منتديات حجازة التعليمية
ضيفنا الكريم
حللت أهلاً .. ووطئت سهلاً ..
أهلاً بك بين اخوانك واخواتك
آملين أن تلقى المتعة والفائدة معنا
حيـاك الله
نتمنى أن نراك بيننا للتسجيل
مع خالص التحية بدوام الصحه والسعاده
ادارة منتديات مدرسة حجازةالثانوية المشتركة
منتديات حجازة التعليمية
ضيفنا الكريم
حللت أهلاً .. ووطئت سهلاً ..
أهلاً بك بين اخوانك واخواتك
آملين أن تلقى المتعة والفائدة معنا
حيـاك الله
نتمنى أن نراك بيننا للتسجيل
مع خالص التحية بدوام الصحه والسعاده
ادارة منتديات مدرسة حجازةالثانوية المشتركة
منتديات حجازة التعليمية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
البوابةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 ال البيت رضوان ااه عليهم 4

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
اسامه جاد
مشرف سوبر
مشرف سوبر
اسامه جاد


ذكر عدد الرسائل : 3356
العمر : 53
العمل/الترفيه : معلم اول احياء وعلوم بيئه وجيولوجيا
نقاط : 13745
تاريخ التسجيل : 14/02/2009

ال البيت رضوان ااه عليهم 4 Empty
مُساهمةموضوع: ال البيت رضوان ااه عليهم 4   ال البيت رضوان ااه عليهم 4 I_icon_minitimeالخميس ديسمبر 17, 2009 9:02 am

الحسين بن عليّ


قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة".

وقال أيضاً : "من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني" ويعني الحسن والحسين.

وقال الشاعر الفرزدق في الحسين:

هذا الذي تعرف البطحاء وطأتـه

والبيت يعرفـه والحلّ والحرمُ

هذا ابن خير عبـاد الله كلِّهِـمُ

هذا النقيّ التقيّ الطاهرُ العلَـمُ

مشتقّـة من رسول الله نسبتـه

طابت عناصره والخيم والشَّبِمُ

من يعرف الله يعرف أوَّليـهِ إذا

فالدين من بيت هذا ناله أمـم


هو الابن الثاني لعلي بن أبي طالب من فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم.

ولد الحسين بن علي رضي الله عنه لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة وقتل يوم الجمعة، يوم عاشوراء، في المحرّم سنة إحدى وستين للهجرة.

رأى الحسين أن الخلافة حق لبيت علي، وانه أحقّ من يزيد بها، فلبّى نداء أهل الكوفة الذين طالبوه بانتزاع الخلافة من الأمويين واعدين إيّاه بنصرته.

وقد حذّره العارفون ببواطن الأمور في العراق ألاّ يثق بالعراقيين، وان للأمويين أنصار هناك، وان أهل العراق قد خذلوا أباه علياً بن أبي طالب وأخاه الحسن قبل ذلك.. ويقال انه صادق الشاعر الفرزدق وسأله عنهم فقال له: "قلوبهم معك وسيوفهم مع بني أمية".

نزل الحسين ومن معه من أصحابه وأهل بيته في كربلاء، فلما أحيط بجيوش الأمويين قال: ما اسم هذا الموضع؟ قالوا كربلاء. قال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلّم هي كربٌ وبلاء.

أرسل إليه عبيد الله بن زياد بن أبيه وكان عامل يزيد على العراق ومن أشدّ الناس عداوة لأهل البيت، رسالة جاء فيها: "أما بعد يا حسين، فقد بلغني نزولك كربلاء وقد كتب إليّ أمير المؤمنين يزيد أن لا أتوسّد الوثير ولا أشبع من الخمير أو أُلحقك اللطيف الخبير أو تنزل على حكمي وحكم يزيد والسلام".

ولما قرأ الحسين الكتاب رماه من يده وقال: "لا أفلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق". وقال لرسول زياد: "ما له عندي جواب لأنّه حقّت عليه كلمة العذاب".

فغضب ابن زياد، وأمر عمر بن سعد بالخروج إلى كربلاء، على رأس جيش كان معسكراً في (حمام أعين) قوامه أربعة آلاف. ثم خطب ابن زياد في مسجد الكوفة فقال:

"أيها الناس .. إنكم بلوتم آل أبي سفيان فوجدتموهم كما تحبون. هذا أمير المؤمنين يزيد قد عرفتموه حسن السيرة محمود الطريقة محسنا إلى الرعية يعطي العطاء في حقه، وقد أمنت السبل في عهده. وكذلك كان أبوه معاوية في عصره. وهذا ابنه يزيد يكرم العباد ويبقيهم بالأموال. وقد زادكم في أرزاقكم مائة. وأمرني أن أوفرها عليكم وأخرجكم إلى حرب عدوّه الحسين فاسمعوه وأطيعوه".

وفي خطبته اخذ ابن زياد يجمع الناس بالترهيب والترغيب لمقاتلة الحسين، وأخذت الجيوش تتجه نحو كربلاء. وقيل إنها بلغت نحو ثلاثين ألفاً. وانزل ابن سعد الخيل على الفرات فحمى رجاله الماء وحالوا بينه وبين الحسين وأصحابه حتى أضرّ بهم العطش.

قال الحسين: "اللهم إنّا عترة نبيّك محمد قد أخرجنا وطردنا وأزعجنا عن حرم جدنا، وتعدّت بنو أميّة علينا. اللهم فخذ لنا بحقّنا وانصرنا على القوم الظالمين".

وبالرغم من الحصار والجوع والعطش وقلّة الناصر همّ الحسين بمقاتلة العدوّ فأنشد يقول:

فإن نهزِمْ فهزّامـون قدمـا وإنْ نُهْـزَم فغير مهزّمينـا

فقل للشامتين بنا أفيقـوا سيلقى الشامتون كما لقينا

إذا ما الموت رُفِّعَ عن أناسٍ بكلكلـهِ أناخَ بآخرينـا


تقدّم عمر بن سعد نحو عسكر الحسين ورمى بسهم وقال: اشهدوا لي عند الأمير أنّي أوّل من رمى... ثم رمى جنده فلم يبق من أصحاب الحسين أحد إلا أصابه من سهامهم. فقال عليه السلام لأصحابه:"قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لا بدّ منه. هذه السهام رسل القوم إليكم". فحمل أصحابه حملة واحدة واقتتل الفريقان ساعة فما انجلت الغبرة إلا والحسين قد فقد من أصحابه خمسين شهيدا.

فقال الحسين: "اشتدّ غضب الله على اليهود إذ جعلوا له ولدا. واشتدّ غضبه على النصارى إذ جعلوه ثالث ثلاثة واشتدّ غضبه على المجوس إذ عبدوا الشمس والقمر دونه واشتدّ غضبه على القوم الذين اتفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيّهم. أما والله لا أجيبهم إلى شيء مما يريدون حتى ألقى الله وأنا مخضّب بدمي".

ثمّ صاح: "أما من مغيث يغيثنا؟ أما من ذابٍّ يذبّ عن حرم رسول الله"؟! فبكت النساء، وسقط آل أبي طالب واحدا تلو الآخر.

وعندها ودّع الحسين عياله والتحف ببردة رسول الله صلى الله عليه وسلّم وتقلّد بسيفه. وطلب ثوبا لا يرغب فيه أحد يضعه تحت ثيابه لئلا يجرَّد منه، فقد عرف انه مقتول مسلوب. فأتوه بثوب فلم يرغب فيه لأنه من لباس الذلة وأخذ ثوبا خلقا ولبسه تحت ثيابه.

ثم حمل على القوم يقتل منهم وهو يقول:

الموت أولى من ركوب العار والعار أولى من دخول النار


ثم صاح عمر بن سعد بالجمع: "هذا ابن قتال العرب فاحملوا عليه من كل جانب". فأصابوه بالنبال، وسقط على الأرض وهم حوله، وترددت كل قبيلة في قتله. فتقدّم إليه زرعة بن شريك، فضربه على عاتقه، وطعنه سنان بن أنس في ترقوته ثم في بواقي صدره ثم رماه بسهم في نحره، وطعنه صالح بن وهب في جنبه.

ونادت أم كلثوم: "وا محمّداه.. وا أبتاه.. وا عليّاه.. وا جعفراه.. وا حمزتاه.. هذا الحسين بالصحراء صريع بكربلاء". ثم نادت: "ليت السماء أطبقت على الأرض وليت الجبال تدكدكت على السهل". ثم صاحت فيهم: "ويحكم أما معكم مسلم"؟ فلم يجبها أحد.

ونزل إليه أحدهم وضربه بالسيف اثني عشرة ضربة واحتزّ رأسه. وقد قتل من أصحاب الحسين اثنان وسبعون رجلا.

واقبل القوم على سلبه فأخذ اسحق بن حوية قميصه واخذ الأخنس بن مرشد بن علقمة الحضرمي عمامته واخذ الأسود بن خالد نعليه، واخذ سيفه الأسود بن حنظلة، وآخر رأى الخاتم في إصبعه والدماء عليه فقطع إصبعه واخذ الخاتم.

قيل لما قتل الحسين بن عليّ رضي الله عنهما اخذوا رأسه، وقعدوا في أول مرحلة يشربون النبيذ ويلعبون بالرأس. فخرج عليهم قلم من حديد من حائط فكتب بسطر دم:

أترجو أمّة قتلت حسيناً شفاعة جدِّه يوم الحساب


فهربوا وتركوا الرأس ثم رجعوا.

ولزينب بنت عقيل بن أبي طالب هذه الأبيات من الشعر حول مقتل الحسين:

ماذا تقولون إن قال الرسول لكـم

ماذا فعلتم وأنتم آخـر الأمـمِ

بأهل بيتـي وأنصـاري وذرّيتـي

منهم أسارى وقتلى مُزِّجـوا بدمِ



فقال أبو الأسود الدؤلي: نقول "ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين" (سورة الأعراف ، الآية 23).

ثم وصل رأس الحسين إلى يزيد بن معاوية فردّه ليدفن مع الجسد في كربلاء.

الحسين بن عليّ فى التاريخ

كانت معركة كربلاء غير متكافئة. فقد كان جيش الأمويين يزيد بـ (30) ألف عن أنصار الحسين بن علي، لذا فهي مذبحة في وضح النهار. وواضح أن الحسين عرف أن قوّته قليلة من حيث الجند، لكن إيمانه كان كبيرا بدينه، فهو سيّد الثائرين والشهداء لأنه ثار من أجل إصلاح الوضع والإطاحة بحكم يزيد.

والغريب ما ذهب إليه بعض المؤرخين بأن الحسين أخطأ، وانه خرج ولم يعدّ نفسه لهذه الموقعة، وكأنه خرج يطلب الملك. ولكنّ الحسين خرج ليقول كلمة الحق.

وقد كتب ابن خلدون يقول: "فقد تبيّن لك غلط الحسين إلا انه في أمر دنيوي لا يضره الغلط فيه. وأما الحكم الشرعي فلم يغلط فيه لأنه منوط بظنه. وكان ظنه القدرة على ذلك. ولقد عذله ابن عباس وابن الزبير وابن عمر وابن الحنفية وأخوه وغيره في مسيرة الكوفة وعلموا غلطه في ذلك ولم يرجع عما هو بسبيله لما أراده الله".

ويقول الذهبي: "اغترّ الحسين وسار في أهل بيته فقتل".

والموسويّ يقول: "الإمام الحسين الذي ثار ضدّ الذين نصحوه بالبقاء في مدينة الرسول ومنعوه من السير إلى العراق".

وهنا نرى أن الحسين لم يلقَ العون من شيعته الذين لم يهبّوا لنجدته في ساحة الميدان، حين مزّقت الرماح والسهام والسيوف جسده. وبعد موته مثّل القوم به وسلب ما كان عليه من حليّ وملابس وسلاح. وبعد أن دفن ينهش المؤرخون لحمه ويكتبون انه قاتَلَ لأمر دنيوي، وانه قاتل بغير حق، وانه خرج على الخليفة الشرعي يزيد.. ويتجاهلون انه لم يخرج طلبا للخلافة بل لتطبيق حكم الله وسنة رسوله، وإبعاد الناس عن الفسق والضلال الذي ساد ويسود في كل زمان.

وبموته نستطيع القول إن الإسلام تجزّأ إلى سنة وشيعة، وان خطوة ابن زياد بن أبيه هذه كانت من اكبر الأخطاء التاريخية، لأن هذه المذبحة جرّت وراءها ألف مذبحة ومذبحة، قتل فيها مئات الألوف من المسلمين الذين كان من المفروض أن يقاتلوا أعداء الإسلام، والذين اقتتلوا فيما بينهم حتى سخر منهم الأعداء.

يقول السيوطي في كتابه "تاريخ الخلفاء": "لعن الله قاتله وابن زياد ومعه يزيد". باستشهاد الحسين ينطوي الفصل الثالث من سلسلة الغدر بعد استشهاد الإمام عليّ والإمام الحسن ثم الإمام الحسين. وقد يقول بعضهم إن الحسين شهيد الشيعة، وأقول انه شهيد الإنسانية.

ولا ينكر عاقل ومتابع للأمور إن سبب قتله، وعلى هذه الصورة، هو من اجل إبعاده هو وذريته عن سدّة الحكم ومركز القوة والتأثير في الدولة الإسلامية.

كما أن مقتله يعتبر من الأسباب الهامة التي أدّت إلى القضاء على الدولة الأموية خلال فترة قصيرة من الزمن. فقد قتل الإمام الحسين في 10 / 10 / 680 ميلادية، وسقطت الدولة الأموية بعد ذلك بنحو سبعين عاماً، وذلك في عام 749 م، بعد معركة الزاب الأعلى التي قتل فيها الخليفة الأمويّ الأخير مروان الثاني الملقّب بـ "الحمار" لشدّة صبره.

وقد قتل مروان الثاني بعد أن كان فارّاً ومختبئاً في كنيسة في الفيوم في شمال القاهرة.



--------------------------------------------------------------------------------
حمزة بن عبد المطلب - أسد الله وسيّد الشهداء


كانت مكة تغطّ في نومها، بعد يوم مليء بالسعي، وبالكدّ، وبالعبادة وباللهو..

والقرشيون يتقلبون في مضاجعهم هاجعين.. غير واحد هناك يتجافى عن المضجع جنباه، يأوي الى فراشه مبركا، ويستريح ساعات قليلة، ثم ينهض في شوق عظيم، لأنه مع الله على موعد، فيعمد الى مصلاه في حجرته، ويظل يناجي ربه ويدعوه.. وكلما استيقظت زوجته على أزير صدره الضارع وابتهالاته الحارّو الملحة، وأخذتها الشفقة عليه، ودعته أن يرفق بنفسه ويأخذ حظه من النوم، يجيبها ودموع عينيه تسابق كلماته:

" لقد انقضى عهد النوم يا خديجة"..!!

لم يكن أمره قد أرّق قريش بعد، وان كان قد بدأ يشغلا انتباهها، فلقد كان حديث عهد بدعوته، وكان يقول كلمته سرا وهمسا.

كان الذين آمنوا به يومئذ قليلين جدا..

وكان هناك من غير المؤمنين به من يحمل له كل الحب والاجلال، ويطوي جوانحه على شوق عظيم الى الايمان به والسير في قافلته المباركة، لا يمنعه سوى مواضعات العرف والبيئة، وضغوط التقاليد والوراثة، والتردد بين نداء الغروب، ونداء الشروق.

من هؤلاء كان حمزة بن عبد المطلب.. عم النبي صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة.



**



كان حمزة يعرف عظمة ابن أخيه وكماله.. وكان على بيّنة من حقيقة أمره، وجوهر خصاله..

فهو لا يعرف معرفة العم بابن أخيه فحسب، بل معرفة الأخ بالأخ، والصديق بالصديق.. ذلك أن رسول الله وحمزة من جيل واحد، وسن متقاربة. نشأ معا وتآخيا معا، وسارا معا على الدرب من أوله خطوة خطوة..



ولئن كان شباب كل منهما قد مضى في طريق، فأخذ حمزة يزاحم أنداده في نيل طيبات الحياة، وافساح مكان لنفسه بين زعماء مكة وسادات قريش.. في حين عكف محمد على اضواء روحه التي انطلقت تنير له الطريق الى الله وعلى حديث قلبه الذي نأى به من ضوضاء الحياة الى التأمل العميق، والى التهيؤ لمصافحة الحق وتلقيه..

نقول لئن كان شباب كل منهما قد اتخذ وجهة مغايرة، فان حمزة لم تغب عن وعيه لحظة من نهار فضائل تربه وابن أخيه.. تلك الفضائل والمكارم التي كانت تحلّ لصاحبها مكانا عليّا في أفئدة الناس كافة، وترسم صورة واضحة لمستقبله العظيم.

