الاسرة والتنشئة الاجتماعية
المقدمة
إن الأسرة عبارة عن نظام اجتماعية وضرورة حتمية لبقاء الجنس البشري ودوام الوجود الاجتماعي، ولقد أودع الله (عزّ وجل) في الإنسان هذه الضرورة بصفة فطرية، ويتحقق ذلك بفضل اجتماع كائنين لا غنى لأحدهم عن الآخر وهما الرجل والمرأة، قال عز وجل: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها..) "آية21، الروم". ومن ثمرات هذا الإتحاد أو الزواج خروج الأبناء.
كما بين القرآن الكريم نظام الأسرة بالتفصيل إنشاء الزواج، وبين متى يكون الطلاق، والعلاقة بين الزوجين، والعلاقة بين الآباء وبين الأبناء، والأبناء بعضهم مع بعض، وبين العلاقة بين الأقرباء جميعاً، ثم بين نظم الاقتصاد في الأسرة بما لا يدع مجالاً لتفصيل بعده.
وقد أوجب التشريع الإسلامي أن تسود الأسرة التربية الدينية الصحيحة التي تغرس في النفوس العقائد السليمة الراسخة وتربيتها الأبناء في جو من الأيمان الصحيح، وهو الدعوة إلى طاعة الله والامتثال إلى أوامره واجتناب نواهيه والتحلي بمكارم الأخلاق ومراقبة الله وحده وخشيته في السر والعلن.. إلخ.
وتشير الدراسات والكتب التاريخية على أهمية الأسرة في التنشئة الاجتماعية منذ العصور التاريخية القديمة, حتى كانت الأسرة في الماضي هي المؤسسة الرئيسية والأساسية في المجتمع . وتقوم بوظائف ومهام متنوعة ومتعددة كالمهام التربوية والتعليمية والاقتصادية والاجتماعية وكذلك العسكرية , ولكن مع تطور الإنسان والتغير الاجتماعي والحضاري الذي حدث وتراكم المعارف والثقافات حتى أصبحت هناك مؤسسات اجتماعية أخرى في عصرنا الحاضر، ولكن يبغى دور الأسرة في غاية الأهمية, مما لا يدعو للشك في أهمية الأسرة لأنها هي البيئة الأولى للطفل ومن خلال ذلك سوف أبين للقارئ أهمية الأسرة ودورها في التنشئة الاجتماعية وذلك من خلال الإجابة على الأسئلة التالية:
أولا : ما هي الأسرة ؟
ثانيا : ماهي خصائص الأسرة؟
ثالثا : ما مراحل تطور الأسرة ؟
رابعا :ما هي أنماط الأسرة ؟
خامسا : ما هي وظائف الأسرة ؟
سادسا : ما هي أهمية الأسرة في التنشئة الاجتماعية للأطفال ؟
سابعا : ما أهميه دور العلاقات الأسرية في التنشئة الاجتماعية للأطفال؟
ثامنا :ما اثر العامل الثقافي للأسرة ودوره في التنشئة الاجتماعية للأطفال؟
تاسعا: ما اثر الوضع المهني للأب في عملية التنشئة الاجتماعية للأطفال ؟
عاشراً: ما اثر العامل الاقتصادي للأسرة في عملية التنشئة الاجتماعية للأطفال ؟
أولاً: الأسرة:
هي المؤسسة التربوية الأولى التي تتلقى المخلوق البشري منذ أن يفتح عينيه على النور، وهي الوعاء الذي تشكل داخله شخصية الطفل تشكيلاً فردياً واجتماعياً كما أنها المكان الأنسب الذي تطرح فيه أفكار الآباء والكبار ليطبقها الصغار وعلى مر الأيام تنشئتهم في الحياة.
والأسرة أول جماعية يعيش فيها الطفل ويشعر بالانتماء إليها، ويتعلم كيف يتعامل مع الآخرين في سعيه لإشباع حاجاته، كما تعتبر الأسرة الوحدة الاجتماعية البنائية الأساسية في المجتمع، وتنشأ منها مختلف التجمعات الاجتماعية، وتعتبر الأسرة هي الثمرة الطبيعية للزواج.
تعريف: الأسرة:
عرف أوجبرن الأسرة بقوله إنها: "رابطة اجتماعية من وزج وزوجه مع أطفال أو بدون أطفال، أو من زوج بمفرده مع أطفال أو زوجة بمفردها مع أطفال" (إبراهيم ناصر:1996, 62).
ويعرف (بوجاردوس) الأسرة بأنها: "جماعة اجتماعية صغيرة تتكون عادة من الأب والأم وواحد أو أكثر من الأطفال، يتبادلون الحب ويتقاسمون المسؤولية وتقوم بتربية الأطفال، حتى تمكنهم من القيام بتوجيههم وضبطهم، ليصبحوا أشخاصاً يتصرفون بطريقة اجتماعية". ( الكندري :1992, 23).
ثانياً: خصائص الأسرة :
ومن خلال تناولنا للتعريفات السابقة للأسرة يمكننا استنتاج الخصائص الآتية للأسرة.
1. الأسرة جماعة اجتماعية دائمة تتكون من أشخاص لهم رابطة تاريخية وتربطهم ببعضهم صلة الزواج، والدم والتبني، أو الوالدين والأبناء.
2. أفراد الأسرة عادة يقيمون في مسكن واحد يجمعهم.
3. الأسرة هي المؤسسة الأولى التي تقوم بوظيفة التنشئة الاجتماعية للطفل الذي يتعلم من الأسرة كثيراً من العمليات الخاصة بحياته مثل المهارات الخاصة بالأكل واللبس والنوم.
4. للأسرة نظام اقتصادي خاص من حيث الاستهلاك وإنتاج الأفراد، لتأمين وسائل المعيشة للمستقبل القريب لأفراد الأسرة.
5. الأسرة هي المؤسسة والخلية الاجتماعية الأولى في بناء المجتمع وهي الحجر الأساسي من استقرار الحياة الاجتماعية الذي يستند عليه الكيان الاجتماعي.
6. الأسرة وحدة للتفاعل الاجتماعي المتبادل بين أفراد الأسرة الذين يقومون بتأدية الأدوار والواجبات المتبادلة بين عناصر الأسرة، بهدف إشباع الحاجات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية لأفرادها.
7. الأسرة، بوصفها نظاماً للتفاعل الاجتماعي تؤثر وتتأثر بالمعايير والقيم والعادات الاجتماعية والثقافية داخل المجتمع، وبالتالي يشترك أعضاء العائلة في ثقافة واحدة.
ثالثاً: مراحل تطور الأسرة :
مرت الأسرة في تطورات مختلفة منذ أقدم الأزمان حتى يومنا هذا، حيث نجد أن هناك عدة فترات تاريخية هي:
المرحلة الأولى :
أن المجتمعات القديمة البدائية اعتمدت في معيشتها على الحياة البسيطة من الصيد والزراعة والتجارة وهي المرحلة التي تسمى بالمرحلة القديمة أو البدائية. وكان رب الأسرة في هذه المجتمعات هو الذي يحدد نطاقها، حيث لديه السلطة أن يضيف إلى الأسرة من يشاء من الأفراد أو حتى لم يكونوا من أصلاب عائلته، فنطاق الأسرة كان خاضعاً لتصرفات كبير العائلة، ورهن مشيئته.
أما في الجاهلية انتشرت وأد البنات بين قبائل العرب، كما قامت الأسرة في الادعاء حيث لا يلحق الولد بوالده إلا إذا رضي به، حتى لو كان من لحمه ودمه واستمر على ذلك حتى جاء الإسلام وحارب تلك التقاليد التي تحرم حقوق الإنسان وتسلبه من حريته ونسبه وانتمائه حيث قال تعالى: " (ادعوهم لآبائهم هو اقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين وموليكم"
.(سورة الأحزاب، الآية 5).
المرحلة الثانية :
وقد تسمى بالمرحلة الفلسفية ومن أوائل الفلاسفة الذين تعرضوا للأسرة الفيلسوف (كونفوشيوس)، حيث قال إن المجتمع الفاضل يعتمد أساساً على الأسرة، والأسرة يمكن أن تستقر إذا أصلح الفرد نفسه وكذلك (أفلاطون) حيث حاول أن يضع نظام للأسرة من خلال الجمهورية الفاضلة حيث تطرق وشرح النظام الاجتماعي المثالي للأسرة قبل ألفي سنة تقريباً.
وبعد ذلك جاء (أرسطو) تلميذ أفلاطون الذي دعا إلى ضرورة المحافظة على كيان الأسرة فقال أن الأسرة مكونة من الوالدين والأبناء وفئة أخرى عدهم من ضمن الأسرة وهم العبيد المملوكين لتلك الأسرة.
كما تناول فلاسفة المسلمين، حيث نجد الكثير منهم تحدثوا عن الأسرة وعلى سبيل المثال (ابن خلدون) الذي اهتم بدراسة نظام الأسرة والقبيلة، كما أن (الغزالي) أشار إلى المسائل الاقتصادية والجغرافية والاجتماعية المتصلة والمتعلقة بالأسرة وتحدث عن أهمية الأسرة في تربية الطفل ودروها في عملية التنشئة الاجتماعية السليمة للأفراد.
المرحلة الثالثة:
في تلك المرحلة تناول المفكرون في الكثير من كتاباتهم الأمور المتعلقة بسيكولوجية الأسرة، وتناول المشكلات الأسرية مستخدمين أساليب ومناهج البحث العلمي من تحديد مجال هذا العلم، بحيث امتدت هذه المرحلة من نهاية القرن التاسع عشر حتى الآن، حيث ساهم علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا وعلماء النفس في زيادة الفهم للسياق النفسي والاجتماعي داخل الأسرة وكذلك تحدثوا عن الأسرة في القرن التاسع عشر " (سبنس في كتابه "الفلسفة التركيبية" انتقال وظائف الأسرة إلى هيئات اجتماعية مختلفة، وصار لكل فرد في الأسرة وظيفة ومركز اجتماعي، في حين يعد في السابق الأب هو القاضي والحاكم والمدير الاقتصادي للأسرة) ". ( الكندري :1992, 38)
وفي بداية القرن العشرين جاء (جورج هاربرت ميد) "الذي تحدث عن الأسرة في نظريته في التفاعل الرمزي من خلال الدور الذي يلعبه الأب في الأسرة، عن طريق تفاعله مع الآخرين في الأسرة والعلاقات الشخصية بين الزوج والزوجة والأولاد) "( الكندري : 1992, 28).
يرى الباحث :
ان التطور الاقتصادي والاجتماعي لعب دورا كبير في القضاء على التربية الأسرية , حيث أصبحت وسائل الأعلام المتعددة والخدم يلعبان دورا هام في تكوين شخصية الطفل , مما جعل دور الأسرة هامشيا نظرا لغياب الوالدين في العمل والبعد عن الأطفال وكثر الطلاق وسيطرة المرآة على الرجل والعولمة والغزو الفكري الغربي والابتعاد عن الدين, كان له الأثر الكبير في تحديد شخصية الطفل .
رابعاً: أنماط الأسرة:
تختلف أنماط الأسرة باختلاف المجتمعات الإنسانية وسوف نبين أشكال الأسرة التي قسمها العلماء إلى أربعة أشكال وهي:
1- الأسرة النووية: وهي الأسرة الصغيرة المكونة من الزوج والزوجة والأبناء غير المتزوجين، والذين يقيمون تحت سقف واحد.
2- الأسرة المتعددة الأزواج: وهي الأسرة التي تكون فيها الزوجة متزوجة من عدة أزواج، علماً بأن هذا النوع قليل إلا انه موجود في بعض المجتمعات البدائية.
3- الأسرة الممتدة: وتضم الزوج والزوجة والأبناء وأبناءهم المتزوجين وغير المتزوجين، كما تضم الأعمام والأخوال، والعمات والخالات والجد والجدة، ويعيش كل أفرادها تحت سقف واحد ومثل هذه الأسر موجود في المجتمعات العربية.
4- الأسرة المتعددة الزوجات: وهي الأسرة التي يكون فيها الزوج متزوجاً من عدة زوجات، وهي في المجتمع الإسلامي أربع زوجات في حدها الأعلى، ولكن هناك مجتمعات أخرى لديها أكثر من أربع زوجات ولكن قليلة أيضاً.
خامساً: وظائف الأسرة:
تخضع وظائف الأسرة، كما تخضع أشكالها، إلى تأثير التطورات الاجتماعية والثقافية الجارية، وتتباين وظائفها بتباين المراحل التاريخية، وتبادل درجة تطور المجتمعات الإنسانية، حيث واكبت الأسرة تلك التطورات، حتى تم تقلص وظائفها لصالح المؤسسات الاجتماعية الأخرى، ولكن يمكن القول أن الأسرة في المجتمعات البدائية والمجتمعات القديمة كانت تؤدي إلى حد ما أغلب تلك الوظائف التي تؤديها المؤسسات الاجتماعية اليوم.
وسوف نبين للقارئ أهم الوظائف الواجب على الأسرة القيام بها وهي كالتالي: