منتديات حجازة التعليمية
ضيفنا الكريم
حللت أهلاً .. ووطئت سهلاً ..
أهلاً بك بين اخوانك واخواتك
آملين أن تلقى المتعة والفائدة معنا
حيـاك الله
نتمنى أن نراك بيننا للتسجيل
مع خالص التحية بدوام الصحه والسعاده
ادارة منتديات مدرسة حجازةالثانوية المشتركة
منتديات حجازة التعليمية
ضيفنا الكريم
حللت أهلاً .. ووطئت سهلاً ..
أهلاً بك بين اخوانك واخواتك
آملين أن تلقى المتعة والفائدة معنا
حيـاك الله
نتمنى أن نراك بيننا للتسجيل
مع خالص التحية بدوام الصحه والسعاده
ادارة منتديات مدرسة حجازةالثانوية المشتركة
منتديات حجازة التعليمية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
البوابةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 قصة الاسلام الجزء10

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
اسامه جاد
مشرف سوبر
مشرف سوبر
اسامه جاد


ذكر عدد الرسائل : 3356
العمر : 53
العمل/الترفيه : معلم اول احياء وعلوم بيئه وجيولوجيا
نقاط : 13556
تاريخ التسجيل : 14/02/2009

قصة الاسلام الجزء10 Empty
مُساهمةموضوع: قصة الاسلام الجزء10   قصة الاسلام الجزء10 I_icon_minitimeالثلاثاء ديسمبر 15, 2009 7:53 pm

11-بيعة العقبة الثّانية

جاء موسم الحج في السنة الثالثة عشرة من النبوة يحمل الخير كله.

خرج وفد يثرب للحج، وكان الوفد مكونًا من ثلاثمائة حاج وقيل خمسمائة، منهم خمسة وسبعون من المسلمين (ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان). وجدير بالذكر أن معظم هؤلاء المسلمين لم يكونوا معروفين لغيرهم من المشركين، معنى ذلك أن دعوة مصعب بن عمير في يثرب، وإن كانت علنية في حماية أسعد بن زرارة لكن لم يكن كل من يؤمن يعلن إسلامه في هذه المرحلة؛ وذلك مراعاة لظروف المدينة التي يكثر بها المشركون في ذلك الوقت، ولوجود اليهود فيها؛ وذلك لضمان استمرار الدعوة إلى أقصى مدى، حتى تحين اللحظة المناسبة التي يعلن فيها المسلمون عن أنفسهم في وقت يستحيل فيه استئصالهم، والدليل على أن غالب المسلمين كانوا لا يعلنون إسلامهم هو أن زعيم هذا الوفد في الحجيج وهو عبد الله بن أبي بن سلول - الذي أصبح بعد ذلك رأس المنافقين - لم يكن يدري عنهم شيئًا، ولما خاطبه أهل قريش بأن هناك مسلمين في وفده أقسم على غير ذلك، كان صادقًا في جهله بوجود المسلمين في وفده، بل صرح كعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنه بذلك حيث قال وهو يصف أحداث بيعة العقبة الثانية: وكنا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا. فانظر وتأمل إلى دقة وحذر واحتياط المسلمين وهم ليسوا بالعدد القليل.


وصل وفد يثرب إلى مكة، واستقروا بها، وأخذوا يرتبون إقامتهم هناك، وكانوا على موعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ بيعة العقبة الأولى في العام السابق، والتي اشتملت على أمور عقائدية ومطالب أخلاقية كالبعد عن الزنا والسرقة، فكانت كلها تكليفات فردية، ولم يكن فيها أية مطالب بالنصرة واستضافة الرسول صلى الله عليه وسلم، فضلاً عن حمايته، والقتال في سبيل ذلك لو تطلب الأمر، وذلك مراعاةً من النبي صلى الله عليه وسلم لقدرة الأنصار الاثني عشر المشاركين في البيعة الأولى، والتي مهما عظمت فهي محدودة، ولكن قبل أن نشاهد ماذا فعلوا في مكة، نريد أن نقف على ثلاثة مواقف مهمة قام بها الأنصار رضي الله عنهم قبل أن يشاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

من مواقف الأنصار قبل لقاء النبي صلى الله عليه وسلم


الموقف الأول: هو ما قاله جابر بن عبد الله رضي الله عنه وهو يصف كلام الأنصار وهم في المدينة قبل الخروج إلى مكة، يقول جابر رضي الله عنه فقلنا: حتى متى نترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يُطرد في جبال مكة ويخاف؟! فرحل إليه منا ثلاثة وسبعون رجلاً.


وهذا يعني أن الأنصار كانوا قد عقدوا العزم على استضافة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمايته قبل أن يطلب ذلك منهم، وهذا يفسر الحمية العظيمة والثبات العجيب الذي سنراه بعد ذلك في بيعة العقبة الثانية، فالباحث عن الجهاد الراغب فيه المشتاق إليه شيء، والمطيع لأمر الجهاد إحراجًا أو رغبًا أو رهبًا شيء آخر، فالأنصار كانوا أنصارًا للدين بحق، لم يطلبوا لأنفسهم شيئًا قطُّ؛ لذا قال الله عنهم: [وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ] {الحشر:9}. وهذه الآية تفسر كل مواقف الأنصار بعد ذلك، والتي لن تُفهم مواقف الأنصار إلا في ضوئها.


الموقف الثاني: حدث في الطريق إلى مكة، وهو حقًّا موقف عجيب، وهو قيام الأنصار بدعوة البراء بن معرور رضي الله عنه إلى الإسلام وكان سيدًا من سادتهم، فقبل الإسلام رضي الله عنه، والأنصار بذلك يعلّمون المسلمين جميعًا درسًا لا ينسى، وهو أن الدعوة لا تتوقف مهما صعبت الظروف، فرغم مشقة السفر، ورغم الاحتياط والحذر، ورغم الاستقرار الخاص لمقابلة الرسول صلى الله عليه وسلم، رغم كل ذلك لم يتوقف الأنصار عن دعوتهم إلى الله، وسبحان الله! سيموت البراء بن معرور بعد هذا الحدث بأقل من شهرين، وشتان بين موته كافرًا وبين موته أنصاريًّا مبايعًا على الجهاد، فانظر إلى قيمة الدعوة في حياة الناس.


الموقف الثالث: وهو أعجب، وهو دعوة عبد الله بن عمرو بن حرام - وهو من سادات يثرب أيضًا - إلى الإسلام، فقد تمت دعوته في مكة ذاتها، وهم يعدون العدة لهذا اللقاء السري المهم والخطير، والذي سيتم بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولكن من جديد، لا وجود لكلمة (الظروف) في الدعوة، نعم نأخذ حذرنا، وتتغير إستراتيجيتنا، ونقدم شيئًا، ونؤخر شيئًا آخر، لكن الدعوة لا تتوقف. ولعل اطمئنان الأنصار إلى دعوة عبد الله بن حرام رضي الله عنه ترجع إلى أنه والد جابر بن عبد الله، وهو من أوائل من أسلم من الأنصار (من الستة الذين أسلموا منذ عامين على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ولا شك أن جابرًا قد مهد لأبيه الإسلام قبل ذلك، ويعلم أن في قلبه ميلاً إليه. وقد كان عبد الله بن عمرو بن حرام رجلاً عظيمًا حقًّا، وقَبِل الإسلام كما قبله البراء بن معرور رضي الله عنه، وسيظل عظيمًا رضي الله عنه وسيموت شهيدًا بعد أقل من ثلاث سنوات في غزوة أحد، بل سيحدث معه موقف عجيب، فإنه كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم كما روى الإمام مسلم عن جابر رضي الله عنهما أن الملائكة ما زالت تظلله بأجنحتها حتى رفعه المسلمون. بل حدث معه ما هو أعظم من ذلك بكثير، فقد روى الترمذي وقال حسن، وروى الحاكم وقال صحيح عن جابر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يخاطب جابرًا: "أَفَلا أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ؟" فَقَالَ جَابِرٌ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلاَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا، فَقَالَ: يَا عَبْدِي، تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ. قَالَ: يَا رَبِّ، تُحْيِينِي، فَأُقْتَلُ فِيكَ ثَانِيَةً. قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لاَ يَرْجِعُونَ". قَالَ: وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: [وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ] {آل عمران: 169}.


وتخيَّل، كيف الحال لو مات عبد الله بن عمرو بن حرام على شركه! كيف لو لم يصل إليه الأنصار بهذه الدعوة العظيمة! فانظر وتأمل إلى هذه النقلة الضخمة التي حدثت في حياة عبد الله بن عمرو بن حرام رضي الله عنه لما آمن بهذا الدين.


لماذا قابل الرسول جميع الأنصار؟


نعود إلى الأنصار في مكة، فقد أرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من رتب معه موعدًا لهذا اللقاء المهم، وكان من الضروري أن يقابل الرسول صلى الله عليه وسلم الأنصار جميعهم، ولا يكتفي بمقابلة النقباء عنهم حتى لا يذهب إلى المدينة ثم يفاجأ بأن بعض الأنصار غير موافقين على بعض بنود البيعة، أو غير موافقين على وجوده صلى الله عليه وسلم في المدينة أصلاً.


ولا نجد بين أيدينا روايات تذكر لقاء بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أحد الأنصار قبل بيعة العقبة الثانية إلا رواية واحدة فقط، تذكر لقاء بين البراء بن معرور رضي الله عنه وكعب بن مالك رضي الله عنه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك في حضور العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن المحتمل أنه قد تم في هذا اللقاء تحديد ميعاد بيعة العقبة الثانية، وخاصة أن هذا تم في حضور العباس بن عبد المطلب، الذي شارك بعد ذلك في مباحثات العقبة الثانية، ولعل الأنصار قد أرسلوا البراء بن معرور؛ لأنه حديث الإسلام جدًّا، ولا يشك أحد من مشركي يثرب ولا مكة في إسلامه.

الرسول يُؤَمّن اللقاء


وقد تم بالفعل تحديد الموعد، وكان موعدًا عجيبًا يثبت مدى دقة واحتياط رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذه بالأسباب إلى آخر مدى؛ فقد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسباب كثيرة بغية تأمين هذا اللقاء المحوريّ المهم:


أولاً: اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون اللقاء في آخر ليلة من ليالي الحج، وهي ليلة الثالث عشر من ذي الحجة، ومعنى هذا أن الحجاج سيعودون إلى بلادهم في اليوم التالي مباشرة، وبذلك يضيق الفرصة على مشركي قريش في متابعة الوفد الأنصاري أو مراقبته إذا شكوا في أمر اللقاء، وهو ما حدث بالفعل.


ثانيًا: اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون اللقاء في الثلث الأوسط من الليل، وهو وقت يغلب فيه أن يكون جميع الناس في مكة في نوم عميق؛ لأنه قد يتأخر نوم بعضهم إلى الثلث الأول من الليل قبل الفجر، أما الثلث الأوسط فغالب الظن أن أهل مكة والحجيج سيكونون في سبات عميق.


ثالثًا: اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانًا بعيدًا آمنًا، وهو الشعب الأيمن عند العقبة حتى يكون بعيدًا عن عيون المراقبين إن كان هناك مستيقظ.


رابعًا: تكتَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره تمامًا، فلم يخبر بهذا اللقاء إلا ثلاثة: عمه العباس بن عبد المطلب؛ لأنه سيكون مشاركًا في المباحثات كما سيأتي، ورجلين فقط من أهل مكة المؤمنين: أبا بكر الصديق رضي الله عنه، وابن عمه عليًّا بن أبي طالب رضي الله عنه، وأرادهما معه لتأمين المكان ومراقبة الطرق المؤدية إلى الشعب الذي سيتم فيه اللقاء. ولعله اختارهما بالذات؛ لأنه لو رآهما أحد معه فلا يشك في أمرهم؛ لأنه من الطبيعي جدًّا في مكة أن يشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه صديقه الحميم أبو بكر وابن عمه علي، ولم يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقية المؤمنين من أهل مكة بالميعاد؛ لأنه لا حاجة لهم ليعرفوا الوقت والمكان بل النتيجة فقط، وهذا ليس شكًّا في تكتمهم للأمر، ولكن حفاظًا على الأمن لأكبر درجة، وتحرزًا من أي خطأ أو نسيان أو غيره.


خامسًا: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا الأنصار بتكتم الأمر حين الخروج لملاقاته، وقد فعل الأنصار ذلك بنجاح، يقول كعب بن مالك رضي الله عنه: فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا، حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، نتسلل تسلل القطا مستخفين ( القطا هو طائر صغير يشبه الحمام). وكانوا يخرجون رجلاً رجلاً أو رجلين رجلين، حتى اكتمل من الأنصار ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان في الشعب، وجاء أيضًا رسول الله صلى الله عليه وسلم في موعده ومعه العباس بن عبد المطلب وأبو بكر وعلي، فأرسل أبا بكر إلى فم الشعب من ناحية، وعليًّا إلى فم الشعب من الناحية الأخرى؛ ليعطيا إشارة إلى المسلمين إذا شاهدا حركة مريبة أو مراقبة للمكان.


وتم اللقاء المهيب في هذه البقعة المباركة من أرض مكة، والذي كان من نتائجه أن تغيرت خريطة العالم بعد ذلك وقامت للإسلام دولة، وسقطت عروش عظيمة كعرشي كسرى وهرقل، واستقر دين الإسلام في الأرض.


وسبحان الله! أين كان أعداء الله وقت أن تم هذا الاجتماع المهيب؟


أين كان أبو جهل والوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة وأبيّ بن خلف وبقية قادة قريش من المشركين؟


أين كان عبد الله بن أبي بن سلول زعيم مشركي يثرب، ثم زعيم المنافقين بعد ذلك؟


أين كان حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف وأحبار اليهود؟


أين كان كسرى فارس؟ وأين كان هرقل الروم؟


لقد كانوا جميعًا نائمين، لاهين، غافلين، ولكن الله عز وجل لا تأخذه سنة ولا نوم، لا يسهو ولا يغفل، يدبر في خفاء، وفي حكمة، وفي لطف، [وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا] {فاطر: 44}.


وبدأت مراسم المباحثات المهمة بل شديدة الأهمية.

العباس يفتتح المباحثات


افتتح المباحثات العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحق أن موقف العباس كان محيرًا، فالرجل كان معروفًا بحكمته من ناحية وبشجاعته من ناحية أخرى، ومع ذلك فإنه إلى هذه اللحظة لم يؤمن بعدُ، هو كما قال كعب بن مالك رضي الله عنه: وهو يومئذ على دين قومه. فهو وكأنه يقوم بدور أبي طالب بعد وفاة أبي طالب في حماية رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عدم الإيمان به، ولكن من الواضح أنه مع شجاعته وقوة قبيلته لم يقف الوقفة الواجبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل مكة بعد رحلة الطائف في جوار المطعم بن عدي وليس في جوار العباس، ولعله كان يخشى من أخيه الأكبر أبي لهب، ولكن كان المتوقع منه أن يكون له دور معلن. ثم إنه - سبحان الله - حضر هذه المباحثات وهو ما زال مشركًا، وقال كلامًا يوحي أنه يقف إلى جوار الرسول صلى الله عليه وسلم بقوة، ومن الواضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد جاء به ليؤدي دورًا سياسيًّا مهمًّا، وهو توضيح مكانة بني هاشم في مكة؛ ليعلم الأنصار أنهم إذا أرادوا أن يبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فعليهم أن يكونوا له في المنعة كأهله وعشيرته. وقد اختار الرسول صلى الله عليه وسلم عمه العباس للقيام بهذه المهمة - رغم شركه - ولم يحضر حمزة مثلاً؛ حتى لا يظن الأنصار أن حمزة جاء لأنه مسلم، أما حضور العباس فيدل على أن بني هاشم مسلمهم وكافرهم وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإضافةً إلى ذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يطمئن إلى العباس تمامًا وكان يعامله كعمه أبي طالب، فهو يطلعه على سر من أخطر أسراره صلى الله عليه وسلم على الإطلاق.


وبعد ذلك سوف تمرّ الأيام وسيؤمن العباس بن عبد المطلب، ولكنه لن يعلن إيمانه ولن يهاجر إلا مؤخرًا، وستحدث بدر وسيخرج مع أهل بدر المشركين، وهو مستكره على الخروج، لكنه سيخرج على كل حال وسيؤسر وسيطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه مؤمن.


الواقع هذه علامات استفهام في حياة هذا الصحابي الجليل، لماذا لم يهاجر عندما آمن وأجلَّ ذلك أعوامًا؟ لماذا قَبِل أن يخرج مع الجيش المشرك في بدر؟ لماذا لم يعلن حمايته للرسول صلى الله عليه وسلم في مكة رغم إعلانه أنه مستعد لذلك؟ وذلك كما سنرى في كلامه الآن.


وهذا الذي يحيرني قد حيَّر من قبلي حفيده علي بن عبد الله بن عباس (وهو محدث ثقة)، فقد قال: وبعد بدر عاد العباس، وأقام بمكة ولا أدري لماذا أقام بها؟! وقال بعض العلماء: لعله أقام هناك لينقل الأخبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولكن لم يقم على ذلك دليل، وعلى كل حال فهو قد هاجر قبل فتح مكة، ورغم كل هذه التساؤلات فهو كان جليل القدر جدًّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند المؤمنين، وقال في حقه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بسند حسن: "الْعَبَّاسُ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ". وفي مستدرك الحاكم بسند صحيح عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجلّ العباس إجلال والده، وكان عمر رضي الله عنه يستسقي به إذا أصابهم قحط وذلك بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.


خلاصة القول في هذه القضية أن العباس رضي الله عنه في يوم العقبة الثانية، ومع كونه مشركًا فإنه كان مأمون الجانب تمامًا ويطمئن إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم اطمئنان الولد لأبيه، مع أن العباس ولد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث سنوات فقط.


قام العباس فافتتح المباحثات بهذه الكلمات، قال: يا معشر الخزرج (وكانت العرب تسمي أهل المدينة: أوسها وخزرجها بالخزرج وهي القبيلة الأكبر في يثرب) إن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا لمن هو على مثل رأينا فيه، فهو في عز من قومه، ومنعة في بلده، وإنه أبى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممن خالفوه، فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج إليكم، فمن الآن فدعوه، فإنه في عزة ومنعة من قومه وبلده.


أدب الأنصار مع رسول الله:

انتهت افتتاحية العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، وكان الدور على الأنصار في الرد على كلام العباس، والحق أن الأنصار رضي الله عنهم قد ردوا بأدب رفيع وإيمان عميق على كلام العباس رضي الله عنه، لقد كان من الممكن أن يقولوا للعباس رضي الله عنه كيف تقول: إنه في عز وفي منعة، وهو في جوار المطعم بن عدي من بني نوفل، ولم يقف بجواره أحد من بني هاشم؟!


وكان من الممكن أن يقولوا: إن كنت تقف إلى جواره فلماذا لم تعلن ذلك؟


وكان من الممكن أن يقولوا: إنك تقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبى إلا أن ينحاز إلينا، أفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عرضتم عليه المنعة؟! أم فعله لأنه أوذي وضرب وظلم ورجم بالحجارة وسب وألقي التراب على رأسه وألقيت عليه رحم الشاة ولم تفعلوا له شيئًا؟! أين كنتم وهو - صلى الله عليه وسلم - يدور على القبائل واحدة واحدة وعلى مسمع منكم ومرأى يرفضونه الواحدة تلو الأخرى، وأنتم صامتون؟ بل إن عمه أبا لهب يسير خلفه وينفر الناس منه، يقول: لا تصدقوه، إنه صابئ كذاب!


كان من الممكن للأنصار أن يقولوا كل هذا الكلام وأكثر منه.كان من الممكن للأنصار أن يقولوا كل هذا الكلام، ويدخلوا في حوار جانبي عقيم مع العباس رضي الله عنه، كان من الممكن أن يحدث كل ذلك لو كانت هذه المباحثات مباحثات سياسية بحتة، ولكن الأمر كان مختلفًا تمامًا عند الأنصار، لقد كانت هذه المباحثات عندهم مباحثات إيمانية قبل أن تكون سياسية، لم تكن المفاوضات في ذهن الأنصار عبارة عن عملية سياسية يريدون أن يحققوا فيها أكبر المصالح، وأن يستغلوا الظرف الحرج الواقع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل كانت على العكس تمامًا، لقد جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكونوا أنصاره وليكونوا أتباعه وليكونوا طوع إرادته، جاءوا وهم يعلمون أن المنة والفضل لله ولرسوله، وأن العمل والبذل عليهم وعلى المسلمين جميعًا؛ لذلك أعرض الأنصار كليةً عن طرح العباس بن عبد المطلب وقالوا له في أدب جمٍّ:


قد سمعنا ما قلت، فتكلم يا رسول الله، فخذ لنفسك ولربك ما أحببت.


هنا يتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فماذا قال؟ لقد قال كلامًا عجيبًا لا يفقهه إلا من أدرك طبيعة هذا الدين، وإلا من أدرك طبيعة هذا الرسول صلى الله عليه وسلم، وإلا من أدرك طبيعة الأنصار، الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في هذا الموقف الصعب الحرج، وقد ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وقد تهيأت له الفرصة ليذهب إلى بلد كريم مُضيف يعرض على الأنصار ما أراد منهم بصورة عجيبة، يعرض عليهم أمورًا شاقة عسيرة، لم يعرضها على أحدٍ آمن من قبلُ، ولعله لم يعرضها على أحد آمن بعد ذلك! كان من عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ييسر على الناس تمامًا أمر الإيمان، كان يقبل أن يقوم الرجل بالفرائض فقط ولا يؤدي النوافل، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "أفلح إن صدق"، بل كان يعطي الأموال يتألف قلوب الناس للإيمان، أما الآن - وفي هذا الموقف الحرج - فإنه يشترط شروطًا قاسية، ويفرض أمورًا شديدة، لم يفرضها حتى على الأنصار في بيعة العقبة الأولى، كل ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم الآن لا يبني فردًا، بل يبني أمة.


هذه خطوة إستراتيجية بالغة الخطورة، لا بد أن يتيقن من صحتها قبل الخوض فيها. الرجل إن كان ضعيفًا في إيمانه فذلك قد يعود عليه بالضرر، وهذا قد يقبل؛ لأن كل نفس بما كسبت رهينة، أما إن كان ضعف الإيمان سيعود على الأمة والمجتمع بالضرر، فهذا ما لا يقبل وما لا يقره الإسلام، الآن بناءً على تقييم رسول الله صلى الله عليه وسلم لطبيعة الأنصار سيأخذ قرارًا هو الأخطر على الإطلاق في تاريخ الدعوة حتى الآن، وهو الهجرة إلى هذا البلد ومعاداة العالم أجمع، فإن كانوا أهلاً لهذه المسئولية الضخمة فبها ونعمت، وإن كانوا غير ذلك من الأولى أن يعرف ذلك من الآن؛ لذلك كله فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ في سرد بنود البيعة العظيمة بيعة العقبة الثانية بكل صراحة دون أن يحاول أن يجمّل أو يلطف من أي نقطة.

بنود البيعة


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: "تُبَايِعُونَنِي عَلَى:


1- السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي النَّشَاطِ وَالْكَسَلِ.


والسمع في النشاط مقبول، ولكن السمع في الكسل صعب، وكان من الممكن أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم تبايعونني على السمع والطاعة وليسكت، ولكن الغرض هو توضيح الرؤية تمامًا؛ ليؤخذ قرار حمل الأمانة على بصيرة.


2- وَعَلَى النَّفَقَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ.


3- وَعَلَى الأَمْرِ بِالْمَعْرِوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ.


4- وَعَلَى أَنْ تَقُومُوا فِي اللَّهِ لاَ تَأْخُذُكُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ.


5- وَعَلَى أَنْ تَنْصُرُونِي إِذَا قَدِمْتُ إِلَيْكُمْ، وَتَمْنَعُونْي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَزْوَاجَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ".


وانتهى البيان القوي العجيب، ولنا مع هذا البيان وقفات:


أولاً: البيان في منتهى الوضوح، ليس هناك مجال للتراضي أو للتمييع أو لسوء الفهم أو للغموض، هذه طبيعة الدعوة بكل صراحة وبكل وضوح، من أراد أن يحملها على هذه الصورة فقد فاز ورشد، ومن ظن أنها سهلة هينة فقد خاب ظنه، إنه الاختبار الصعب الشاق الذي وصفه ربنا بقوله:


[أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ] {آل عمران: 142}.


ثانيًا: شتان بين ما طلبه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار في بيعة العقبة الأولى وما طلبه منهم في بيعة العقبة الثانية، في الأولى كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبني فردًا مسلمًا مؤمنًا يتصف بعقيدة سليمة وبأخلاق حميدة وخصال فاضلة، لا يسرق، لا يزني، لا يقتل، وهذا كله حسن وجميل، بل رائع، ولكن أن تبني أمة، فأنت تحتاج لما هو أعلى وأرقى، تحتاج لبذل وعطاء وكفاح وعرق ودماء، تحتاج لمكابدة، لصبر، لقوة تحمل، لتجرد، تحتاج لمن باع نفسه وماله ووقته وجهده وحياته كلها لله عز وجل.


طاعة في النشاط والكسل، نفقة في العسر واليسر، أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، القيام في الله دون أن تأخذك فيه لومة لائم، الدفاع عن دين الله وعن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم كما تدافع عن نفسك وزوجتك وأولادك، هذا هو الذي يحمل فوق أكتافه أمة.


