتجاس وهو الاضطراب (روح المعاني 8/23). الشاهد العلمي:معظم الطاقة التي تحتاجها خلايا الجسم تحصل عليها من خلال تفاعلات كيميائية بأكسدة الكربوهيدرات والدهون وهذه لا تحدث إلا في وجود الأكسجين (O2 ) وتكون النفاية الرئيسة في هذه التفاعلات هي ثاني أكسيد الكربون (Co2 )، ويقوم الجهاز التنفسي بإمداد الجسم بهذا الأكسجين من الهواء المحيط به كما يقوم بإخراج وطرد ثاني أكسيد الكربون خارج الجسم، وتعتبر الدماء في الجهاز الدوري هي جهاز النقل لهذه الغازات بين الرئتين وبين خلايا الجسم، ولذلك يقسم العلماء عملية التنفس إلى قسمين: التنفس الخارجي وهو تبادل الغازات بين الدم والرئتين،شكل رقم(3) والتنفس الداخلي وهو تبادل الغازات بين الدم وخلايا الجسم.محتويات القفص الصدري: يحتوي القفص الصدري على أعضاء جهاز التنفس وأعضاء الجهاز الدوري ممثلة في القلب والأوعية الدموية الرئوية وشبكة الشعيرات الدموية، وبعض الأوعية اللمفاوية والمريء وبعض الأعصاب شكل رقم(2). ويتكون الجهاز التنفسي في القفص الصدري من الرئتين والقصبة الهوائية التي تتفرع إلى قصبتين تدخلان إلى الرئتين وتتفرع كل واحدة منهما داخل الرئة إلى فروع أصغر وتنتهي هذه الممرات الهوائية إلى الحويصلات الهوائية والتي تحاط بشبكة من الشعيرات الدموية الدقيقة، وبجانب هذا النسيج الداخلي للرئتين تعتبرالأغطية الخارجية للرئتين والمكونة من طبقتين من الأغشية البلورية من أجزاء الجهاز التنفسي كما تدخل ضمن أعضاء جهاز التنفس العضلات التي تقع بين ضلوع القفص الصدري وعضلة الحجاب الحاجز الذي يفصل بين تجويفي قفص الصدر والبطن. انظر شكل (1) تتفرع القصبات الهوائية داخل الرئتين إلى فروع عديدة تنتهي إلى فروع أصغر وأصغر، ويحيط بجدر هذه الممرات الهوائية عضلات لا إرادية تتحكم في اتساع وضيق هذه الممرات بارتخائها أو تقلصها وذلك لتنظيم حجم الهواء الداخل إلى الرئتين، ويتحكم في عمل هذه العضلات أعصاب الجهاز العصبي الودي ونظير الودي حيث يعمل الأول على ارتخاء العضلات فتتسع الممرات الهوائية ويعمل الثاني على تقلص العضلات فتضيق هذه الممرات.ممرات.ممرات.مراحل عملية التنفس: وتتكون عملية التنفس من ثلاث مراحل: مرحلة الشهيق، ومرحلة الزفير، وفترة سكون بينهما، ويحدث اتساع الصدر أثناء عملية الشهيق كنتيجة للنشاط العضلي والذي يكون بعضه إراديًّا وبعضه لا إرادي. والعضلات التي تشارك في التنفس الطبيعي الهادئ هي العضلات بين الضلوع وعضلة الحجاب الحاجز، أما أثناء التنفس العميق أو الصعب فتشارك عضلات الرقبة والكتفين والبطن. وعملية الشهيق هي العملية النشطة في دورة التنفس حيث تتقلص العضلات بين الضلوع وعضلة الحجاب الحاجز وتتمدد الرئتان ويقل الضغط في التجويف البلوري فيتسع التجويف الصدري حول الرئتين وفي الممرات والحويصلات الهوائية فيندفع الهواء إلى الداخل، أما عملية الشهيق فعملية عكسية خاملة (passive ) حيث تعود العضلات إلى وضع الاسترخاء فيقل التجويف الصدري وتنكمش الرئتان فيطرد الهواء إلى الخارج، إن الهواء مكون من عدة غازات بنسب مختلفة؛ فالأكسجين يكون حوالي 21% من الهواء، وثاني أكسيد الكربون يكون نسبة ضئيلة في الهواء حوالي 04,%، أما النتروجين وبعض الغازات القليلة النادرة فتكون حوالي 78% من الهواء، وجزيئات هذه الغازات في حركة دائمة، ولكل غاز ضغط على الجدر الذي تحويه، وتشكل كل الغازات المكونة للهواء ضغطًا يعادل 760 جم/زئبق عند مستوى سطح البحر، وهو مجموع ضغط كل من الأكسجين والنيتروجين وثاني أكسيد الكربون وبقية الغازات الأخرى القليلة، وهو ما نسميه الضغط الجوي ويتعادل هذا الضغط خارج الرئتين وداخل الحويصلات الهوائية عند مستوى سطح البحر أثناء التنفس العادي، وبما أن جزيئات الغازات تتحرك بسهولة بين جدر الحويصلات الهوائية وجدر الشعيرات الدموية ـ فجميع غازات الهواء موجودة في الدم، وبما أن غاز النتروجين غاز خامل ولا يستهلك في الجسم ـ فنسبة تركيزه داخل الدم وفي الحويصلات الهوائية لا تتغير، أما الأكسجين وثاني أكسيد الكربون فنسبتهما في الدم تتغير حيث يستهلك الأول في عمليات الأكسدة داخل الخلايا فيقل تركيزه، ويزداد الثاني في الدم كنفاية ناتجة من عمليات الأكسدة فيزداد تركيزه، وبما أن الغازات تنتقل من الأعلى إلى الأدنى تركيزًا ويتناسب ضغط كل غاز مع نسبة تركيزه مع الغازات الأخرى في الهواء ـ فإن الأكسجين ينتقل عبر جدر الحويصلات الهوائية إلى الدم عبر جدر الشعيرات الدموية المحيطة بها، والعكس يحدث بالنسبة لثاني أكسيد الكربون، ويكون ضغط كل غاز في الدم عندما يغادر الرئتين إلى الأوعية الرئوية مساويًا لضغطه في هواء الحويصلات الهوائية قبل أن يتوزع على أعضاء الجسم. انظر شكل (3).التحكم في التنفس: هناك نوعان من التنفس الإرادي واللاإرادي، والإرادي لا يخفى على أحد أنه كالذي يحدث أثناء النشاطات المختلفة، أما التنفس اللاإرادي فقد أوجده الله – سبحانه - لحفظ الحياة ويتم التحكم فيه بواسطة خلايا عصبية في جذع الدماغ مكونة من مركز التنفس في النخاع المستطيل، والمركز التنسيقي الرئوي في منطقة الدماغ وحيث تختص الإشارات العصبية الناشئة من خلايا مركز التنفس بتنشيط الشهيق، وتختص خلايا المركز التنسيقي الرئوي بتثبيط الشهيق والذي يؤدي إلى حدوث عملية الزفير، وتصل هذه الإشارات إلى عضلة الحجاب الحاجز عبر الأعصاب الحجابية (pherenic nerves )، كما تصل إلى العضلات بين الضلوع عبر الأعصاب الداخلية للضلوع لتؤدي نتيجة واحدة وهي تقلص هذه العضلات وإحداث الشهيق، كما توجد نهايات عصبية في الرئتين تنشط بتمدد الرئتين عند الشهيق وتصل إلى المركز التنسيقي عبر العصب الحائر فتثبطه ويحدث الزفير. وكذلك توجد في جدر بعض الشرايين الكبرى مثل الأورطي والشريان السباتي أجسام (Carotial Bodies )، مكونة من خلايا حساسة للتغيرات في الضغط الجزيئي لثاني أكسيد الكربون والأكسجين في الدم، وترسل إشارات عصبية إلى المركز التنفسي بالدماغ عبر العصب الحائر والعصب اللساني البلعومي ـ عند ازدياد الضغط الجزيئي لثاني أكسيد الكربون أو النقص القليل للضغط الجزيئي للأكسجين في الدم، فيؤدي ذلك إلى تنبيه مركز التنفس وزيادة سرعة التهوية في الرئتين، ولكن الانخفاض الحاد والشديد في الضغط الجزيئي للأكسجين يؤدي إلى تأثير تثبيطي مباشر لمركز التنفس نتيجة لزيادة تهوية الرئتين ونفخ كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون ومن ثم نقص ضغطه الجزيئي في الدم وزيادة الحمضية في سوائل الجسم، كما يمنع تنبيه المستقبلات الحساسة في جدر الأوردة لمركز التنفس والذي يؤدي تثبيطه إلى توقف الإشارات العصبية لعضلات التنفس المسؤولة عن اتساع القفص الصدري شكل رقم (6).التنفس الداخلي:يُحمَل الأكسجين من الرئتين إلى الأنسجة ذائبًا في البلازما وفي مركبات كيميائية مع الهيموجلوبين والأكسي هيموجلوبين ويحدث تبادل الغازات بين جدر الشعيرات الدموية والسائل الخلوي للأنسجة بنفس قانون التبادل الذي يحدث في الرئتين، ثم تحصل الخلايا على الأكسجين من خلال السائل الخلوي بواسطة الانتشار الخلوي، ومركب الأكسي هيموجلوبين مركب غير ثابت لا يلبث أن يتحرر منه الأكسجين ثم ينتقل إلى الخلايا عبر الانتشار الخلوي، كما ينتقل ثاني أكسيد الكربون من الخلايا كناتج عملية أكسدة الدهون والكربوهيدرات فيها إلى السائل النسيجي ومنه إلى جدر الشعيرات الدموية والتي تصب في الأوعية الدموية وينتقل في الدم إمَّا ذائبًا في بلازما الدم أو متحدًا مع الصوديوم في صورة بيكربونات الصوديوم، أو ينتقل عبر اتحاده مع الهيموجلوبين إلى أن يطرد من الدم إلى هواء الزفير. تناقص كثافة الهواء كلما صعدنا إلى أعلى: عند مستوى سطح البحر تكون كثافة الغازات المكونة للهواء متناسبة مع احتياجات الجسم من الأوكسجين ،وتقل كثافة الغازات كلما صعد الإنسان للارتفاعات العالية، وبالتالي يقل الضغط الجزيئي لكل الغازات، فكتلة الغازات غير موزعة بشكل متساوٍ بالاتجاه العمودي؛ حيث يجتمع 50% من كتلة الغازات المكونة من الهواء حتى ارتفاع 20 ألف قدم، و90% منها حتى 50 ألف قدم، وتتوزع 10% فقط في الفراغ فوق ذلك.. وهذا يؤدي بدوره إلى نقص الأوكسجين المتوفر في المرتفعات العالية فضلاً عن انخفاض ضغطه مما يؤدي إلى صعوبة تلبية احتياج الجسم لمتطلباته من الأوكسجين اللازم لعملياته الحيوية.تأثير الضغط المنخفض للأكسجين على الجسم: يعتبر الضغط الجوي للغازات المكونة للغلاف الهوائي المحيط بالأرض هو العامل الأهم في حفظ استمرار الحياة الطبيعية فوق سطح الأرض وفي غلاف جوها القريب؛ وذلك بالتأثير المباشر على الضغط الجزيئي للأكسجين في الهواء وفي الحويصلات الهوائية، والضغط الجزيئي لثاني أكسيد الكربون في الحويصلات الهوائية، ونسبة تشبع الأكسجين في الأوردة الدموية، فحيث يكون الضغط الجوي عند مستوى سطح البحر 760 مم/زئبق ـ يكون الضغط الجزيئي للأكسجين في الهواء 159 مم/زئبق وفي الحويصلات الهوائية 104 مم/زئبق والضغط الجزيئي لثاني أكسيد الكربون 40 مم/زئبق ونسبة تشبع الأكسجين في الأوردة 97%، وهذا هو الضغط المثالي للغازات المكونة للهواء المتلائم مع أعضاء الجسم البشري في القيام بالصورة المثلى لوظائفه، وعند الارتفاع إلى أعلى يقل الضغط الجوي ويشعر الإنسان بازدياد ضربات قلبه وتسارع عدد مرات تنفسه ويشعر بضيق متنامٍ في صدره كلما ارتفع إلى أعلى ويهبط الضغط الجوي عند الارتفاع إلى عشرة آلاف قدم فوق سطح البحر إلى 523 مم/زئبق، وهذا الانخفاض في الضغط يؤدي إلى انخفاض في الضغط الجزيئي للأوكسجين في الهواء إلى 110 مم/زئبق، وفي الحويصلات الهوائية إلى 67 مم/زئبق، أما الضغط الجزيئي لثاني أكسيد الكربون فيقل قليلاً: 36 مم/ زئبق. لذلك فالصعود إلى هذا المستوى من الارتفاع ( 10 آلاف قدم) ورغم الضيق الذي يشعر به الإنسان في صدره من جراء اللهثان التنفسي وسرعة النبض إلا أن هذا الضيق لا يشكل خطورة تهدد حياته حيث يمكن أن يتأقلم جسده فسيولوجيًّا على هذا النقص في أي مستوى خلال هذا الارتفاع.