اسامه جاد مشرف سوبر
عدد الرسائل : 3356 العمر : 53 العمل/الترفيه : معلم اول احياء وعلوم بيئه وجيولوجيا نقاط : 13745 تاريخ التسجيل : 14/02/2009
| موضوع: أسمى و أطهر و أعظم قصة حب الخميس ديسمبر 17, 2009 6:25 pm | |
| و الله لا أفارق صاحبتي ! هي قصة أرفع و أسمى و أعجب و أكرم من أن يمهد لها . بطلتها زينب الكبرى رضي الله عنها ، كريمة الحبيب المصطفى و السيدة المطهرة خديجة ، سليلة بيت من أعرق البيوت و أطهر الأنساب . و بطلها هو أبو العاص بن الربيع ، ابن أخت السيدة خديجة الطاهرة المطهرة ، فهي خالته ، و حسبه من الشرف أن الحبيب المصطفى قال فيه : " و الله ما ذممناه صهرا " ، " حدثني فصدقني ، ووعدني فأوفى لي " . يبدأ حديثنا من بداية سطوع الشمس المحمدية ، و حمل راية الرسالة ، فآمن بها أول من آمن زوج الحبيب و كريماته . و كانت رقية و أم كلثوم قد زوجتا من عتبة و عتيبة ابني أبي لهب و امرأته حمالة الحطب ، و زينب زوجة أبي العاص بن الربيع . فلما صدع الحبيب بأمر ربه ، ائتمرت به قريش ، و أرسلوا إلى أصهاره أن " قد فرغتموه من همه ، فاشغلوه ببناته " ، يريدون أن تطلق بنات الحبيب المصطفى . و ما كان أبو لهب و لا حمالة الحطب بحاجة إلى من يوعز لهما ، فقد سار لهما أبوهما مسلوب النخوة ليعلن : "رأسي من رأسيكما حرام إن لم تطلقا بنتي محمد " ، ففعلا . أما العاص بن الربيع فقد أبى بحسم ان يطلق زوجه الكريم ، و قال : " لا والله لا أطلقها و لا أفارق صاحبتي ، و ما أحب إن لي بامرأتي امرأة من قريش " . و إنه على شدة حبه لها ، لم يسلم أول الأمر كما أسلمت ، و خلد التاريخ كلمات ذلك الصهر الشريف الذي يعرف الحق لأهله : ( و الله ما أبوك عندي بمتهم ، و ليس أحب إلي من أن أسلك معك يا حبيبة في شعب واحد ، لكني أكره أن يقال : إن زوجك خذل قومه ، و كفر بآبائه إرضاءا لامرأته ، فهلا عذرتني يا زينب ؟ ) ثم يهاجر الحبيب المصطفى ، و تهاجر كريمتاه أم كلثوم و فاطمة ، و قد سبقتهما رقية مع زوجها عثمان بن عفان ، و تظل زينب مع زوجها أبي العاص في مكة ، و قلبها ما بين كسير على فراق الأحبة و آمل في تغير موقف زوجها . و تتطور الأحداث سراعا حتى غزوة بدر الكبرى ، و ترى زينب أبا العاص في مكة يرتدي سلاحه مكرها ، و يخرج من داره متثاقلا ، و تحين منه التفاتة إلى الدار ، فتتلاقى العيون ... إنه خارج لقتال أبيها !!! و هي الحبيبة لو بيده يفديها ! و تطرق الكريمة في ألم ، فإما أن تفقد الزوج أو تفقد الوالد ، و كلاهما مصاب أليم . لك الله أيتها الغالية ، فليرقأ دمعك و ليطمئن بالك فإن الله ناصر أباك و غير خاذلك . و ينقشع غبار المعركة عن نصر مؤزر للمسلمين ، و يساق الأسرى ، و فيهم الزوج الحبيب و الصهر الكريم – أبو العاص – أسره عبد الله بن جبير الأنصاري . و يعلم الحبيب المصطفى و هو الرحمة المهداة أن أولئك الأسارى فيهم أب أو زوج أو ابن لمسلم من المهاجرين ، فيوصي بهم : "استوصوا بالأسارى خيرا " . ثم يرسل في طلب زوج ابنته زينب و يبقيه عنده في بيته صلى الله عليه و سلم . و بعث أهل مكة في فداء أسرى بدر ، و كان فيمن أرسلت ابنة الحبيب الكريمة و الزوجة الوفية ، أرسلت أثمن ما تملك لفداء الزوج الغالي . و ينظر الحبيب فإذا بين يديه قلادة زوجته الطيبة المطهرة السيدة خديجة ، قد أهدتها لابنتها زينب يوم أن زفت إلى أبي العاص ، و ها هي الابنة ترسلها فداءا لزوجها . فتدرك الحبيب الرقة و الرحمة فيبكي تأثرا ، و تتحدر الدرات الجمان واحدة تلو الأخرى فوق القلادة الشريفة في اليد الشريفة ، و يدرك المسلمون التأثر لحبيبهم عليه أكرم الصلاة و السلام ، و يسكن الجميع كأنما على رؤوسهم الطير . ثم يرفع الحبيب رأسه ، و يقول لأصحابه : " إن رأيتم ان تطلقوا لها أسيرها و تردوا لها ما عليها فافعلوا " ، و تسابق الجميع لاسترضاء الحبيب الغالي الذي لو شاء أمر ، و ردوا " نعم و نعمة عين يا رسول الله " . و أطلق الأسير ، و عاد يحمله قلبه على جناحين ، لولا هم يثقله ، لكان طوى الأرض طيا إلى تلك الحبيبة . و عاد فإذا هي على الباب تستشرف وصوله ، و خفق القلبان ، و تلاقت عيناها الوادعتان بعينيه فأشاح ببصره ، و أمسك دموعا كادت تطفر . و أفضى إليها بما عاهد عليه أباها عليه الصلاة و السلام : " لقد طلب أبوك أن أردك إليه ، لأن الإسلام يفرق بيني و بينك فلا تحلين لي ، و قد وعدته أن أدعك تسيرين إليه و ما كنت لأنكث عهدي " . و ربط الله تعالى على قلب المؤمنة الصابرة فثبت للامتحان ، و ركبت مع ولديها علي و أمامة بعيرا جهزه لها زوجها ، و أمر أخاه "كنانة بن الربيع " أن يأخذها إلى حيث ينتظرها زيد بن حارثة و رجل من الأنصار بأمر الحبيب المصطفى ليصحباها إلى المدينة . ووقف هو تلك المرة على باب الدار ، يملأ عينيه قدر ما يستطيع من صاحبته ، رفيقة الدرب ، و أم علي و أمامة . و حانت منها التفاتة أخيرة فألفى دمعا ينساب في استحياء على خديها ، إنها صابرة محتسبة ، و لكنه ألم الفراق . و سار البعير بهودجه ما يدور في خلده أن على ظهره أكرم كريمة و أغلى حبيبة . و كانت زينب آنذاك حاملا ، و قد خرج بها كنانة نهارا ، و قريش لا تزال موتورة من الهزيمة النكراء التي ألحقها بهم المسلمون في غزوة بدر ، فخرج إليها رجال منهم يمنعونها ، و كان أول من لحقها هبار بن الأسود – أخسأه الله – روعها برمحه فوضعت جنينها . فتأهب كنانة للدفاع عنها و نثر سهامه بين يديه و صاح فيهم : و الله إنكم لتعلمون أني أرمي فما أخطئ ، و لا يدنون مني رجل إلا وضعت فيه سهما . فأقبل عليه أبو سفيان و قال : أيها الرجل كف عنا نبلك نكلمك . فكف عنهم ، فتقدم إليه أبو سفيان و قال : إنك لم تصب ، خرجت بالمرأة على رءوس الأشهاد علانية و قد عرفت مصيبتنا و نكبتنا ، فيظن الناس فينا الضعف و الوهن ، و أن ذلك من ذل ما أصابنا . و لعمري ما لنا بحبسها عن أبيها من حاجة ، و لكن ارجع بها حتى إذا هدأت الأصوات و تحدث الناس أن قد رددناها فاخرج بها سرا و ألحقها بأبيها . و لما شفيت رضي الله عنها من آثار السقط ، استأنفت الرحلة إلى أبيها عليه الصلاة و السلام ، و لما علم منها بما كان ، أمر بقتل هبار فقتل بعد ذلك . أما ما كان من أمر الحبيبن ، فقد ظلا على البين مدة ست سنوات كاملة ، احتوى فيها الكريمة بيت النبوة و الأبوة ، و انشغل فيها الكريم بتجارته – أو تشاغل- و ما شارك في معركة ضد المسلمين بعد بدر . حتى إذا كانت السنة السادسة من الهجرة قبيل فتح مكة ، خرج أبو العاص في تجارة لقريش ائتمنوه فيها على مالهم ، لما كان له من باع في حفظ الأمانات . و لما قفل راجعا ، لاقته سرية من سرايا الرسول صلى الله عليه و سلم ، فأصابوا ما معه ، و فر هو بنفسه ، و دخل المدينة ليلا خائفا يترقب . و مضى الصهر الكريم ، يجوب طرقات المدينة في توجس ، و عيناه تجوسان خلال الديار في لهفة ، حتى وقع بصره على غايته ، و أسرع إلى دارها يسبقه قلبه ليطرق على الباب . و تؤمنه الزوجة الوفية الكريمة ، و تجيره . حتى إذا كانت في صلاة الفجر ، و كبر الحبيب و من بعده المسلمون ، صاحت زينب من بين صفوف النساء : " أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع " . فلما سلم الحبيب المصطفى من الصلاة ، قال : " أيها الناس ، هل سمعتم ما سمعت ؟ و الذي نفسي محمد بيده ما علمت بشئ من ذلك حتى سمعت ما سمعتم " . ثم أردف " " إنه يجير على المسلمين أدناهم ، و قد أجرنا من أجرت يا زينب " . ثم ذهب الأب الحنون إلى بيت الكريمة الأصيلة ، و قال لها : " أكرمي مثواه يا بنية ، و لا يخلصن لك ، فإنك لا تحلين له " . ثم قام الأمين عليه أكرم الصلاة و أجل التسليم ، فجمع أفراد السرية ، و قال لهم في رفق القائد الذي ما برح حب أصحابه له يملك عليهم لبهم ، فإنهم ليتنسمون منه إشارة بإصبعه يتبادرونها جميعا أيهم يسبق إلى إرضائه ، قال لهم : " إن هذا الرجل منا حيث علمتم ، و قد أصبتم له مالا ، فإن تحسنوا و تردوا عليه الذي له فإنا نحب ذلك ، و إن أبيتم فهو فيء الله الذي أفاء عليكم فأنتم أحق به " . و إن كانت لتكفي أن يقول الحبيب المصطفى : إنا لنحب ذلك ، حتى يسارع الصحابة رضي الله عنهم أجمعين كلهم يبتدر أخاه : " بل نرده عليه يا رسول الله حبا و كرامة " ، حتى إن الرجل كان ليجيء بالدلو فيرده إليه . و لقي بعض المسلمين أبا العاص يجهز نفسه للرحيل ، فقالوا له : " هل لك في أن تسلم و تأخذ الأموال لك ، فإنها أموال مشركين " ، فرد رد رجل ، جدير بأن يكون صهر الحبيب ، و ابن أخت الطاهرة الطيبة ، و زوج العقيلة الكريمة المحتد ، قال : " بئس ما أبدأ به إسلامي أن أخون أمانتي " و يعود أبو العاص إلى مكة . حتى إذا رد الأمانات إلى أهلها ، نادى فيهم : يا معشر قريش ، هل بقي لأحد منكم عندي شئ ؟ قالوا : لا ، فجزاك الله خيرا ، فقد وجدناك وفيا كريما .فصدح فيهم : " فأنا أشهد ألا إله إلا الله ، و أن محمدا رسول الله ، و الله ما منعني من الإسلام عنده إلا أن تظنوا أني إنما أردت أن آكل أموالكم ، فلما أداها الله إليكم ، و فرغت منها أسلمت " . و مضى ينهب الأرض نهبا ، و يطوي المسافات طيا إلى مليكة قلبه . و أخيرا كان اللقاء المنتظر بعد طول بين ، و ما زاد الفراق شوقيهما إلا حرارة و تأججا ، و ما زاد اللقاء قلبيهما إلا التحاما و تماسكا . فليهنأ هذا البيت المبارك بأكرم عقيلة و أشرف صهر ما وجد إلى الهناءة سبيلا ، و ليتقلب في أعطاف الرحمة النبوية ما استطاع ، و ليتزود الحبيبان من الأنس ما لاح لهما قريبا من متناولهما ، فإن لوعة الفراق الثاني بعد بهجة اللقاء الثاني لقريبة . عام واحد ألقى فيه اللقاء بظلال الأنس و البهجة على ذلك الشمل المبارك ، الذي التحم بعد طول تصدع . ثم عاد الفراق يحن لينسج خيوطه في جنبات الروضة الغناء ، و قد كان له ما أراد . ماتت الحبيبة الكريمة في أول السنة الثامنة للهجرة ، و قد تساقط من أوراق عمرها المجيد المبارك واحد و ثلاثون ورقة . و أكب الزوج الملتاع على رفيقة الدرب تبكيها عيناه دموعا ، و يبكيها قلبه دما ، و راح يناجي الجسد المسجى في حرقة ، حتى أبكى من حوله . و بكى الحبيب المصطفى ابنته ، و أشرف على غسلها ، و صلوا عليها في المسجد النبوي ، و شيعتها قلوب مثقلة بألم الفراق إلى مرقدها الأخير . و عاد أبو العاص يجر رجليه جرا إلى منزل كان منذ سويعات أحب بقاع الأرض إلى نفسه ، فغدا الآن أوحشها . و كيف يأنس بدار أقفرت من حبيبة هي أكرم حبيبة ، و عقيلة هي أوفى عقيلة ، و ابنة هي أبر ابنة ، و كريمة هي أشرف كريمة . و كتب للحبيبين اللقاء الذي لا فراق بعده بعد سنوات أربع ، في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، في السنة الثانية عشرة للهجرة . و تطلع أبو العاص وهو على فراش الموت فرأى وجها كما عهده دوما ، و شعر كما لو أن أناملاها تلامس يده تستعجله المجيء ، فابتسم و لسان حاله يقول : أهلا بالموت .. حبيب جاء بعد غياب . ذلكم الحب الصادق.. ذلكم الوفاء..نعم الوفاء ﴿وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ﴾ أبلغ حبيبا في ثنايا القلب منزله *** أني وإن كنت لا ألقاه ألقاه وإن طرفي لموصول برؤياه *** وإن تباعد عن سكناي سكناه يا ليته يعلم أني لست أذكره *** وكيف أذكره إذ لست أنساه | |
|