-
قال ابن الجوزي في بستان الواعظين ص: 338-339: اعلمواْ عباد الله وأحباب الله رحمكم الله ! أن الله تبارك وتعالى لطف بعباده المؤمنين وأمرهم بالصلاة على سيد المرسلين، ليستنقذهم بها من العذاب الدائم المهين فصلى عليه ربنا ومولانا تشريفا وتكريما، وصلت عليه ملائكته تفضيلا وتعظيما، وأمر عباده أن يصلوا عليه ليبيح لهم الجنة مقاما كريما، فقال من لم يزل سميعا عليما عليا عظيما: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) الأحزاب: 56. فاجتهدوا بنا يا معاشر الإسلام في الصلاة والسلام على محمد خير الأنام فعسى أن يشفعه فينا يوم تشقق السماء بالغمام.
ذكر في بعض الأخبار أن ما من ملك ولا نبي، ولا ولي ولا صفي، ولا صديق ولا شهيد، ولا شقي ولا سعيد إلا وهو يقول يوم القيامة: بحرمة محمد أن تنجيني من عذابك، وما من عبد صلى عليه وسأل الله مولاه حاجة له فيها رضا عنه، إلا قضى الله حاجته، وصرف عنه عند صلاته على محمد صلى الله عليه وسلم سبعين نوعا من البلاء في بدنه وفي دينه وفي ماله وفي أهله. ورفع له سبعين درجة في الجنة، اللهم صل على النبي محمد المختار، وسيد الأنبياء والأبرار، وزين المرسلين الأخيار، وأكرم من أظلم عليه الليل وأشرق النهار، أبي القاسم الأواب المختار.
وقال: وذكر في بعض الأخبار أن ما من بقعة يكثر فيها الصلاة على محمد إلا تصير روضة من رياض الجنة، وحصنا وحجابا بين المصلين وبين حجاب النار. فاجتهدوا في الصلاة على محمد يا معشر المؤمنين والمؤمنات، وتحصنوا بها من العذاب الشديد.
- وقال الفيروز أبادي صاحب كتاب الصلات والبشر: وقال الإقليشي "أي علم أرفع؟ وأي وسيلة أشفع؟ وأي عمل أنفع من الصلاة على من صلى عليه الله وجميع ملائكته وخصه بالقربة العظيمة منه في دنياه وآخرته، فالصلاة عليه أعظم نور، وهي التجارة التي لا تبور، وهي كانت هجيرة الأولياء في الإمساء والبكور".
- وروى النميري وابن بشكوال موقوفا على أبي بكر الصديق رضي الله عنه: "الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمحق للخطايا من الماء للنار، والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم: أفضل من عتق الرقاب، وحب الرسول صلى الله عليه وسلم: أفضل من مهج الأنفس أو من ضرب السيف في سبيل الله".
وذكر الحافظ أبو النعيم في الحلية عن كعب قال: أوحى الله إلى موسى عليه السلام: (لولا من يحمدني ما أنزلت من السماء قطرة ولا أنبت من الأرض حبة، وذكر أشياء كثيرة إلى أن قال: يا موسى أتريد أن أكون أقرب إليك من كلامك إلى لسانك؟ ومن وساوس قلبك إلى قلبك ؟ ومن روحك إلى بدنك ؟ ومن نور بصرك إلى عينك ؟ قال: نعم يا رب، قال: فأكثر الصلاة على (حبيبي) محمد صلى الله عليه وسلم).
ويروى: يا موسى أتحب أن لا ينالك من عطش يوم القيامة ؟ قال: إلهي نعم، قال: فأكثر الصلاة على صفيي- محمد صلى الله عليه وسلم.
وروى التميمي عن زيد العابدين أنه قال: "علامة أهل السنة كثرة الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم".
قال في البستان ص: 364: واعلموا رحمكم الله أن في الصلاة على نبي الهدى محمد صلى الله عليه وسلم إشارات جميلة ونكتا كثيرة، وذلك أن الله تعالى أجرى الصلاة على النبي الرشيد، السيد السديد، مجرى شهادة التوحيد، قال تعالى: "شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة" آل عمران: 18. وهكذا قال رب القريب والبعيد، وفي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الصادق الرشيد: "إن الله وملائكته يصلون على النبي" الأحزاب: 56.
إشارة حسنة ونكتة مليحة. قال الله تعالى: "فاذكروني أذكركم" البقرة: 152. ولم يقل: أذكركم عشر مرات، وقال تعالى وجل وعلا: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" الحشر: 7. وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من صلى علي مرة صلى الله عليه عشرا). فكأن الله سبحانه وتعالى يقول: عبدي إذا أثنيت علي مرة أثنيت عليك مرة، وإذا أثنيت على حبيبي مرة أثنيت عليك عشراً، لأنه أكرم الخلق علي وأجلهم عندي.
- ثانية: قال الله تبارك وتعالى: "إن الله وملائكته يصلون على النبي". وقال في المؤمنين: "هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور" الأحزاب: 43. بصلاتكم على النبي المحبوب.
وأنشدوا:فأكثروا التسليم بعد صـلاتكم *** للسيد المختار ذاك الأمجد
ومن يك ذا بخل شديد بذكره *** فذاك عن الحق المنير مبعد
إشارات وبشارات:
قال ابن الجوزي في البستان ص: 371: إشارة حسنة: وذلك أن الصلاة من الملك الجبار رحمة ونجاة من عذاب النار، لأن الله إذا صلى على المؤمنين فقد رحمهم.
إشارة أخرى: قال الله تعالى: "إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض" يونس: 24. وقوله: "كأن لم تغن بالأمس" يونس: 24. فإذا جاءت الساعة بعذابها وأهوالها ذهب نبات الأرض وتلاشى في جنب العذاب، حتى تبقى الأرض كأن لم يكن فيها نبات قط، وإذا كان هذا فعل العذاب فرحمة الله أولى وأكثر إذا جاءت تلاشت ذنوب المؤمنين في جنبها كأن لم تكن قط، هذا في رحمة الله الكريم مرة واحدة فكيف في عشر مرات ؟ !. فهذه بشارة حسنة للمؤمنين والمؤمنات بكثرة صلاتهم على سيد السادات، وخير البريات. روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: [ ما جلس قوم مجلسا يذكرون الله تعالى ولم يذكرواْ النبي صلى الله عليه وسلم، إلا كان ذلك المجلس عليهم وبالا وحسرة يوم القيامة ]. فتزينواْ يا أمته وزينواْ مجالسكم بالصلاة على نبيكم صلى الله عليه وسلم.