أما أن يكتفي المؤمن بالاعتقاد الصحيح وبالصلاة والصوم واجتناب الكبائر من سرقة وزنا وقتل ويصبح صالحًا في ذاته فقط، وليس له علاقة بإصلاح المجتمع من حوله، فهذا جزء من الإسلام، وجزء محدود؛ لأنه ترك معظم الإسلام، والناس تحتاج لمن يقودها إلى الخير، والإسلام يريد من يدافع عنه، وما أكثر من يعتدي على حرمات المسلمين، فلا بد أن يوجد جيل يدافع عن حرمات المسلمين، وهذا الذي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يريده في بيعة العقبة الثانية، يريد الأمة الصالحة القوية وليس فقط الفرد الصالح القوي، ولهذه الأسباب فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الجهاد هو ذروة سنام الإسلام، هو أعلى ما فيه، ويكفي أن البيعة الأولى والتي اهتمت ببناء الفرد المسلم - ولكن دون جهاد - قد عرفت في التاريخ ببيعة النساء، بينما عرفت بيعة العقبة الثانية بشروطها الصعبة بأنها بيعة الحرب وبيعة الجهاد.


ثالثًا: يتضح أيضًا من بنود هذه البيعة مبدأ التدرج في التربية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنذ عام مضى طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار أمورًا معينة كانت في مقدور الرجل حديث الإسلام، والآن بعد عام من الدعوة والإيمان والقرب من الله يطلب أمورًا أعلى، وستمر الأيام ويأتي وقت يطلب فيه ما هو أعلى وأعلى مثل القتال في بدر، ومثل بيعة الرضوان التي عرفت في التاريخ ببيعة الموت.


رد الأنصار:

ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيانه وكان في انتظار رد الأنصار، والوفد كان برئاسة البراء بن معرور رضي الله عنه، نعم البراء لم يسلم إلا منذ أيام قلائل، لكنه كان سيد القوم بل قيل إنه رئيس الوفد اليثربي بكامله مسلمين ومشركين، وإن كان الأصح أن رئيس الوفد بكامله كان عبد الله بن أبي بن سلول. قام البراء بن معرور رضي الله عنه والذي لم يؤمن إلا منذ أيام قلائل، ولكن سبحان الله لقد تمكّن الإيمان من قلبه تمكنًا عظيمًا، وجدناه يتحدث - وهو يلقي كلمة وفد الأنصار - وكأنه قد قضى في محاضن التربية الإسلامية سنوات وسنوات، ولكنا - سبحانه وتعالى - ما عدنا نستغرب ذلك من الأنصار، هذا الإيمان العميق من طبيعة الأنصار، هذا العطاء بلا حدود من طبيعة الأنصار، رأيناه من قبل في أسعد بن زرارة، ورأيناه في سعد بن معاذ، ورأيناه في أسيد بن حضير، ورأيناه في عبد الله بن حرام، ورأيناه في غيرهم، وسنراه في مواقف أخرى كثيرة، رضي الله عن الأنصار.


قام البراء بن معرور رضي الله عنه يتكلم عن وفد الأنصار، فقال وهو آخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في مسند الإمام أحمد رحمه الله: والذي بعثك بالحق نبيًّا، لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا (أي نساءنا)، فبايعنا يا رسول الله، فنحن والله أبناء الحرب، وأبناء الحلقة، ورثناها كابرًا عن كابر.


نلاحظ اشتياق الأنصار إلى البيعة، فهم لا ينظرون إليها على أنها تكليف خطير، ولكن على أنها تشريف وتمجيد ورفعة.


ولكن سبحان الله - والبراء يتكلم ولم ينتهِ من كلامه بعد - اعترض كلامه رجل عظيم من الأنصار هو أبو الهيثم بن التيهان رضي الله عنه، وهو من الصحابة الأجلاء، اعترض كلامه بخطاب موجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يا رسول الله، إن بيننا وبين الرجال (يعني اليهود في المدينة) حبالاً وإنا قاطعوها، فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟


هذا كلام في منتهى الخطورة، ولنا معه أكثر من تعليق:


أولاً: أن هذه مباحثات وليست أوامر من اتجاه واحد، والجندي قد يعرض رأيه من زاوية ومن زاوية أخرى يناقش ويحاور، ولكن إذا اتخذ قرارًا ما فالكل يعمل على تنفيذه، لكن الآن في هذا الموقف نحن في المرحلة التي تسبق القرار، ولا بد من التثبت من كل نقطة.


ثانيًا: موقف الأنصار خطير فعلاً، فهم على معاهدات مع اليهود، وسيقومون بقطع هذه المعاهدات ووقف العلاقات الدبلوماسية مع اليهود، واليهود يحيطون بالمدينة المنورة إحاطة السوار بالمعصم، وهم من أهل الحروب وصناع السلاح وأصحاب قوة اقتصادية هائلة، ويمتلكون التجارة والصناعة والزراعة بل والماء، والأنصار الآن سيتحدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جبهة واحدة، ولكن ماذا يحدث لو تركهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد انتصاره على مكة في يوم من الأيام؟ ماذا سيفعلون مع اليهود آنذاك؟ سيكون الموقف في غاية التأزم.


وقد يقول قائل: إن هذا الاعتراض فيه تعدٍّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يفترض حدوث أمر هو ليس من الأمور الطيبة، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يأتي منه إلا طيب، ولكن سبحان الله، إن هذا الاعتراض يزيد من قوة الميثاق، ويزيد من قيمة البيعة، وهو بمثابة التوثيق لكل بند من بنودها. وإذا كان أبو الهيثم بن التيهان رضي الله عنه متأكدًا من أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيبقى معهم، فمن أدراه أن هناك رجالاً من الأنصار المشاركين في البيعة في نفوسهم هذا القلق من موقف اليهود ومن مستقبل المدينة، فهو إن أثار هذه النقطة الآن فسيغلق كل أبواب الشيطان على نفوس الأنصار، والرسول صلى الله عليه وسلم بصدره الرحب وفقهه الواسع يقرأ كل هذه الأفكار ويقدر كل هذه المشاعر، فماذا فعل إزاء هذا الاعتراض، أتراه قيَّد هذه الحرية؟ أتراه قال: إن في هذا تطاولاً على القيادة؟ أتراه قال: كيف لا تحسن الظن يا أبا الهيثم في قولي وفعلي وأنا من أنا؟ أبدًا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبسَّم! نعم تبسَّم، ثم قال: "بَلِ الدَّمَ الدَّمَ، وَالْهَدْمَ الْهَدْمَ، أَنَا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مِنِّي، أُحَارِبُ مَنْ حَارَبْتُمْ وَأُسَالِمُ مَنْ سَالَمْتُمْ".


