أنشأه السلطان قايتباي في العهد المملوكي بمصر سنة (877هـ - 1472م) ويقع الآن في مقابر الخلفاء جنوب القاهرة. مسجد قايتباي هو آخر ما أنشأه السلطان ويعد تحفة أثرية وخاصة زخارف قبته المميزة وقد تغنى بها الأثري الفرنسي جاستون ويت.
منشىء هذا المسجد هو الملك الأشرف أبو النصر قايتباى. قدم إلى مصر برفقة تاجره محمود بن رستم سنة 1435/36م فاشتراه الملك الأشرف برسباى واستمر ضمن مماليكه إلى أن اشتراه الملك الظاهر أبو سعيد جقمق وظل فى رقه حتى أعتقه. ومن ثم تقلب فى عدة وظائف إلى أن ولي الملك فى رجب سنة 1468م ، وكانت مدة حكمه تسعا وعشرين سنة وبضعة شهور حيث توفى سنة 1496م، وله من العمر نحو ست وثمانين سنة..
ازدهرت العمارة الإسلامية فى عهده ازدهاراً عظيماً وكثرت منشآته وتنوعت وامتازت بتناسب أجزائها ووفرة زخارفها ونقوشها وبلوغها من الدقة والإتقان شأواً عظيماً. فينما نراه مهتماً بالأبنية الحربية فأنشأ طابية قايتباى بالإسكندرية وطابية رشيد، نراه اهتم بإقامة المنشآت المدنية والخيرية. فأقام المنازل والوكالات والأسبلة وأحواض سقي الدواب وله الكثير منها بالقاهرة. كما اهتم بترميم وتجديد كثير من منشآت أسلافه. ولم يكن اهتمامه بإنشاء المساجد بأقل من اهتمامه بغيرها. فله في القاهرة ثلاثة مساجد شهيرة: مسجده بالروضة ومسجده بقلعة الكبش، وهذا المسجد الملحق به تربته والذى شيده بقرافة المماليك التى يطلق عليها قرافة قايتباى لكثرة منشآته بها. ويعد هذا المسجد علما من أعلام هذه القرافة بل نموذجاً رائعاً للمساجد المملوكية التى أنشئت فى أواخر القرن التاسع الهجرى - الخامس عشر الميلادى. فقد تجمعت فيه دقة الصناعة وجمال التصميم وروعة الزخرف والنقش وتكاد كل قطعة فيه تنطق بأن الفن قد بلغ الذروة فيها. فإذا نظر الإنسان إليه من الخارج فإنه لابد منتزع منه إعجابه. فوجهاته المشتملة على المدخل والسبيل والكتاب على اليسار والمنارة على اليمين ثم القبة فى المؤخرة، كلها وحدة متناسبة متناسقة. وتعتبر منارته اجمل المآذن المملوكية طراً، سواء من حيث تناسب أجزائها أو روعة زخرفها وحسن توزيعها. كذلك القبة تعتبر من أجمل القباب المملوكية بزخارفها البديعة المحفورة فى الحجر. وما يقال عن المنارة والقبة يقال عن باقى أجزاء الوجهة سواء فى ذلك تناسبها ووفرة زخارفها.
أنشئ هذا المسجد على نظام المدارس ذات التخطيط المتعامد. فهو يتكون من صحن مسقوف، بوسط سقفه شخشيخة وتشرف عليه أربعة عقود تفتح إلى أربعة إيوانات متقابلة أكبرها إيوان القبلة. وعلى أوجه هذه العقود طراز مكتوب به اسم المنشئ وألقابه وتاريخ الإنشاء. وتزدان أسقف الإيوانات الأربعة والصحن بنقوش مذهّبة جميلة امتازت بهدوء ألوانها وتجانسها. وبصدر إيوان القبلة محراب حلّيت طاقيته بتلابيس من الحجر الأحمر على شكل شرفات ويقوم بجواره منبر خشبى جمعت ريشتاه وبابه على هيئة أشكال هندسية تحصر بينها حشوات من السن المحفور بزخارف دقيقة تنطق برقة الصناعة ودقتها. وتقوم القبة بجانب إيوان القبلة، وهى كباقى أجزاء المسجد غنية بالزخارف والنقوش. ويكسو الجزء السفلى من حوائطها وزرة من الرخام الملون يعلوه طراز مكتوب به اسم المنشئ وألقابه وأدعية له وبعض آيات قرآنية ثم تاريخ الفراغ من بناء القبة. وبحوائط القبة من أعلى كما بحوائط الإيوانات، شبابيك من الجص المفرغ الدقيق المحلى بالزجاج الملون.
فرشت أرض القبة والصحن والإيوانات بالرخام الملون. والواقع أن مهندس هذا المسجد قد إجاد فى هندسة بنائه وأبدع فى زخرفته ونقشه ولم يبخل عليه قايتباى بمال فجاء تحفة تجمعت فيها روائع الفن. ولهذا كان محل عناية لجنة حفظ الآثار العربية فى أواخر القرن التاسع عشر فاهتمت بتدعيم مبانيه وقامت بإصلاحه وتجديده وتناولت أعمالها إصلاح نجارته ورخامه وتجديد نقوشه وشبابيكه الجصية.