في صبيحة ذلك اليوم، خرج حمزة كعادته.

وعند الكعبة وجد نفرا من أشراف قريش وساداتها فجلس معهم، يستمع لما يقولون..

وكانوا يتحدثون عن محمد..

ولأول مرّة رآهم حمزة يستحوذ عليهم القلق من دعوة ابن أخيه.. وتظهر في أحاديثهم عنه نبرة الحقد، والغيظ والمرارة.

لقد كانوا من قبل لا يبالون، أو هم يتظاهرون بعدم الاكتراث واللامبالاة.

أما اليوم، فوجوههم تموج موجا بالقلق، والهمّ، والرغبة في الافتراس.

وضحك حمزة من أحاديثهم طويلا.. ورماهم بالمبالغة، وسوء التقدير..



وعقب أبو جهل مؤكدا لجلسائه أن حمزة أكثر الانس علما بخطر ما يدعو اليه محمد ولكنه يريد أم يهوّن الأمر حتى تنام قريش، ثم تصبح يوما وقد ساء صاحبها، وظهر أمر ابن أخيه عليها...

ومضوا في حديثهم يزمجرون، ويتوعدون.. وحمزة يبتسم تارّة، ويمتعض أخرى، وحين انفض الجميع وذهب كل الى سبيله، كان حمزة مثقل الرأس بأفكار جديدة، وخواطر جديدة. راح يستقبل بها أمر ابن أخيه، ويناقشه مع نفسه من جديد...!!!


**



ومضت الأيام، ينادي بعضها بعضا ومع كل يوم تزداد همهمة قريش حول دعوة الرسول..

ثم تتحوّل همهمة قريش الى تحرّش. وحمزة يرقب الموقف من بعيد..

ان ثبات ابن أخيه ليبهره.. وان تفانيه في سبيل ايمانه ودعوته لهو شيء جديد على قريش كلها، برغم ما عرفت من تفان وصمود..!!

ولو استطاع الشك يومئذ أن يخدع أحدا عن نفسه في صدق الرسول وعظمة سجاياه، فما كان هذا الشك بقادر على أن يجد الى وعي حمزة منفا أو سبيلا..

فحمزة خير من عرف محمدا، من طفولته الباكرة، الى شباب الطاهر، الى رجولته الأمينة السامقة..

انه يعرفه تماما كما يعرف نغسه، بل أكثر مما يعرف نفسه، ومنذ جاءا الى الحياة معا، وترعرعا معا، وبلغا أشدّهما معا، وحياة محمد كلها نقية كأشعة الشمس..!! لا يذكر حمزة شبهة واحدة ألمّت بهذه الحياة، لا يذكر أنه رآه يوما غاضبا، أو قانطا، أو طامعا،أو لاهيا، أو مهزوزا...

وحمزة لم يكن يتمتع بقوة الجسم فحسب، بل وبرجاحة العقل، وقوة اارادة أيضا..

ومن ثم لم يكن من الطبيعي أن يتخلف عن متابهة انسان يعرف فيه كل الصدق وكل الأمانة.. وهكذا طوى صدره الى حين على أمر سيتكشّف في يوم قريب..



**



وجاء اليوم الموعود..

وخرج حمزة من داره،متوشحا قوسه، ميمّما وجهه شطر الفلاة ليمارس هوايته المحببة، ورياضته الأثيرة، الصيد.. وكان صاحب مهارة فائقة فيه..

وقضى هناك بعض يومه، ولما عاد من قنصه، ذهب كعادته الى الكعبة ليطوف بها قبل أن يقفل راجعا الى داره.

وقريبا من الكعبة، لقته خادم لعبدالله بن جدعان..

ولم تكد تبصره حتى قالت له:

" يا أبا عمارة.. لو رأيت ما اقي ابن أخيك محمد آنفا، من أبي الحكم بن هشام.. وجده جالسا هناك ، فآذاه وسبّه وبلغ منه ما يكره"..

ومضت تشرح له ما صنع أبو جهل برسول الله..

واستمع حمزة جيدا لقولها، ثم أطرق لحظة، ثم مد يمينه الى قوسه فثبتها فوق كتفه.. ثم انطلق في خطى سريعة حازمة صوب الطعبة راجيا أن يلتقي عندها بأبي جهل.. فان هو لم يجده هناك، فسيتابع البحث عنه في كل مكان حتى يلاقيه..

ولكنه لا يكاد يبلغ الكعبة، حتى يبصر أبا جهل في فنائها يتوسط نفرا من سادة قريش..

وفي هدوء رهيب، تقدّم حمزة من أبي جهل، ثم استلّ قوسه وهوى به على رأس أبي جهل فشجّه وأدماه، وقبل أن يفيق الجالسون من الدهشة، صاح حمزة في أبي جهل:

" أتشتم محمدا، وأنا على دينه أقول ما يقول..؟! الا فردّ ذلك عليّ ان استطعت"..



وفي لحظة نسي الجالسون جميعا الاهانة التي نزلت بزعيمهم أبي جهل والدم لذي ينزف من رأسه، وشغلتهم تلك الكلمة التي حاقت بهم طالصاعقة.. الكلمة التي أعلن بها حمزة أنه على دين محمد يرى ما يراه، ويقول ما يقوله..

أحمزة يسلم..؟

أعزّ فتيان قريش وأقواهم شكيمة..؟؟

انها الطامّة التي لن تملك قريش لها دفعا.. فاسلام حمزة سيغري كثيرين من الصفوة بالاسلام، وسيجد محمد حوله من القوة والبأس ما يعزز دعوته ويشدّ ازره، وتصحو قريش ذات يوم على هدير المعاول تحطم أصنامها وآلهتها..!!

أجل أسلم حمزة، وأعلن على الملأ الأمر الذي كان يطوي عليه صدره، وترك الجمع الذاهل يجترّ خيبة أمله، وأبا جهل يلعق دماءه النازفة من رأسه المشجوج.. ومدّ حمزة يمينه مرّة أخرى الى قوسه فثبتها فوق كتفه، واستقبل الطريق الى داره في خطواته الثابتة، وبأسه الشديد..!



**



كان حمزة يحمل عقلا نافذا، وضميرا مستقيما..

وحين عاد الى بيته ونضا عنه متاعب يومه. جلس يفكر، ويدير خواطره على هذا الذي حدث له من قريب..

كيف أعلن اسلامه ومتى..؟

لقد أعلنه في لحظات الحميّة، والغضب، والانفعال..

لقد ساءه أن يساء الى ابن اخيه، ويظلم دون أن يجد له ناصرا، فيغضب له، وأخذته الحميّة لشرف بني هاشم، فشجّ رأس أبي جهل وصرخ في وجهه باسلامه...

ولكن هل هذا هو الطريق الأمثل لك يغدار الانسان دين آبائه وقومه... دين الدهور والعصور.. ثم يستقبل دينا جديدا لم يختبر بعد تعاليمه، ولا يعرف عن حقيقته الا قليلا..

صحيح أنه لا يشك لحظة في صدق محمد ونزاهة قصده..

ولكن أيمكن أن يستقبل امرؤ دينا جديدا، بكل ما يفرضه من مسؤوليات وتبعات، في لحظة غضب، مثلما صنع حمزة الآن..؟؟؟



وشرع يفكّر.. وقضى أياما، لا يهدأ له خاطر.. وليالي لا يرقأ له فيها جفن..

وحين ننشد الحقيقة بواسطة العقل، يفرض الشك نفسه كوسيلة الى المعرفة.

وهكذا، لم يكد حمزة يستعمل في بحث قضية الاسلام، ويوازن بين الدين القديم، والدين الجديد، حتى ثارت في نفسه شكوك أرجاها الحنين الفطري الموروث الى دين آبائه.. والتهيّب الفطري الموروث من كل جيد..



واستيقظت كل ذكرياته عن الكعبة، وآلهاها وأصنامها... وعن الأمجاد الدينية التى أفاءتها هذه الآلهة المنحوتة على قريش كلها، وعلى مكة بأسرها.

لقد كان يطوي صدره على احترام هذه الدعوة الجديدة التي يحمل ابن أخيه لواءها..

ولكن اذا كان مقدورا له أن يكون أح أتباع هذه الدعوة، المؤمنين بها، والذائدين عنها.. فما الوقت المناسب للدخول في هذا الدين..؟

لحظة غضب وحميّة..؟ أم أوقات تفكير ورويّة..؟

وهكذا فرضت عليه استقامة ضميره، ونزاهة تفكيره أن يخضع المسألأة كلها من جديد لتفكر صارم ودقيق..



وبدأ الانسلاخ من هذا التاريخ م\كله.. وهذا الدين القديم العريق، هوّة تتعاظم مجتازها..

وعجب حمزة كيف يتسنى لانسان أن يغادر دين آبائه بهذه السهولة وهذه السرعة.. وندم على ما فعل.. ولكنه واصل رحلة العقل.. ولما رأى أن العقل وحده لا يكفي لجأ الى الغيب بكل اخلاصه وصدقه..

وعند الكعبة، كان يستقبل السماء ضارعا، مبتهلا، مستنجدا بكل ما في الكون من قدرة ونور، كي يهتدي الى الحق والى الطريق المستقيم..

ولنضع اليه وهو يروي بقية النبأ فيقول:

".. ثم أدركني الندم على فراق دين آبائي وقومي.. وبت من الشك في أمر عظيم، لا أكتحل بنوم..

ثم أتيت الكعبة، وتضرّعت تاة الله أن يشرح صدري للحق، ويذهب عني الريب.. فاستجاب الله لي وملأ قلبي يقينا..

وغدوت الى رسول الله صلى الل عليه وسلم فأخبرته بما كان من أمري، فدع الله أن يثبت قلبي على دينه.."

وهكذا أسلم حمزة اسلام اليقيم..


**



أعز الله الاسلام بحمزة..ز ووقف شامخا قويا يذود عن رسول الله، وعن المستضعفين من أصحابه..

ورآه أبو جهل يقف في صفوف المسلمين، فأدرك أنها الحرب لا محالة، وراح يحرّض قريشا على انزال الأذى بالرسول وصحبه، ومضى يهيء لحرب أهليّة يشفي عن طرقها مغايظة وأحقاده..

ولم يستطع حمزة أن يمنع كل الأذى ولكن اسلامه مع ذلك كان وقاية ودرعا.. كما كان اغراء ناجحا لكثير من القبائل التي قادها اسلام حمزة أولا. ثم اسلام عمر بن الخطاب بعد ذلك الى الاسلام فدخلت فيه أفواجا..!!

ومنذ أسلم حمزة نذر كل عافيته، وبأسه، وحياته، لله ولدينه حتى خلع النبي عليه هذا اللقب العظيم:

"أسد الله، وأسد رسوله"..

وأول سرية خرج فيها المسلمون للقاء عدو، كان أميرها حمزة..

وأول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد من المسلمين كانت لحمزة..

ويوم التقى الجمعان في غزوة بدر، كان أسد الله ورسوله هناك يصنع الأعاجيب..!!