هل نقص من قدر القيادة شيء عندما اعترض أحد الجنود على نقطة ما يريد توضيحها؟ أبدًا، القيادة الواثقة من نفسها لا يجب أن تغضب لهذا، بل تشجعه، حتى يخرج كل الجنود ما في صدورهم، فيقفوا إلى جانب القادة وهم يشعرون بأنهم معها وهي معهم، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَنَا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مِنِّي".


يذكرني هذا الموقف بموقف آخر على النقيض تمامًا منه، مسئول كبير في أحد البلاد العربية وقف يرد على تعليق ذكره أحد المعترضين عليه، يذكر المعترض أن البلد ليست في الرخاء الذي يذكره المسئول الكبير، بل فيها كذا وكذا من المشاكل الاقتصادية، فقال المسئول الكبير بلهجة حادة: الأمر ليس كذلك، يكفي أنك تعترض ثم تعود إلى بيتك آمنًا. وكأن الأصل أن الذي يعترض ويناقش يحبس ويجرم ويعزر، فإذا تُرك يعترض - فقط يعترض - دون أن تقيد حريته فهذا فضل ومنة!


أين هذا من موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وهو أحكم البشر وسيد الخلق وهو النبي المرسل، وهو الرسول الذي يوحى إليه، وهو المعصوم، ومع كل هذه المقومات يقبل الاعتراض ويبتسم وينفي عن نفسه الاتهام بالتخلي عن الأنصار عند النصر والتمكين، هكذا في بساطة.


وتفكر معي، كيف كان أبو الهيثم بن التيهان قبل اعتراضه في نفسية حائرة، وأفكار مضطربة، ثم كيف أصبح بعد كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في وضع مستقر ونفسية هادئة.


والرسول صلى الله عليه وسلم يقرر في كلامه هذا قاعدتين أصيلتين في بناء الأمم:


القاعدة الأولى: هي أن كل إنسان - أي إنسان - قابل للمناقشة وللحساب وللاستجواب ولعرض الرأي وللمعارضة؛ لأنه في النهاية بشر، والبشر قد يخطئون، بل لا بد أن يخطئوا، إلا الذين عصمهم الله عز وجل وهم الأنبياء.


القاعدة الثانية: هي أنه إذا شعر الجندي أن القائد معه في الخندق، يعاني مما يعاني منه ويشكو مما يشكو منه ويتألم منه، فإن الجندي يبذل أقصى وسعه لخدمة القضية التي من أجلها جلس هو والقائد في خندق واحد، أما إذا شعر الجندي باستعلاء القائد وتكبره، وسعادته وقت حزن الجنود، وترفه وقت بؤس الجنود، وأمنه وقت خوف الجنود، وشبعه وقت جوع الجنود، وراحته وقت تعب الجنود، إذا شعر الجندي بكل هذا فإنه يفقد كل حماسة لخدمة القضية التي من أجلها وقف وحيدًا في خندقه، يصبح جسدًا بلا روح، لو واتته الفرصة لينكص على عقبيه لفعل، بل قد يغدق الأموال ويدفع الرشاوي حتى يهرب من الجندية لماذا؟ لأنه فقد مصداقية القائد، وفقد قدوة القائد.


لا، لا، رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس كذلك، رسول الله صلى الله عليه وسلم القائد العطوف الحنون الرءوف الرحيم: "بَلِ الدَّمَ الدَّمَ وَالْهَدْمَ الْهَدْمَ، أَنَا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مِنِّي، أُحَارِبُ مَنْ حَارَبْتُمْ وَأُسَالِمُ مَنْ سَالَمْتُمْ".


وعندما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الكلمات نزلت بردًا وسلامًا على الأنصار، فقاموا يبايعون وهم مطمئنون، ولكن حدث أمر عجيب، لقد قام العباس بن عبادة بن نضلة الخزرجي - وهو من رجال بيعة العقبة الأولى ومن السابقين - قام ليخاطب قومه، وكأنه يريد أن ينبه الناس لخطورة ما هم يقدمون عليه، قال العباس بن عبادة رضي الله عنه:


هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟


قالو: نعم.


فقال العباس بن عبادة موضحًا لهم:


إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس (أي كل الناس)، فإن كنتم ترون أنكم إذا نُهِكَت أموالكم مصيبةً، وأشرافُكم قتلاً أسلمتموه، فمن الآن، فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة، وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نَهْكَة الأموال وقتل الأشراف فخذوه، فهو والله خير الدنيا والآخرة.


يريد العباس بن عبادة رضي الله عنه أن يوضح الرؤية للأنصار، يشرح لهم بالتفصيل طبيعة المعركة، وطبيعة المرحلة، النصر ليس أمرًا سهلاً قريبًا، طريق النصر مليء بالأشواك والجراح والآلام، طبيعة المعركة بين الحق والباطل أن يفقد أهل الحق أموالهم، وأن يفقد أهل الحق أشرافهم، وأن يفقد أهل الحق كل شيء، كل شيء.


ولا بد أن يصبروا، فإذا بلغ الألم إلى أقصاه وثبت المؤمنون وصبر الصابرون جاء النصر لا محالة [أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ] {البقرة: 214}.


سمع الأنصار هذه الكلمات من العباس بن عبادة رضي الله عنه فزادتهم قوة إلى قوتهم، وإيمانًا إلى إيمانهم، وقالوا في إصرار: فإنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف.


الأنصار يرضون بالثمن:

ثم نظر الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن الثمن، الثمن لمصيبة الأموال، وقتل الأشراف، الثمن للطاعة المطلقة لله ولرسوله في النشاط والكسل، الثمن للنفقة في العسر واليسر، الثمن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الثمن للقيام لله دون أن تأخذهم فيه لومة لائم، الثمن لنصرته وحمايته مما يحمون منه أنفسهم ونساءهم وأبناءهم، الثمن لحرب الأحمر والأسود من الناس، الثمن لكل هذه التضحيات.


قالوا: فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفّينا بذلك؟


قال: الجنة.


يا الله! الجنة، الجنة وفقط، الثمن لكل هذه التضحيات الجنة، لم يعد صلى الله عليه وسلم بأي شيء آخر، لم يعد بدولة، ولا بتمكين، ولا بنصر، مع أن هذا كله سيحدث لا محالة، ولكن قد لا تراه، لكن قد تموت شهيدًا قبل التمكين بسنوات، قد تموت طريدًا شريدًا معذبًا، ولكن في النهاية، أنت إلى الجنة ذاهب [إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ] {التوبة: 111}.


سمع الأنصار الثمن، فازدادوا حماسة، واشتاقت قلوبهم للجنة، فقالوا في صوت واحد: ابسط يدك يا رسول الله.