الضغط الجزيئي للأكسجين في الحويصلات الهوائية عند الارتفاعات المختلفة: يختلف الضغط الجزيئي للأكسجين في الحويصلات الهوائية من منطقة إلى أخرى عند الصعود إلى أعلى، وهذا ليس راجعًا فقط إلى نقصان الضغط الجوي العام لغازات الهواء المتنفس ولكن إلى الضغط الجزيئي لبخار الماء والذي يظل ثابتًا 47 مم/زئبق مع ثبات درجة حرارة الجسم في الوضع الطبيعي ومع تغير الضغط الجزيئي لثاني أكسيد الكربون، فعند الصعود إلى المرتفعات العالية يتدفق باستمرار ثاني أكسيد الكربون من الدم الرئوي إلى الحويصلات الهوائية ويفرز بخار الماء من أسطح الجهاز التنفسي ويختلط مع هواء الزفير ويمتزج هذان الغازان مع الأوكسجين فيخفّ تركيزه في هواء الحويصلات الهوائية وبالتالي يؤدي إلى نقص في الضغط الجزيئي له عنه في الهواء الخارجي، ويهبط الضغط الجزيئي للأكسجين في الحويصلات الهوائية من 104 مم/زئبق عند سطح البحر إلى 40 مم/زئبق عند ارتفاع 20 ألف قدم عند الأشخاص غير المتأقلمين و53 مم/زئبق عند الأشخاص المتأقلمين، ويظهر الفرق بينهما في زيادة سرعة تهوية الحويصلات الرئوية (اللهثان) عند غير المتأقلمين أضعاف سرعتها عند المتأقلمين، وهذا القدر من ضغط الأكسجين في الحويصلات الهوائية (40 مم/زئبق) هو الذي يمكن أن تستمر معه الحياة بالكاد، وهو ما ثبت عند تنفس المتأقلمين للهواء الجوي على قمة إيفريست في جبال الهمالايا حيث يصل ارتفاعها إلى حوالي 29 ألف قدم.تشبع الهيموجلوبين بالأكسجين عند الارتفاعات المختلفة: تختلف نسبة تشبع الأكسجين في الأوردة الدموية حسب الارتفاعات حيث تكون عند سطح البحر حوالي 97% وتظل مرتفعة نسبيًّا حتى 10.000 ألف قدم، ثم تهبط بحدة بعد ذلك حيث تصل النسبة إلى حوالي 70% عند 20 ألف قدم، ثم هبوطا مريعًا 24% عند 30 ألف قدم شكل رقم(7).الأعراض الحادة لنقص الأوكسجين Hypoxia تبدأ هذه الأعراض عند الارتفاع عن سطح البحر بـ 12 ألف قدم حيث يشعر الإنسان بدوار وفتور وتعب ذهني وعضلي، وأحيانًا صداع ورغبة في القيء، وتتطور هذه الأعراض لتصل إلى حد التقلصات أو التشنجات لجميع عضلات الجسم فوق ارتفاع 18 ألف قدم، وتنتهي فوق 23 ألف قدم في شخص غير متأقلم إلى غيبوبة، ومن أهم هذه الأعراض أيضا نقص الوظائف العقلية ممثلة في نقص المحاكمة أو الحكم ونقص في الذاكرة ونقص في توظيف الحركات الإرادية المتباعدة وتزداد هذه الأعراض بالبقاء في الأجواء العليا بعض الوقت فلو مكث صاعد إلى أجواء الفضاء عند ارتفاع 15 ألف قدم لمدة ساعة لنقصت الوظائف العقلية لديه إلى 50% من الطبيعي، ولو مكث 18 ساعة عند نفس الارتفاع لنقصت إلى 20% من الطبيعي. ثم يؤدي هذا النقص الشديد في الأكسجين إلى اكتئاب عقلي ونقص شديد في كفاءة العضلات الإرادية واللاإرادية في العمل مما يسبب نقصا كبيرًا في كمية الدم المتدفق من القلب إلى أوردة الجسم نظرًا لضعف عضلة القلب وسرعة النبض الهائل وإذا ازداد الارتفاع توقف القلب عن العمل بالكلية. كما قد يصاب بعض الأشخاص عند الصعود المفاجئ إلى المرتفعات العالية بوذمة دماغية حادة (Acute cerebral odema ) تفقده القدرة على التوجيه والتكيف، أو بوذمة رئوية حادة (Acute pulmonary odema ) تنهي عمل الرئتين تمامًا وتؤدي إلى موت محقق ـ إن لم يسعف الإنسان بأقصى سرعة. وجه الإعجاز في الآية: أشارت الآية الكريمة إلى عدة حقائق علمية تجلت في هذا الزمان يمكن تلخيصها فيما يلي: 1 ـ صعود الإنسان في السماء: في قوله تعالى: (كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى السَّمَآءِ) إشارة واضحة إلى إمكانية صعود الإنسان إلى السماء حيث شبه المولى ـ عز وجل ـ حال ضيق صدر الكافر عن قبول الإيمان بحال الذي يتصعد في السماء، وذكر وجه الشبه وهو الصفة المشتركة بينهما (ضَيِّقًا حَرَجًا) وجاء بأداة التشبيه (كَأَنَّ) ليقع بعدها المشبه به في صورة حسية واضحة، وقد ثبتت بيقين هذه الصورة الحسية الناصعة في هذا الزمان، حيث صعد الإنسان إلى طبقات الجو العليا بتسلقه للجبال الشاهقة (حيث تبلغ قمة جبال الهملايا حوالي 30 ألف قدم) وبصعوده إلى أعلى في أجواء الفضاء عبر البالونات وفي الطائرات الشراعية والنفاثة وعبر الصواريخ العملاقة، وقد سجلت بدقة متناهية التغيرات الفسيولوجية لجميع أعضاء وأجهزة الجسم عبر طبقات الجو المختلفة وأثر الصعود على الجهاز التنفسي والدوري - أي ما يحدث في صدر الإنسان من ضيق متدرج يصل عند ارتفاع معين إلى أشد أنواع الضيق، فالتشبيه بعد تحقق المشبه به في الواقع أصبح ظاهرًا وواضحًا أشد الوضوح، فهو تشبيه مُرسَل مفصَّل ذُكِرَت فيه أداة التشبيه ووجه الشبه، وهو تشبيه تمثيلي حيث وجه الشبه مُنتَزَع من أشياء متعددة مركبة من الضيق المتدرج يليها مرحلة الانغلاق وهي أضيق الضيق، والآثار المترتبة من ذلك على أجهزة الجسم، وبما أن القرآن الكريم يستمد تشبيهاته من عناصر الكون ومشاهده من أجل تحقيق غايته في تثبيت ما يهدف إليه من ربط الشعور بالحس، وحيث إن حالة المشبه هي من الأمور المعنوية التي تثبت في الذهن بتثبيتها بصورة محسوسة، وحيث إن التشبيه لا تكمل أركانه ولا يكون وجه الشبه في المشبه به أقوى منه في المشبه إلا بحمل النص على ظاهره من قصد التصعد في السماء على الحقيقة، وحيث إن ألفاظ كل المشاهد في القرآن الكريم تتميز بدقة اختيارها ومطابقتها للمعنى، فالألفاظ في هذا المشهد أيضًا تجمع بين دقة الدلالة ووضوح العبارة، وحيث إنه لا توجد قرينة في النص تصرف دلالة اللفظ الظاهر عن معناه ـ فبذلك يثبت أن في الآية الكريمة دلالة واضحة على إمكانية صعود الإنسان إلى أجواء الفضاء.. وتعتبر هذه الإشارة إخبارًا عن حقيقة وقعت ونبوءة تحققت في هذا الزمان.2 ـ ضيق الصدر المتدرج: والمتمثل في صعوبة التنفس واضطراب القلب والدورة الدموية الذي يعاني منه المتصعد في السماء والذي تزداد نسبته مع درجات الارتفاع.وبما أن الجهاز الدوري يشارك الجهاز التنفسي مشاركة فعالة وأساسية في تبادل الغازات خارج وداخل الجسم وأن مكونات هذا الجهاز الرئيسة موجودة داخل منطقة الصدر ـ لذلك كان التعبير القرآني شاملاً حينما حدد مكان الضيق الذي يعاني منه الإنسان في الارتفاعات العالية بأنه في عموم الصدر وليس في أعضاء التنفس فقط. انظر الشكل (2). ويفهم من عبارة النص الكريم (ضَيِّقًا حَرَجًا) بأن هذا الضيق ضيق متدرج ويستمر في الزيادة حتى يصل إلى الذروة في الضيق وهذا ما قرره علماء اللغة والتفسير حيث فسروا (ضَيِّقًا حَرَجًا) على أنه ضيق بعد ضيق، والحرج على أنه أضيق الضيق أو أشده، يقول القرطبي: (فكأنه ضيق بعد ضيق)، وهذا ما يتطابق علميًّا مع ما يشعر به الصاعد في أجواء السماء من ضيق متدرج في التنفس يزداد كلما زاد الارتفاع إلى أعلى حيث تقل كثافة الهواء في طبقات الجو المختلفة فيقل تبعا لها الضغط الجوي للغازات المكونة للهواء وأهمها الأكسجين فتزداد سرعة دورات التنفس حتى تصل إلى اللهثان مع ازدياد في عدد نبضات القلب فيشعرالإنسان بهذا الضيق بدءًا من ارتفاع ثلاثة آلاف قدم فوق مستوى سطح البحر، ثم يتنامى الضيق بالتدريج في صدره كلما ازداد الصعود حيث يقل الضغط الجزيئي للأكسجين في الحويصلات الهوائية وتقل تبعا له درجة تركيز الأكسجين في الدم وبالتالي حرمان جميع أنسجة الجسم من الأكسجين اللازم لها، وبعد ارتفاع 12 ألف قدم فوق مستوى سطح البحر تبدأ أعراض نقص الأكسجين متمثلة في الشعور بفتور ودوار وتعب ذهني وعضلي إلى أن تصل إلى حد التقلصات والتشنجات في جميع عضلات الجسم ومنها العضلات بين الضلوع وعضلة الحجاب الحاجز وعضلات الرقبة والكتفين والبطن المتعلقة باتساع القفص الصدري أثناء الشهيق حينما تتقلص تقلصًا دوريًّا طبيعيًّا فيأخذ الضيق في الازدياد بحدوث التعب العضلي لعضلات التنفس مع الدوار والتعب الذهني، ويزداد القفص الصدري ضيقًا بحدوث التقلصات والتشنجات غير المنتظمة في عضلات التنفس حيث يضطرب اتساع التجويف الصدري أثناء الشهيق كما تضطرب عملية الزفير فوق 18 ألف قدم فيشعر الإنسان بضيق شديد ينتهي به فوق 23 ألف قدم إلى غيبوبة ـ إن كان شخصًا غير متأقلم ـ وقد ثبت أنه يمكن للأشخاص الذين يركبون الطائرات الشراعية غير المجهزة بالضغط الملائم من الداخل أن يطيروا لارتفاع 23 ألف قدم ويكونوا في حالة وعي إلى أن يهبط تركيز الأوكسجين في الدم من 40 إلى 50% عن معدله عند مستوى سطح البحر ـ فيفقدوا الوعي. كما قد يصاب بعض الأشخاص بوذمة رئوية حادة كنتيجة لتسرب وانتقال السوائل من شعيرات الأوعية الدموية ذات الضغط المرتفع عنها في أنسجة الرئتين والتي يؤدي تجمعها إلى انكماش أنسجة الرئتين تمامًا ويدخل الإنسان إلى الضيق الحرج والذي تنغلق فيه مجاري التنفس انغلاقًا لا ينفذ منه شيء على الإطلاق. وأهم التأثيرات لحرمان الجسم من الأكسجين في الارتفاعات العالية هو نقص الوظائف العقلية متمثلة في نقص الحكم على الأشياء، فيقل التمييز بين الصواب والخطأ وتنقص الذاكرة والتي هي مخزن المعلومات لديه، ثم يؤدي النقص الشديد في الأكسجين إلى اكتئاب عقلي وتزداد هذه الأعراض بالبقاء في الأجواء العليا وقتًا أطول، فتأمل هذه التأثيرات التي يعاني منها الصاعد في السماء والكافر الذي انغلق قلبه عن قبول الإيمان لتدرك دقة الصورة التمثيلية في هذا التشبيه الرائع. ثم يؤدي النقص الشديد في الأكسجين بزيادة الارتفاع إلى الطبقات الأعلى إلى نقص شديد في كفاءة العضلات الإرادية واللاإرادية في الجسم كله مما يسبب نقصًا كبيرًا في كمية الدم المتدفق إلى الأوعية الدموية نظرًا لضعف عضلة القلب مع السرعة الهائلة في النبض، كما أن عضلات التنفس تتوقف عنها الإشارات العصبية الواردة إليها من مركز التنفس نتيجة لتثبيطه من جراء النقص الشديد في الضغط الجزيئي لثاني أكسيد الكربون في الدم نظرا لدفقه بكميات هائلة أثناء تهوية الحويصلات (اللهثان) وزيادة حمضية سوائل الجسم، وهذا التثبيط يمنع تنشيط المستقبلات الحساسة في جدر الأورطى والشريان السباتي لمركز التنفس؛ وبالتالي يكف عن إرسال إشاراته العصبية لتنشيط تقلص عضلات التنفس فلا يتسع القفص الصدري ولا تتمدد الرئتان أثناء الشهيق ولا يقل الضغط في مجاري التنفس عنه في الخارج فلا يدخل الهواء محملاً بالأكسجين فيصاب الإنسان بضيق شديد بالغ، وهذا كله مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتبادل الغازي للأكسجين وثاني أكسيد الكربون بين خلايا الأنسجة وبين الأوعية الدموية الدقيقة وهو ما يسمى بالتنفس الداخلي والذي يؤثر بدوره عبر نظم كيميائية وعصبية عديدة ومعقدة ـ على ما يحتويه الصدر من أعضاء الجهاز التنفسي الخارجي وأعضاء الجهاز الدوري الدموي فيسبب الضيق الصدري والذي تتناسب شدته مع درجة الحرمان من الأكسجين. 3 ـ الحرج (منطقة الانغلاق): كلما ازداد الارتفاع أصيب الإنسان بأعراض نقص الأكسجين نظرًا لتناقص كثافة كتلة الغازات كلما صعدنا إلى أعلى ويختلف تأثير الارتفاع المفاجئ والحاد عن الارتفاع البطيء والمتدرج على أجهزة الجسم، ويفهم من عبارة النص الكريم (كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ) أن المراد هو الارتفاع المتدرج البطيء يؤيده قول القرطبي أن يصعَّد من الصعود وهو الطلوع وأن يتصاعد فيه معنى شيء بعد شيء وذلك أثقل على فاعله، ويتصعد يتكلف ما لا يطيق شيئًا بعد شيء كقولك: يتجرع ويتفوق، فيمكن القول بأن معنى يصعد أو يصّاعد أنه يفعل صعودًا بعد صعود وهو أثقل عليه وأشد، وذلك لأن الصعود البطيء إلى أعلى درجة بعد درجة يتيح للإنسان الشعور بدرجات شدة الضيق عند كل درجة ثم لا يلبث أن تخف حدته بالمكث فترة من الزمن ثم يزداد الضيق بالارتفاع إلى درجة أعلى وهكذا إلى أن يصل لمرحلة ذروة الضيق. إن وظائف أعضاء الجسم يمكن أن تتأقلم على نقص الأكسجين خلال الارتفاع البطيء لمسافة عشرة آلاف قدم فوق سطح البحر، وتخف حدة الشعور بالضيقتدريجيًّا عند كل البشر بالمكث في الأماكن المرتفعة خلال هذه المسافة، أما الصعود إلى أعلى من ذلك درجة بعد درجة فيتجرع الإنسان خلاله درجات شدة الضيق، ويختلف الإنسان العادي عن الإنسان المتأقلم في مستوى الارتفاع الذي يحقق نفس درجة الضيق ويصل كل منهما إلى أقصى وأشد درجات الضيق والذي لا يكون بعدها إلا الموت المحقق عند مستوى معين من الارتفاع والذي يمكن أن نسميه (وفق المصطلح القرآني): المستوى (الحرج) والذي يمكن تعريفه علميًّا بأنه: المستوى الذي يقل فيه الضغط الجزيئي للأكسجين في الحويصلات الهوائية إلى المستوى الذي لا يسمح فيه بانتقال الأكسجين من الحويصلات الهوائية إلى الدم، وبعد هذا المستوى يصل الضيق إلى نهايته وذروته، ويختلف هذا المستوى الحرج من الشخص غير المتأقلم والذي يعيش عند مستوى سطح البحر عن الشخص المتأقلم والذي يعيش في مستوى مرتفع عن سطح البحر، وقد سجلت المراجع الطبية هذا المستوى للشخص غير المتأقلم فوق 20 ألف قدم بينما سجلته فوق ارتفاع 29 ألف قدم للشخص المتأقلم، فإذا صعد الإنسان فوق هذا المستوى من الارتفاع ازداد عنده شدة ضيق التنفس وكربة الصدر نتيجة لتوقف سريان الأكسجين إلى الدم وانغلاق تام إلى أن يصاب بصدمة عصبية وغيبوبة تنتهي به إلى الموت المحقق، وهذا الضيق هو ضيق حقيقي متدرج للقفص الصدري إلى أن يتوقف اتساعه أثناء الشهيق بعدم تقلص عضلات الحجاب الحاجز والعضلات بين الضلوع، وعندما لا تتمدد الرئتان أثناء الشهيق، وعندما تضيق مجاري الهواء في الرئتين تتقلص العضلات الإرادية المحيطة بهذه القصبات، أو عندما تحدث الوذمة الرئوية الحادة والتي تؤدي إلى انكماش الرئتين وانسداد مجاري التنفس تمامًا وإنهاء عمل الرئتين بالضغط عليها من الخارج، وعندما يرتفع الضغط داخل الجانب الأيمن في القلب وداخل الأوعية الرئوية ليدفع الدم بقوة إلى نظام شبكة الشعيرات الدموية الرئوية الكبيرة المتمددة. وهذا الضيق الحقيقي يتوافق ومعاني الضيق والحرج الذي ذكره المفسرون؛ فهو ضيق بعد ضيق إلى أن يبلغ أشد درجاته، وهو أيضا لا ينفذ منه شيء كالحرجة وهي الشجرة التي التفت بها الأشجار التفافا شديدا، أو هي الموضع الذي التف شجره فلا يصل إليه شيء من شدة التفافه.كما أنه يصاحب هذا الضيق معاناة ومشقة بالغة وآلام عند التنفس، وهذا ما يتوافق والمعنى اللغوي للصعود، والذي يفيد -علاوة على معنى الذهاب إلى أعلى - معنى المشقة والألم المصاحب للتنفس. إن ورود هذه الحقائق العلمية المتمثلة في إمكانية الصعود في السماء، والضيق المتدرج الذي يعاني منه الصاعد فيها، والمستوى الحرج الذي يصل فيه الضيق إلى ذروته، والتي ذكرت في هذا المشهد القرآني البليغ لهي إعجاز علمي واضح؛ إذ ما كان أحد في زمن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يمكن أن يتخيلها فضلاً عن أن يكتشفها. إن هذه الحقائق لم تكن معلومة على وجه القطع في زمن الوحي ولا حتى بعده بقرون، ولم تعرف هذه الحقائق وتكتشف إلا خلال القرون الثلاثة الأخيرة، وكانت البداية حينما اكتشف العالم (بليز باسكال) عام 1648م أن ضغط الهواء يقل كلما ارتفعنا عن مستوى سطح الأرض، وقد تجلت هذه الحقائق في القرن العشرين حينما ارتبطت أبحاث وظائف أعضاء الجسم بصعود الإنسان في طبقات الجو العليا عبر تسلق الجبال الشاهقة وركوب الطائرات الشراعية والعمودية والنفاثة وتقدم وسائل البحث والرصد، وكان (بول بيرت) هو أول طبيب يقوم بدراسات موسعة عن طب الطيران وتأثير انخفاض الضغط الجوي على وظائف أعضاء الجسم وقد نشر عام 1887م كتابًا أسماه (الضغط الجوي). فمن أخبر محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ بهذه الحقائق منذ ما يزيد على أربعة عشر قرنًا؟ إنه وحي الله الذي خلق الكون والإنسان ويعلم سنن الخلق. إن تجلي هذه الحقائق في هذا الزمان لهي من وعد الله لنا بإظهار أنباء القرآن الكريم في الزمن المستقبل قال تعالى: (إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ ِلّلْعَالَمِينَ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) سورة ص.المراجع:1 ـ النسفي (عبدالله بن أحمد بن محمود)، مدارك التنزيل وحقائق التأويل ط1 ـ 1415هـ ـ 1995م، بيروت، دار الكتب العلمية.2 ـ البيضاوي (ناصر الدين أبو سعيد عبدالله الشيرازي)، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، ط1 1408هـ ـ 1988م، بيروت، دار الكتب العلمية.3 ـ أبو السعود (محمد بن محمد العمادي) إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم، دار إحياء التراث العربي، بيروت.4 ـ أبو محمد مكي بن طالب القيسي، الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها، ط4 1407هـ ـ 1987م، مؤسسة الرسالة، بيروت.5 ـ ابن كثير (أبو الفداء إسماعيل بن كثير) تفسير القرآن العظيم، بيروت.6 ـ الطبري (أبو جعفر محمد بن جرير) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 1405هـ ـ 1984م، دار الفكر بيروت.7 ـ الشوكاني (محمد بن علي) فتح القدير، 1983م، دار الفكر، بيروت.8 ـ الرازي (الفخر) التفسير الكبير، دار الباز، مكة المكرمة.9 ـ القرطبي (أبو عبدالله محمد بن أحمد الأنصاري) الجامع لأحكام القرآن، دار إحياء التراث العربي، بيروت.10 ـ ابن منظور، لسان العرب.11 ـ الألوسي (محمود البغدادي) روح المعاني في تفسير القرآن الكريم والسبع المثاني، 1414هـ ـ دار الفكر، بيروت.12 ـ إسماعيل حقي البرسوي، تفسير روح المعاني، دار الفكر، بيروت.13 ـ محمد علي الصابوني، صفوة التفاسير، دار الفكر، بيروت.1 - Guyton, Text book of Medical physiology (1991) 8 Edition. W.B. Saunders USA . 2 - Ross and Wilson, Anatomy and physiology in health and illness (1994) 7 Edition, Churchill Livingstone .3 - Arthur C.guyton, Human physiology and Mechanisms of disease (1992) fifth Edition W.B. Sounders company .U.S.A | |
|