يصنف الحكماء حال أهل الإيمان عند الدعاء إلى فريقين فريق ينشط للعبادة عند المقتضيات من مكان أو زمان....فتراه يشهد في مكان خاص مشهدا يشوقه إلى الدعاء والابتهال والتقرب بنوافل البر كالكعبة والمسجد النبوي وبيت المقدس ويشهد في مكان أخر مشهدا ينسيه التقرب ويسليه عن التودد وذلك مثل الأسواق ومجالس اللهو ومجامع الغفلة. ويكون ذلك التقيد بالأزمنة أيضا فترى النشاط والهمة يقويان على عمل البر والقربات في شهر رمضان والليالي المرجو فيها الخير فإذا انصرفت تلك الأوقات وانقضت تلك اللحظات فترت الهمة وكلت تلك العزيمة وذلك لان العمل مقيد بدائرة الفكر وهو مقهور بحيطته التي تحيط بها من زمان ومكان أما الفريق الثاني فهم أهل الإطلاق أو أهل المشاهدات الذين ترقوا عن التكلف والاستحضار فإنهم وقعت بهم عين اليقين بكمال التسليم على نور الحق المجلو في الخلق وسر القيومية التي قامت بها العوالم فوقع بهم العلم على حقيقة الأسماء فاطمأنت بها القلوب فتمكنت الخشية من أفئدتهم والخوف من قلوبهم فهم مع الله لا يغيب عنهم في كل زمان وفى كل مكان لا يخصصون مكانا بعمل دون مكان ولازمانا بعمل دون زمان إلا ما خصصه به ربهم وأوجبهم فيه خالقهم ولذلك ترى عزائمهم في جد وهمتهم في نشاط لان الأمكنة والأزمنة غير مقصودة لهم ولا معظمة في قلوبهم وإنما المقصود ربهم والمعظم أمره وحكمه فإذا خرجوا من الزمان المخصوص بحكم ما والمكان المخصوص بأمر ما . كانوا مع الله بلا كون لأنه كان ولا كون وهؤلاء هم الأنبياء والصديقين والصالحين (أهل الميراث المحمدي) الذين لا تحجبهم الآيات ولا تبعدهم الكائنات فنزهوا ربهم سبحانه وتعالى عن أن يعظموا غيره أو ينشطوا له في وقت دون وقت أو مكان دون مكان إلا بما أمر وحكم فلا يكون التعظيم للمكان إنما يكون للحاكم الأمر سبحانه وتعالى وان كان الواجب على أهل هذا المقام أن يسيروا مع أهل مقام التقييد بما يناسبهم....تنشيطا لهم وإعلاء لعزائمهم حتى لا يفوتهم الفضل في كل زمان ومكان فرب نشاط بمكان خاص أيقظ القلب فقرب....ورب ذكر مع سهو عن المذكور ونسيان لمكانته اشتد فأنسى الذاكر عن شئون نفسه وقذف به إلى مرابض أنسه ....وإنما المذموم غفلة القلب واللسان واحتجاب الجسد والجنان