**



وعادت فلول قريش من بدر الى مكة تتعثر في هزيمتها وخيبتها... ورجع أبو سفيان مخلوع القلب، مطأطئ ال{اس. وقد خلّف على أرض المعركة جثث سادة قريش، من أمثال أبي جهل.. وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأميّة بن خلف. وعقبة بن أبي معيط.. والأسود بن عبدالله المخزومي، والوليد بن عتبة.. والنفر بن الحارث.. والعاص بن سعيد.. وطعمة ابن عديّ.. وعشرات مثلهم من رجال قريش وصناديدها.

وما كانت قريش لتتجرّع هذه الهزيمة المنكرة في سلام... فراحت تعدّ عدّتها وتحشد بأسها، لتثأر لنفسها ولشرفها ولقتلاها.. وصمّمت قريش على الحرب..


**



وجاءت غزوة أحد حيث خرجت قريش على بكرة أبيها، ومعها حلفاؤها من قبائل العرب، وبقيادة أبي سفيان مرة أخرى.

وكان زعماء قريش يهدفون بمعركتهم الجديدة هذه الى رجلين اثنين: الرسول صلى اله عليه وسلم، وحمزة رضي الله عنه وأرضاه..

أجل والذي كان يسمع أحاديثهم ومؤامراتهم قبل الخروج للحرب، يرى كيف كان حمزة بعد الرسول بيت القصيد وهدف المعركة..



ولقد اختاروا قبل الخروج، الرجل الذي وكلوا اليه أمر حمزة، وهو عبد حبشي، كان ذا مهارة خارقة في قذف الحربة، جعلوا كل دوره في المعركة أن يتصيّد حمزة ويصوّب اليه ضربة قاتلة من رمحه، وحذروه من أن ينشغل عن هذه الغاية بشيء آخر، مهما يكن مصير المعركة واتجاه القتال.

ووعدوه بثمن غال وعظيم هو حريّته.. فقد كان الرجل واسمه وحشي عبدا لجبير بن مطعم.. وكان عم جبير قد لقي مصرعه يوم بدر فقال له جبير"

" اخرج مع الناس وان أنت قتلت حمزة فأنت عتيق"..!!

ثم أحالوه الى هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان لتزيده تحريضا ودفعا الى الهدف الذي يريدون..

وكانت هند قد فقدت في معركة بدر أباها، وعمها، وأخاها، وابنها.. وقيل لها ان حمزة هو الذي قتل بعض هؤلاء، وأجهز على البعض الآخر..

من أجل هذا كانت أكثر القرشيين والقرشيّات تحريضا على الخروج للحرب، لا لشيء الا لتظفر برأس حمزة مهما يكن الثمن الذي تتطلبه المغامرة..!!

ولقد لبثت أياما قبل الخروج للحرب، ولا عمل لها الا افراغ كل حقدها في صدر وحشي ورسم الدور الذي عليه أن يقوم به..



ولقد وعدته ان هو نجح في قال حمزة بأثمن ما تملك المرأة من متاع وزينة، فلقد أمسكت بأناملها الحاقدة قرطها اللؤلؤي الثمين وقلائدها الذهبية التي تزدحم حول عنقها، ثم قالت وعيناها تحدّقان في وحشي:

" كل هذا لك، ان قتلت حمزة"..!!

وسال لعاب وحشي، وطارت خواطره توّاقة مشتاقة الى المعركة التي سيربح فيها حريّته، فلا يصير بعد عبدا أو رقيقا، والتي سيخرج منها بكل هذا الحلي الذي يزيّن عنق زعيمة نساء قريش، وزوجة زعيمها، وابنة سيّدها..!!

كانت المؤمرة اذن.. وكانت الحرب كلها تريد حمزة رضي الله عنه بشكل واضح وحاسم..


**



وجاءت غزوة أحد...

والتقى الجيشان. وتوسط حمزة أرض الموت والقتال، مرتديا لباس الحرب، وعلى صدره ريشة النعام التي تعوّد أن يزيّن بها صدره في القتال..

وراح يصول ويجول، لا يريد رأسا الا قطعه بسيفه، ومضى يضرب في المشركين، وكأن المنايا طوع أمره، يقف بها من يشاء فتصيبه في صميمه.!!



وصال المسلمون جميعا حتى قاربوا النصر الحاسم.. وحتى أخذت فلول قريش تنسحب مذعورة هاربة.. ولولا أن ترك الرماة مكانهم فوق الجبل، ونزلوا الى أرض المعركة ليجمعوا غنائم العدو المهزوم.. لولا تركهم مكانهم وفتحوا الثغرة الواسعة لفرسان قريش لكانت غزوة أحد مقبرة لقريش كلها، رجالها، ونسائها بل وخيلها وابلها..!!



لقد دهم فرسانها المسلمين من ورائهم على حين غفلة، واعملوا فيهم سيوفهم الظامئة المجنونة.. وراح المسلمون يجمعون أنفسهم من جديدو ويحملون سلاحهم الذي كان بعضهم قد وضعه حين رأى جيش محمد ينسحب ويولي الأدبار.. ولكن المفاجأة كانت قاسية عنيفة.

ورأى حمزة ما حدث فضاعف قوته ونشاطه وبلاءه..

وأخذ يضرب عن يمينه وشماله.. وبين يديه ومن خلفه.. ووحشيّ هناك يراقبه، ويتحيّن الفرصة الغادرة ليوجه نحنوه ضربته..

ولندع وحشا يصف لنا المشهد بكلماته:

[.. وكنت جلا حبشيا، أقذف بالحربة قذف لحبشة، فقلما أخطئ بها شيئا.. فلما التقى الانس خرجت أنظر حمزة وأتبصّره حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق.. يهدّ الناس بسيفه هدّا، ما يقف امامه شيء، فوالله اني لأتهيأ له أريده، وأستتر منه بشجرة لأقتحمه أو ليدنو مني، اذ تقدّمني اليه سباع بن عبد العزى. فلما رآه حمزة صاح به: هلمّ اليّ يا بن مقطّعة البظرو. ثم ضربه ضربة فما أخطأ رأسه..

عندئذ هززت حربتي حتى اذا رضيت منها دفعتها فوقعت في ثنّته حتى خرجت من بين رجليه.. ونهض نحوي فغلب على امره ثم مات..

وأتيته فأخذت حربتي، ثم رجعت الى المعسكر فقعدت فيه، اذ لم يكن لي فيه حاجة، فقد قتلته لأعتق..]



ولا بأس في أن ندع وحشيا يكمل حديثه:

[فلما قدمت مكة أعتقت، ثم أقمت بها حتى دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فهربت الى الطائف..

فلما خرج وفد الطائف الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسلم تعيّت عليّ المذاهب. وقلت : الحق بالشام أو اليمن أو سواها..

فوالله اني لفي ذلك من همي اذ قال لي رجل: ويحك..! ان رسول اله، والله لا يقتل أحد من الناس يدخل دينه..

فخرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فلم يرني الا قائما أمامه أشهد شهادة الحق. فلما رآني قال: أوحشيّ أنت..؟ قلت: نعم يا رسول الله.. قال: فحدّثني كيف قتلت حمزة، فحدّثته.. فلما فرغت من حديثي قال: ويحك.. غيّب عني وجهك.. فكنت أتنكّب طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان، لئلا يراني حتى قبضه الله اليه..

فلما خرج المسلمون الى مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة خرجت معهم، وأخذت حربتي التي قتلت بها حمزة.. فلما التقى الانس رأيت مسيلمة الكذاب قائما، في يده السيف، فتهيأت له، وهززت حربتي، حتى اذا رضيته منها دفعتها عليه فوقعت فيه..

فان كنت قد قتلت بحربتي هذه خير الناس وهو حمزة.. فاني لأرجو أن يغفر الله لي اذ قتلت بها شرّ الناس مسيلمة]..



**



هكذا سقط أسد الله ورسوله، شهيدا مجيدا..!!

وكما كانت حياته مدوّية، كانت موتته مدوّية كذلك..

فلم يكتف أعداؤه بمقتله.. وكيف يكتفون أو يقتنعون، وهم الذين جنّدوا كل أموال قريش وكل رجالها في هذه المعركة التي لم يريدوا بها سوى الرسول وعمّه حمزة..

لقد أمرت هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان.. أمرت وحشيا أن يأتيها بكبد حمزة.. واستجاب الحبشي لهذه الرغبة المسعورة.. وعندما عاد بها الى هند كان يناولها الكبد بيمناه، ويتلقى منها قرطها وقلائدها بيسراه، مكافأة له على انجاز مهمته..





ومضغت هند بنت عتبة الذي صرعه المسلمون ببدر، وزوجة أبي سفيان قائد جيوش الشرك الوثنية،مضغت كبد حمزة، راجية أن تشفي تلك الحماقة حقدها وغلها. ولكن الكبد استعصت على أنيابها، وأعجزتها أن تسيغها، فأخرجتها من فمها، ثم علت صخرة مرتفعة، وراحت تصرخ قائلة:

نحن جزيناكم بيوم بدر

والحرب بعد الحرب ذات سعر

ما كان عن عتبة لي من صبر

ولا أخي وعمّه وبكري

شفيت نفسي وقضيت نذري

أزاح وحشي غليل صدري




وانتهت المعركة، وامتطى المشركون ابلهم، وساقوا خيلهم قافلين الى مكة..

ونزل الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه معه الى أرض المعركة لينظر شهداءها..

وهناك في بطن الوادي. وا هو يتفحص وجوه أصحابه الذين باعوا لله أنفسهم، وقدّموها قرابين مبرورة لربهم الكبير. وقف فجأة.. ونظر. فوجم.. وضغط على أسنانه.. وأسبل جفنيه..



فما كان يتصوّر قط أن يهبط الخلق العربي على هذه الوحشية البشعة فيمثل بجثمان ميت على الصورة التي رأى فيها جثمان عمه الشهيد حمزة بن عبد المطلب أسد الله وسيّد الشهداء..

وفتح الرسول عينيه التي تألق بريقهما كومض القدر وقال وعيناه على جثمان عمّه:

" لن اصاب بمصلك أبدا..

وما وقفت موقفا قط أغيظ اليّ من موقفي هذا..".



ثم التفت الى أصحابه وقال:

" لولا أن تحزن صفيّة _أخت حمزة_ ويكون سنّه من بعدي، لتركته حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير.. ولئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن، لأمثلن بثلاثين رجلا منهم.."

فصاح أصحاب الرسول:

" والله لئن ظفرنا بهم يوما من الدهر، لنمثلن بهم، مثلة لم يمثلها أحد من العرب..!!"



ولكن الله الذي أكرم حمزة بالشهادة، يكرّمه مرة أخرى بأن يجعل من مصرعه فرصة لدرس عظيم يحمي العدالة الى الأبد، ويجعل الرحمة حتى في العقوبة والقصاص واجبا وفرضا..

وهكذا لم يكد الرسول صلى الله عليه وسلم يفرغ من القاء وعيده السالف حتى جاءه الوحي وهو في مكانه لم يبرحه بهذه الآية الكريمة:

(ادع الى ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن، ان ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله ، وهو أعلم بالمهتدين.

وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به، ولئن صبرتم لهو خير للصابرين.

واصبر وما صبرك الا بالله، ولا تحزن عليهم، ولا تك في ضيق مما يمكرون.

ان الله مع الذين اتقوا، والذين هم محسنون..)

وكان نزول هذه الآيات، في هذا الموظن، خير تكريم لحمزة الذي وقع أجره على الله..

**



كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه أعظم الحب، فهو كما ذكرنا من قبل لم يكن عمّه الحبيب فحسب..

بل كان اخاه من الرضاعة..

وتربه في الطفولة..

وصديق العمر كله..

وفي لحظات الوداع هذه، لم يجد الرسول صلى الله عليه وسلم تحية يودّعه بها خيرا من أن يصلي عليه بعدد الشهداء المعركة جميعا..

وهكذا حمل جثمان حمزة الى مكان الصلاة على أرض المعركة التي شهدت بلاءه، واحتضنت دماءه، فصلى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ثم جيء يشهيد آخر، فصلى عليه الرسول.. ثم رفع وترك حمزة مكانه، وجيء بشهيد ثاث فوضع الى جوار حمزة وصلى عليهما الرسول..

وهكذا جيء بالشهداء.. شهيد بعد شهيد.. والرسول عليه الصلاة والسلام يصلي على كل واحد منهم وعلى حمزة معه حتى صلى على عمّه يومئذ سبعين صلاة..



**



وينصرف الرسول من المعركة الي بيته، فيسمع في طريقه نساء بني عبد الأشهل يبكين شهداءهن، فيقول عليه الصلاة والسلام من فرط حنانه وحبه:

" لكنّ حمزة لا بواكي له"..!!



ويسمعها سعد بن معاذ فيظن أن الرسول عليه الصلاة والسلام يطيب نفسا اذا بكت النساء عمه، فيسرع الى نساء بني عبد الأشهل ويأمرهن أن يبكين حمزة فيفعلن… ولا يكاد الرسول يسمع بكاءهن حتى يخرج اليهن، ويقول

" ما الى هذا قصدت، ارجعن يرحمكن الله، فلا بكاء بعد اليوم"

ولقد ذهب أصحاب رسول الله يتبارون في رثاء حمزة وتمجيد مناقبه العظيمة.



فقال حسان بن ثابت:

دع عنك دارا قد عفا رسمها

وابك على حمزة ذي النائل

اللابس الخيل اذا أحجمت

كالليث في غابته الباسل

أبيض في الذروة من بني هاشم

لم يمر دون الحق بالباطل

مال شهيدا بين أسيافكم

شلت يدا وحشي من قاتل




وقال عبد الله بن رواحة:

بكت عيني وحق لها بكاها

وما يغني البكاء ولا العويل

على أسد الاله غداة قالوا:

أحمزة ذاكم الرجل القتيل

أصيب المسلمون به جميعا

هناك وقد أصيب به الرسول

أبا يعلى، لك الأركان هدّت

وأنت الماجد البرّ الوصول




وقالت صفية بنت عبد المطلب عمة الرسول صلى الله عليه وسلم وأخت حمزة:

دعاه اله الحق ذو العرش دعوة

الى جنة يحيا بها وسرور

فذاك ما كنا نرجي ونرتجي

لحمزة يوم الحشر خير مصير

فوالله ما أنساك ما هبّت الصبا

بكاءا وحزنا محضري وميسري

على أسد الله الذي كان مدرها

يذود عن الاسلام كل كفور

أقول وقد أعلى النعي عشيرتي

جزى الله خيرا من أخ ونصير



على أن خير رثاء عطّر ذكراه كانت كلمات رسول الله له حين وقف على جثمانه ساعة رآه بين شهداء المعركة وقال:

" رحمة الله عليك، فانك كنت وصولا للرحم فعولا للخيرات"..



**



لقد كان مصاب النبي صلى الله عليه وسلم في عمه العظيم حمزة فادحا. وكان العزاء فيه مهمة صعبة.. بيد أن الأقدر طكانت تدّخر لرسول الله أجمل عزاء.

ففي طريقه من أحد الى داره مرّ عليه الصلاة والسلام بسيّدة من بني دينار استشهد في المعركة أبوها وزوجها، وأخوها..

وحين أبصرت المسلمين عائدين من الغزو، سارعت نحوهم تسألهم عن أنباء المعركة..

فنعوا اليها الزوج..والأب ..والأخ..

واذا بها تسألهم في لهفة:

" وماذا فعل رسول الله"..؟؟

قالوا:

" خيرا.. هو بحمد الله كما تحبين"..!!

قالت:

" أرونيه، حتىأنظر اليه"..!!

ولبثوا بجوارها حتى اقترب الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما رأته أقبلت نحوه تقول:

" كل مصيبة بعدك، أمرها يهون"..!!



**



أجل..

لقد كان هذا أجمل عزاء وأبقاه..

ولعل الرسول صلى الله عليه وسلم قد ابتسم لهذا المشهد الفذّ الفريد، فليس في دنيا البذل، والولاء، والفداء لهذا نظير..

سيدة ضعيفة، مسكينة، تفقد في ساعة واحدة أباها وزوجها وأخاها.. ثم يكون ردّها على الناعي لحظة سمعها الخبر الذي يهدّ الجبال:

" وماذا فعل رسول الله"..؟؟!!



لقد كان مشهد أجاد القدر رسمه وتوقيته ليجعل منه للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عزاء أي عزاء.. في أسد الله، وسيّد الشهداء..!!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ال البيت رضوان ااه عليهم 4
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ال البيت رضوان ااه عليهم 2
» ال البيت رضوان ااه عليهم 3
» ال البيت رضوان ااه عليهم 5
» ال البيت رضوان ااه عليهم 6
» آل البيت رضوان الله عليهم ،،،،

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات حجازة التعليمية :: الركن الدينى :: المكتبة الاسلامية-
انتقل الى: