حدث في مثل هذا اليوم، 6 سبتمبر من عام 2008، انهيار كتل صخرية ضخمة علي رؤوس أهالي منطقة منشية ناصر، شرق القاهرة. فيما عرف باسم " كارثة الدويقة" والتي أودت بحياة ما يزيد عن 100 شخصا وجُرح مئات آخرين، وانهارت عشرات المنازل أو بمعني أدق "العشش".
تحركت مصر كلها وسمعنا عن مئات الملايين من التبرعات، خاصة وان هذه الكارثة كانت في الأيام الأولي من شهر رمضان قبل الماضي.
اليوم، مر عامين على هذه الحادثة .. كيف يعيش سكان الدويقة ؟ وما هي المشاكل التي يتعرضون لها ؟ وهل زهقت الحكومة من إيجاد حلول لإبقائهم أحياء فقررت أن تكون "الدويقة" مقبرة جماعية لشهداء الانهيارات الصخرية التي تتكرر كل فترة ؟ أين ذهبت التبرعات التي سمعنا عنها.. كل هذه الأسئلة نحاول أم نجيب عليها في ذلك التحقيق، في ذكري الكارثة.
البعض ينظر من نافذة حجرته فيجد ما يسره من ورد وحدائق ومشاهد خلابة، أو حتى شوارع ضيقة ضجيج.. بينما البعض الآخر ينظر من نافذته فيجد فلا يجد شيء، فقط صخور..وهذا ما سترونه إذا ما دخلتم إلي أحد المنازل المتهالكة وهي كثيرة في منطقة "الدويقة" .. البيت به حجرتين، في الأولي تجلس سيدة مسنة على الأرض وبجوارها نافذة ضيقة هي المصدر الوحيد للهواء، هذه النافذة لا يفصلها علي كتلة صخرية ضخمة غير بضعة أمتار، ورغم أن السيدة العجوز رفضت ذكر اسمها إلا أنها قالت:" "أحنا مستنيين الصخرة تقع على بيوتنا عشان يشيلونا من هنا .. وده اللي قاله المسئولين في الحي لنا ، قالوا هنجمعكم ضحايا !".
على محمد، أحد سكان الدويقة، عاصر عملية انتشال الضحايا من تحت الصخرة بعد وقوعها، قال: "منذ وقوع الصخرة على أهالينا وأقاربنا وحتى اليوم لم يأتي أي مسئول لإنقاذنا من الكارثة التي تنتظرنا ".
البيت الذي يسكن فيه على محمد مكون من طابقين، الثاني ملاصق تماماً لصخرة كبيرة، ويقول:" الحكومة لم تقم بتكسير هذه الصخرة "تهذيبها"، وكل يوم نتفاجأ بوقع بعض الرمل علينا من هذه المنطقة وهو ما يرعبنا". ويضمت قليلاً ثم يضيف:" احنا كل يوم قبل ما بنام بننطق بالشهادة ، وكأن حاسين إننا بنودع الدنيا ومنتظرين انهيار الصخور علينا".
النائب.. الغائب
هذه المنطقة تتبع نائب مجلس الشعب الشهير حيدر بغدادي، ويري على أن المنطقة تفتقر أي تواجد لأي مسئول، وقال:" المسئولين عارفين إننا في خطر كل يوم ولكن محدش بيعمل حاجة". وتوقع أن يتزايد التواجد من قبل مرشحي مجلس الشعب خلال الفترة القادمة استعدادا للانتخابات.
وتابع قائلاً :" أهالي المنطقة أتجمعوا من حوالي أسبوعين بعد صلاة التراويح أمام حي منشية ناصر اعتراضاً على عدم تسكين الأهالي الذين يسكنون تحت الجبل في مساكن بديلة".
الكثير من البيوت تضررت من جراء كارثة " الدويقة"، وليس فقط البيوت التي هدمت، ويقول مصطفى عبد الباقى أحد سكان الدويقة:" الصخرة لما وقعت هدمت بيوت وشرخت بيوت كثيرة".
وأشار بيده إلي تصدع طولي يقسم البيت الذي يسكن فيه وقال:" البيت اللي احنا قاعدين فيه آيل للسقوط".
وأكد مصطفي انه ذهب أكثر من مرة لمجلس محلى منشية ناصر، طوال العامين الماضيين، وكل محاولاته باءت بالفشل، وكان الموظفون يكتفون بالرد عليه بأن يترك عنوانه وسوف يتم تشكيل لجنة من حي منشأة ناصر لمعاينة المنزل ومعرفة الأضرار التي لحقت به ومن ثم سيتم اتخاذ اللازم، إلا أنه لم يرى أي موظف من الحي ولا أي لجنة ولا يوجد ما تم اتخاذه لإنقاذ الأهالي.
حيطان "بتنشع"
أم هيثم تسكن مع أسرتها المكون من 14 فرد في منطقة " الدويقة ، ويقع منزلها تحت جبل آخر، "بيتنا ملزوق جنب الجبل، وكل يوم بنام واحنا مرعوبين نصحا علي كارثة جديدة".
تكرار ذهاب أم هيثم لحي منشية ناصر، جعل الموظفين هناك يزهقون، وكانت دائما ما تقول له: "انتم مستنيين لحد ما الجبل تأني يقع علينا، فرد عليها احد المسئولين حسب قولها:" "احنا مستنين الجبل يقع ونجمعكم ضحايا !". وأضافت:" الجبل "بينشع" مياة علي حوائط البيت، علشان الحكاية تكمل، وهو لو مامتناش من انهيار صخرة الجبل، هنموت من انهيار البيت علي دمغنا".
الشيخ طلعت محمد أمام احد الزوايا في منطقة "الدويقة" ، كثير ما يلجا إليه الناس للمشورة وطلب النصح ودائما ما ينصحهم بالصبر، ولكن في حالة الصخور تتحول نبرة صوته لتكون حادة وعصبية ويقول:" المموت بيد الله، بس على أولي الأمر أن يفلعوا ما يستطيعون من جانبهم". وأضاف:" كل ما فعله الحي هو بناء سور من الطوب الأحمر يفصل ما بين الجبل وباقي المنازل التي لم تتضرر منذ الحادثة الأولي. وأكد أن هذا السور ضعيف جدا لدرجة أنك لو ضربته بقدمك سوف ينهار، فما بالك لو وقعت عليه إحدى هذه الصخور العملاقة".
احتلوا المساكن
إذا كان هذا حال ساكني منطقة "الدويقة"، أو من بقي منهم، فما هو حال السكان الذين هدمت منازلهم وتم أجلاهم، يقول الشيخ طلعت وهو يشير إلي مجموعة من العمارات السكنية الجديدة " مساكن سوزان مبارك، :"المفروض أن العمارات دي تكون للناس اللي بيوتها أتهدمت أو هتتهدم، ولكن للأسف اغلب اللي ساكنين فيها مش من سكان الدويقة أصلاً".
وأكد أن اغلب سكان هذه العمائر، أشخاص وعائلات ذات صلة وطيدة بنائب الدائرة الذي قام بتخصيص وحدات لهم هناك حتى يضمن أصواتهم في الانتخابات." حاولنا أكثر من مرة الاتصال بنائب الدائرة ولكن تليفونه دائما مغلق أو لا يرد.
رغم الجهود التي بذلك، إلا أن الكثير من جثث المتوفين مازالت حتى ألان تحت الأنقاض، وهو ما دعا الحكومة وقتها لرد المنطقة بأسرها علي رؤوس الضحايا، الكارثة ليس فقط في ذلك، ولكن حسب قول محمود عبد اللطيف، في البلطجية الذين استولوا علي المنطقة التي ردمت، وقاموا بتحويلها إلي وكر لتجارة المخدرات والتعاطي وإيواء المسجلين خطر. وقال عبد اللطيف،:" ابلغنا الشرطة أكثر من مرة، إلا أنهم يكتفون بتلقي البلاغ دون أن أي رد فعل، لإنقاذنا من هؤلاء البلطجية.