فبسط يده صلى الله عليه وسلم، فقاموا يريدون المبايعة، لكن قام الصحابي الجليل السابق المجاهد الواعي أسعد بن زرارة رضي الله عنه، وأمسك يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعدها عن أيدي الأنصار، ثم قال:


رويدًا يا أهل يثرب، إنا لم نضرب إليه أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله.


قال أسعد يوضح:


وإن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة، وقتل خياركم، وأن تَعَضَّكم السيوف، فإما أنتم تصبرون على ذلك فخذوه وأجركم على الله، وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه، فهو أعذر لكم عند الله.


الصحابي الجليل أسعد بن زرارة يؤكد على نفس المعنى من جديد، الأمر ليس نزهة، من أراد أن يحيا حياة آمنة يعبد الله في بيته ومسجده، لا يسرق ولا يزني ولا يقتل ولكن ليس له علاقة بتمكين دين الله في الأرض ولا بالجهاد في سبيل الله ولا بالدعوة إلى الله ولا بالعمل الدءوب لله، ولا بالتضحية من أجله، فعليه أن يبايع بيعة النساء، هذه تكفيه، أما من أراد أن يبايع بيعة الرجال، وبيعة الحرب، فعليه أن يفقه هذه البيعة فقهًا جيدًا.


يحذرهم أسعد بن زرارة رضي الله عنه أن يتسرعوا، احسبوا خطواتكم، فالفرار من الزحف أمر خطير، والتخلي عن نصرة الدين أمر شنيع، يقول لهم هذا الكلام وهو أصغرهم سنًّا رضي الله عنه، فما أعظم شباب الأنصار!


لكن الأنصار كانوا قد سمعوا الوعد: الجنة فما عادوا يطيقون صبرًا، ما بينهم وبين الجنة إلا أن يبايعوا، قام الأنصار يتسارعون وقالوا: يا أسعد، أمط عنا يدك (أبعد عنا يدك)، فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها.


يقول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: فقمنا إليه رجلاً رجلاً، فأخذ علينا البيعة يعطينا بذلك الجنة.


حتى النساء - المرأتان اللتان شاركتا في هذه المباحثات - بايعتا بيعة الحرب، السيدة نسيبة بنت كعب أم عمارة، والسيدة أسماء بنت عمرو رضي الله عنهن، ولكن البيعة لهما كانت مشافهة بالكلام، فما صافح رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة أجنبية قط.


وهكذا تمت البيعة الخالدة، البيعة التي غيرت من وجه الأرض، ومن يومها والأنصار يعرفون بالأنصار، أصبح اسمًا ملاصقًا لهم، جاء الأنصار، ذهب الأنصار، قام الأنصار، قعد الأنصار، هكذا أصبحوا أنصار الله، وأنصار رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنصار هذا الدين، والثمن الجنة.

حرية الانتخاب من قواعد الإسلام


إذن تمت البيعة وسيعود الأنصار إلى بلادهم لكي يمهدوها لاستقبال خير البشر ومن معه من المهاجرين، ولتكون العاصمة الأولى لدولة الإسلام، لكن كيف سيتابع رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الأنصار بعد ذلك، هل يرسل معهم رجلاً كما أرسل مصعب بن عمير من قبل؟ كلا، لقد نضج الأنصار نضجًا كافيًا يجعلهم أهلاً لإدارة أمورهم بأنفسهم، فهل يختار رسول الله صلى الله عليه وسلم زعيمًا عليهم؟ لا، لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حكيمًا إلى أبعد درجة في تعامله مع هذا الأمر، لقد أقر قاعدة عظيمة من قواعد الحكم في الإسلام وهي قاعدة الانتخاب، على الشعب أن ينتخب ممثليه انتخابًا حقيقيًّا ليس فيه تدخل من القائد الأعلى، ولا من أتباع القائد الأعلى، لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار:


"أَخْرِجُوا إِلَيَّ مِنْكُمْ اثَنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا؛ لِيَكُونُوا عَلَى قَوْمِكُمِ بِمَا فِيهِمْ".


لم يتدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتدخل المؤمنون السابقون، ولكن الحرية كاملة للأنصار في اختيار ممثليهم، وجلس الأنصار معًا يجرون عملية الانتخاب، وقد جلس الأوس والخزرج لأول مرة في تاريخهم، يختارون حكومة ائتلافية، كانوا من قبل يتصارعون ويتقاتلون ويذبح بعضهم بعضًا، ثم آمنوا، فانظر إلى حالهم، وقد وضعوا أيديهم على أكتاف بعضهم البعض، يختارون حكومة شرعية للمدينة المنورة، قائد الحكومة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودستور الحكومة هو الكتاب والسنة، وجند الحكومة هم الأنصار والمهاجرون، عما قليل سيصبح للإسلام دولة.


إن الذي جمع الأوس والخزرج هو توحيد الغاية والهدف، عندما كان الكرسي هدفًا والقيادة مطلبًا كان الخلاف والنزاع الذي لا نهاية له، وعندما أصبحت الجنة هي الهدف وهي الغاية وهي الثمن، علم الجميع أن جنة الأوس هي جنة الخزرج هي جنة المهاجرين هي جنة كل المسلمين، وانقلب التنافس على الكرسيّ إلى التنافس على الجنة [وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ] {المطففين: 26}.


وقد علم الجميع أن الوحدة والألفة طريق للجنة، وأن الفرقة والتشرذم طريق للنار، فجلس الجميع معًا منذ علموا هذه الحقيقة [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ] {آل عمران: 103}.


وفي دقائق معدودة انتخب الأنصار نوابهم، وتم الانتخاب بنسبة التمثيل في البيعة، فكان الخزرج يمثلون خمسة وسبعين في المائة من المبايعين، وكذلك كان نوابهم يمثلون خمسة وسبعين بالمائة من النواب.


وهؤلاء النواب أو النقباء كانوا كالآتي:


نقباء الخزرج:

1- أسعد بن زرارة رضي الله عنه، وهو من أوائل المسلمين من الأنصار، وهو الذي جعله الله عز وجل سببًا في إسلام معظم الأنصار.


2- البراء بن معرور رضي الله عنه.


3- عبد الله بن عمرو بن حرام رضي الله عنه، وهو من شهداء أحد.


