اعلم أن الإفتاء عظيم الخطر كبير الموقع كثير الفضل لأن المفتي وارث الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وقائم بفرض الكفاية لكنه معرض للخطأ.
ولهذا قالوا المفتي موقع عن الله تعالى.
عن ابن المنكدر قال : العالم بين الله تعالى وخلقه فلينظر كيف يدخل بينهم.
وورد عن السلف وفضلاء الخلف من التوقف عن الفتيا أشياء كثيرة معروفة.
وعن عبد الرحمن ابن أبي ليلى قال أدركت عشرين ومئة من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول.
وفي رواية ما منهم من يحدث بحديث إلا ود أن أخاه كفاه إياه ولا يستفتى عن شيء إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا.
وعن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم: من أفتى في كل ما يسأل فهو مجنون.
وعن الشعبي والحسن وأبي حصين قالوا: إن أحدكم ليفتي في المسألة ولو وردت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه لجمع لها أهل بدر.
وعن عطاء بن السائب التابعي: أدركت أقواما يسأل أحدهم عن الشيء فيتكلم وهو يرعد.
وعن ابن عباس ومحمد بن عجلان إذا أغفل العالم لا أدري أصيبت مقاتله.
وعن سفيان بن عيينه وسحنون أجسر الناس على الفتيا أقلهم علما.
وعن الشافعي وقد سئل عن مسألة فلم يجب فقيل له , فقال: حتى أدري أن الفضل في السكوت أو في الجواب.
وعن الأثرم سمعت أحمد بن حنبل يكثر أن يقول لا أدري وذلك فيما عرف الأقاويل فيه.
وعن الهيثم بن جميل شهدت مالكا سئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال في ثنتين وثلاثين منها لا أدري.
وعن مالك أيضا أنه ربما كان يسأل عن خمسين مسألة فلا يجيب في واحدة منها وكان يقول من أجاب في مسألة فينبغي قبل الجواب أن يعرض نفسه على الجنة والنار وكيف خلاصه ثم يجيب.
وسئل عن مسألة فقال لا أدري فقيل هي مسألة خفيفة سهلة فغضب وقال ليس في العلم شيء خفيف.
وقال الشافعي: ما رأيت أحدا جمع الله تعالى فيه من آلة الفتيا ما جمع في ابن عيينة أسكت منه على الفتيا.
وقال أبو حنيفة: لولا الخوف من الله تعالى أن يضيع العلم ما أفتيت يكون لهم المهنأ وعلي الوزر.
وأقوالهم في هذا كثيرة معروفة.
قال الصيمري والخطيب: وقل من حرص على الفتيا وسابق إليها وثابر عليها إلا قل توفيقه واضطرب في أمره..
وإن كان كارها لذلك غير موثر له ما وجد عنه مندوحة وأحال الأمر فيه على غيره كانت المعونة له من الله أكثر والصلاح في جوابه أغلب واستدلا بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة أو كلت إليها وإن أعطتها عن غير مسألة أعنت عليها......
قلت: ومع هذه الآثار عن سلفنا الصالح إلا أنك تتعجب من بعض المتعالمين الصغار، يحفظ الواحد أجزاء من القرآن أو بعض المتون، وإذا به يتصدر في المجالس، ويفتي في المسائل الكبار، ويخطئ العلماء، ويرد عليهم، بل ومنهم من يسب العلماء في المواقع على الانترنت..
فرحماك يارب ..