ولنا وقفة مهمة مع هذين الاسمين، فهما وإن كانا حديثي الإسلام، إلا أنهما من سادة الخزرج سابقًا، والإسلام يحفظ للناس مكانتهم ووضعهم، ولم يقل لهما أحد إنكما لا تعرفان ما نعرف، بل وجد الأنصار في البراء بن معرور وعبد الله بن حرام - إلى جانب مهارتهما القيادية - فِقْهَ الأنصار السابقين إلى جانب الوضع الاجتماعي والمكانة المرموقة لقواد يثرب القدماء. وهكذا لا ينتقص الإسلام من قدر أحد بل يحافظ عليه ويستفيد منه.


4- سعد بن عبادة رضي الله عنه وهو أيضًا من سادات الخزرج المشهورين.


5- عبادة بن الصامت رضي الله عنه الصحابي الجليل المشهور.


6- سعد بن الربيع رضي الله عنه من أكابر الصحابة وأفضلهم، وهو من شهداء أحد.


7- عبد الله بن رواحة رضي الله عنه الصحابي المشهور الشاعر الشهيد، وهو من شهداء مؤتة.


8- رافع بن مالك رضي الله عنه، وهو الذي كان يقول: ما أحب أني شهدت بدرًا ولم أشهد العقبة. وحجته في ذلك أنه لولا العقبة ما كانت بدر ولا غيرها.


9- المنذر بن عمرو رضي الله عنه، وهو من شهداء يوم بئر معونة.


هؤلاء هم نقباء الخزرج.


أما نقباء الأوس فهم:

1- أسيد بن حضير رضي الله عنه، الصحابي الجليل ومن أوائل الذين أسلموا من الأوس.


2- سعد بن خيثمة رضي الله عنه، وقد استشهد رضي الله عنه في بدر.


3- أبو الهيثم بن التيهان رضي الله عنه، وقيل بدلاً منه: رفاعة بن عبد المنذر.


ويختفي من هذه الأسماء البطل الإسلامي العظيم سعد بن معاذ، الذي لم يستطع أن يحضر هذه المباحثات وهذه البيعة في مكة.


وبعد هذا الانتخاب الحر عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتماعًا مهمًّا على مستوى القمة مع هؤلاء النواب وقال لهم في هذا الاجتماع: "أَنْتُمْ عَلَى قَوْمِكُمْ بِمَا فِيهِمْ كُفَلاءُ كَكَفَالَةِ الْحَوَارِيِّينَ لِعِيسَى بِنْ مَرْيَمَ، وَأَنَا كَفِيلٌ عَلَى قَوْمِي". يعني المسلمين من أهل مكة.


فقالوا: نعم.


وبهذا يستطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدير الأمور بكفاءة، ولم يكتف بذلك بل طلب من نقباء المدينة أن يختاروا واحدًا منهم يكون بمثابة نقيب النقباء، فاختاروا أصغرهم، وهو أسعد بن زرارة رضي الله عنه. وواضح أنه شاب موهوب صاحب ملكات فذة أهلته لهذا المنصب الرفيع، كما لم يعفِ رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه من المسئولية، فجعل نفسه كفيلاً على المسلمين من أهل مكة، بمعنى أنه يتحمل أعمال هؤلاء، ويتكفل بأمورهم أمام الأنصار.


وهكذا انتهت مراسم البيعة الفريدة المباركة بنجاح، بل نجحت نجاحًا ما كان أحد يتخيله. كل هذا النجاح يتم في عقر دار المشركين، ووسط الأعداد الهائلة من أعداء الله عز وجل، وصدق الله عز وجل إذ يقول:


[إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ] {الحج: 38}.


اختيار موفَّق:

ونظرة سريعة على سيرة هؤلاء الأنصار بعد ذلك تجد أمورًا عظيمة ذات مغزى:


- قُرابة السبعين من هؤلاء - أي تقريبًا معظمهم - اشترك في غزوة بدر الكبرى.


- حوالي نصف العدد قد اشترك مع الرسول صلى الله عليه وسلم في كل المشاهد والغزوات.


- حوالي الثلث مات شهيدًا في سبيل الله.


أربعون بالمائة من النقباء ماتوا شهداء في سبيل الله (خمسة من اثني عشر)، مما يدل على أنهم كانوا ينظرون إلى القيادة على أنها مسئولية، لا مجرد تشريف أو منصب.


- لم يُؤْثَر عن أي واحد من هؤلاء الفرار لا في (أُحُد) ولا في (حُنَين ) ولا في غيرهما.


- لم يؤثر عن أي واحد من هؤلاء طلب للدنيا ولا للإمارة ولا للمال، وعندما وزع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأموال الكثيرة على المسلمين في حنين وخاصة المؤلفة قلوبهم، ولم يأخذ الأنصار شيئًا قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَلاَ تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَنْ يَذَهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ، وَتَرْجِعُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِسْمًا وَحَظًّا؟".


خلاصة القول أن الصدق الكامل في قلب الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي قلوب الأنصار المبايعين في هذه البيعة هو الذي كفل النجاح لهذه البيعة الفريدة، ولولا ذلك ما تمت وما اكتملت، [لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ] {الأحزاب: 24}. إنهم صدقوا الله فصدقهم الله عز وجل.

الشيطان يكتشف البيعة


لكن هل يأتي زمان لا تكون فيه حرب بين الحق والباطل؟ كلا، لا يمكن، هي سنة ماضية من سنن الله عز وجل، ولذلك لم يمرَّ الأمر دون تنغيص ودون خطورة، لقد اكتشف المعاهدة شيطان، سبحان الله، شيطان حقيقي، وكان الشيطان بالطبع أتعس مخلوق عرف بهذه البيعة.


روى ذلك الإمام أحمد عن كعب بن مالك - رضي الله عنه - وهو ممن شهد العقبة، قال:


لَمَّا بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَرَخَ الشَّيْطَانُ مِنْ رَأْسِ الْعَقَبَةِ بِأَبْعَدِ صَوْتٍ سَمِعْتُهُ قَطُّ: يَا أَهْلَ الْجَبَاجِبِ (أي المنازل)، هَلْ لَكُمْ فِي مُذَمَّمٍ (يقصد محمدًا صلى الله عليه وسلم، وكان الكفار لعنهم الله يطلقون على محمد صلى الله عليه وسلم اسم مذمم استهزاء به) وَالصُّبَاةُ مَعَهُ، قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى حَرْبِكُمْ؟


لقد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين كل حذر ممكن لتأمين مكان المباحثات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قصة الاسلام الجزء10
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» قصة الاسلام الجزء2
» قصة الاسلام الجزء3
» قصة الاسلام الجزء11
» عالمية الاسلام
» قصة الاسلام الجزء ا

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات حجازة التعليمية :: الركن الدينى :: الحديث الشريف والسيره النبويه-
انتقل الى: