مصطلح الحديث
========
للشيخ محمد الصالح بن العثيمين
1- تعريفه
مصطلح الحديث هو علم يعرف به حال الراوي والمروي من حيث القَبول والرد.
2- وفائدته
معرفة ما يقبل ويرد من الراوي والمروي.
الحديث - الخبر - الأثر - الحديث القدسي:
الحديث: ما أضيف إلى النبي -صلّى الله عليه وسلّم- من قول، أو فعل، أو تقرير، أو وصف.
الخبر: بمعنى الحديث؛ فَيُعَرَّف بما سبق في تعريف الحديث.
وقيل: الخبر ما أضيف إلى النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وإلى غيره؛ فيكون أعم من الحديث وأشمل.
الأثر: ما أضيف إلى الصحابي أو التابعي، وقد يراد به ما أضيف إلى النبي -صلّى الله عليه وسلّم- مقيدًا فيقال: وفي الأثر عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم-.
الحديث القدسي: ما رواه النبي -صلّى الله عليه وسلّم- عن ربه -تعالى- ويسمى أيضًا (الحديث الرباني) و(الحديث الإلهي).
مثاله: قوله - صلّى الله عليه وسلّم- فيما يرويه عن ربه - تعالى- أنه قال: (أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم).
ومرتبة الحديث القدسي بين القرآن والحديث النبوي، فالقرآن الكريم ينسب إلى الله تعالى لفظًا ومعنىً، والحديث النبوي ينسب إلى النبي -صلّى الله عليه وسلّم- لفظًا ومعنىً، والحديث القدسي ينسب إلى الله تعالى معنىً لا لفظًا، ولذلك لا يتعبد بتلاوة لفظه، ولا يقرأ في الصلاة، ولم يحصل به التحدي، ولم ينقل بالتواتر كما نقل القرآن، بل منه ما هو صحيح وضعيف وموضوع.
أقسام الخبر باعتبار طرق نقله إلينا
ينقسم الخبر باعتبار طرق نقله إلينا إلى قسمين: متواتر وآحاد.
الأول - المتواتر
ما رواه جماعة يستحيل في العادة أن يتواطؤوا على الكذب، وأسندوه إلى شيء محسوس.
ب - وينقسم المتواتر إلى قسمين:
متواتر لفظًا ومعنىً، ومتواتر معنىً فقط.
فالمتواتر لفظًا ومعنى: ما اتفق الرواة فيه على لفظه ومعناه.
مثاله: قوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (من كذب عليَّ مُتعمدًا فليتبوَّأ مقعدَه من النار). فقد رواه عن النبي - صلّى الله عليه وسلّم- أكثر من ستين صحابيًّا، منهم العشرة المبشرون بالجنة، ورواه عن هؤلاء خلق كثير.
والمتواتر معنى: ما اتفق فيه الرواة على معنىً كلي، وانفرد كل حديث بلفظه الخاص.
مثاله: أحاديث الشفاعة، والمسح على الخفين،
جـ - والمتواتر بقسميه يفيد:
أولًا: العلم: وهو: القطع بصحة نسبته إلى من نقل عنه.
ثانيًا: العمل بما دل عليه بتصديقه إن كان خبرًا، وتطبيقه إن كان طلبًا.
الثاني - الآحاد
ما سوى المتواتر.
وتنقسم باعتبار الطرق إلى ثلاثة أقسام:
مشهور وعزيز وغريب.
1- فالمشهور: ما رواه ثلاثة فأكثر، ولم يبلغ حد التواتر.
مثاله: قوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده).
2- والعزيز: ما رواه اثنان فقط.
مثاله: قوله - صلّى الله عليه وسلّم-: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين).
3 - والغريب: ما رواه واحد فقط.
مثاله: قوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى...) الحديث.
فإنه لم يروه عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- إلا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ولا عن عمر إلا علقمة بن وقاص، ولا عن علقمة إلا محمد بن إبراهيم التيمي، ولا عن محمد إلا يحيى بن سعيد الأنصاري، وكلهم من التابعين ثم رواه عن يحيى خلق كثير.
جـ - وتنقسم الآحاد باعتبار الرتبة إلى خمسة أقسام:
صحيح لذاته، ولغيره، وحسن لذاته، ولغيره، وضعيف.
1 - فالصحيح لذاته: ما رواه عدل تام الضبط بسند متصل وسلم من الشذوذ والعلة القادحة.
فالعدالة: استقامة الدين والمروءة.
فاستقامة الدين: أداء الواجبات، واجتناب ما يوجب الفسق من المحرمات.
واستقامة المروءة: أن يفعل ما يحمده الناس عليه من الآداب والأخلاق، ويترك ما يذمّه الناس عليه من ذلك
وتعرف عدالة الراوي بالاستفاضة كالأئمة المشهورين: مالك وأحمد والبخاري ونحوهم، وبالنص عليها ممن يعتبر قوله في ذلك.
وتمام الضبط: أن يؤدي ما تحمّله من مسموع، أو مرئي على الوجه الذي تحمله من غير زيادة ولا نقص، لكن لا يضر خطأ يسير؛ لأنه لا يسلم منه أحد.
ويعرف ضبط الراوي بموافقته الثقات والحفاظ ولو غالبًا، وبالنص عليه ممن يعتبر قوله في ذلك.
واتصال السند: أن يتلقى كل راو ممن روى عنه مباشرة أو حكمًا.
فالمباشرة: أن يلاقي من روى عنه فيسمع منه، أو يرى، ويقول: حدثني، أو سمعت، أو رأيت فلانًا ونحوه.
والحكم: أن يروي عمن عاصره بلفظ يحتمل السماع والرؤية، مثل: قال فلان، أو: عن فلان، أو: فعل فلان، ونحوه.
وهل يشترط مع المعاصرة ثبوت الملاقاة أو يكفي إمكانها؟
على قولين؛ قال بالأول البخاري، وقال بالثاني مسلم.
مثاله: قوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين). رواه البخاري ومسلم.
ويعرف عدم اتصال السند بأمرين:
أحدهما: العلم بأن المروي عنه مات قبل أن يبلغ الراوي سن التمييز.
ثانيهما: أن ينص الراوي أو أحد أئمة الحديث على أنه لم يتصل بمن روى عنه، أو لم يسمع، أو ير منه ما حَدَّث به عنه.
والشذوذ: أن يخالف الثقة من هو أرجح منه إما: بكمال العدالة، أو تمام الضبط، وكثرة العدد، أو ملازمة المروي عنه، أو نحو ذلك.
والعلة القادحة: أن يتبين بعد البحث في الحديث سبب يقدح في قبوله. بأن يتبين أنه منقطع، أو موقوف، أو أن الراوي فاسق، أو سيِّئ الحفظ، أو مبتدع والحديث يقوي بدعته، ونحو ذلك؛ فلا يحكم للحديث بالصحة حينئذٍ؛ لعدم سلامته من العلة القادحة.
مثاله: حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال: (لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئًا من القرآن). فقد رواه الترمذي وقال: لا نعرفه إلا من حديث إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة... إلخ.
فظاهر الإسناد الصحة، لكن أُعلّ بأن رواية إسماعيل عن الحجازيين ضعيفة، وهذا منها، وعليه فهو غير صحيح لعدم سلامته من العلة القادحة.
فإن كانت العلة غير قادحة لم تمنع من صحة الحديث أو حسنه.
وتعرف صحة الحديث بأمور ثلاثة:
الأول: أن يكون في مصنف التزم فيه الصحة إذا كان مصنفه ممن يعتمد قوله في التصحيح "كصحيحي البخاري ومسلم".
الثاني: أن ينص على صحته إمام يعتمد قوله في التصحيح ولم يكن معروفًا بالتساهل فيه.
الثالث: أن ينظر في رواته وطريقة تخريجهم له، فإذا تمت فيه شروط الصحة حكم بصحته.
2 - والصحيح لغيره: الحسن لذاته إذا تعددت طرقه.
مثاله: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أمره أن يجهز جيشًا فنفدت الإبل، فقال النبي -صلّى الله عليه وسلّم-: (ابتع علينا إبلًا بقلائص من قلائص الصدقة إلى محلها)؛ فكان يأخذ البعير بالبعيرين والثلاثة. فقد رواه أحمد من طريق محمد بن إسحاق، ورواه البيهقي من طريق عمرو بن شعيب، وكل واحد من الطريقين بانفراده حسن، فبمجموعهما يصير الحديث صحيحًا لغيره.
وإنما سمِّي صحيحًا لغيره، لأنه لو نظر إلى كل طريق بانفراد لم يبلغ رتبة الصحة، فلما نظر إلى مجموعهما قوي حتى بلغها.
3 - والحسن لذاته: ما رواه عدل خفيف الضبط بسند متصل وسلم من الشذوذ والعلة القادحة.
فليس بينه وبين الصحيح لذاته فرق سوى اشتراط تمام الضبط في الصحيح، فالحسن دونه.
مثاله: قوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم).
ومن مظان الحسن: ما رواه أبو داود منفردًا به، قاله ابن الصلاح.
4 - والحسن لغيره: الضعيف إذا تعددت طرقه على وجه يجبر بعضها بعضًا، بحيث لا يكون فيها كذاب، ولا متهم بالكذب.
مثاله: حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- قال: كان النبي - صلّى الله عليه وسلّم- إذا مد يديه في الدعاء لم يردهما حتى يمسح بهما وجهه وأخرجه الترمذي، قال في "بلوغ المرام": وله شواهد عند أبي داود وغيره، ومجموعها يقضي بأنه حديث حسن.
وإنما سمي حسنًا لغيره؛ لأنه لو نظر إلى كل طريق بانفراده لم يبلغ رتبة الحسن، فلما نظر إلى مجموع طرقه قوي حتى بلغها.
5 - والضعيف: ما خلا عن شروط الصحيح والحسن.
مثاله: حديث: (احترسوا من الناس بسوء الظن).
ومن مظان الضعيف: ما انفرد به العقيلي، أو ابن عدي، أو الخطيب البغدادي، أو ابن عساكر في "تأريخه"، أو الديلمي في "مسند الفردوس"، أو الترمذي الحكيم في "نوادر الأصول" - وهو غير صاحب السنن - أو الحاكم وابن الجارود في "تأريخيهما".
وتفيد أخبار الآحاد سوى الضعيف:
أولًا: الظن وهو: رجحان صحة نسبتها إلى من نقلت عنه، ويختلف ذلك بحسب مراتبها السابقة، وربما تفيد العلم إذا احتفت بها القرائن، وشهدت بها الأصول.
ثانيًا: العمل بما دلت عليه بتصديقه إن كان خبرًا، وتطبيقه إن كان طلبًا.
أما الضعيف فلا يفيد الظن ولا العمل، ولا يجوز اعتباره دليلًا، ولا ذكره غير مقرون ببيان ضعفه إلا في الترغيب والترهيب؛ فقد سهّل في ذِكْره جماعة بثلاثة شروط:
1 - أن لا يكون الضعف شديدًا.
2 - أن يكون أصل العمل الذي ذكر فيه الترغيب والترهيب ثابتًا.
3 - أن لا يعتقد أن النبي - صلّى الله عليه وسلّم- قاله.
وعلى هذا فيكون فائدة ذكره في الترغيب: حث النفس على العمل المرغب فيه، لرجاء حصول ذلك الثواب، ثم إن حصل وإلا لم يضره اجتهاده في العبادة، ولم يفته الثواب الأصلي المرتب على القيام بالمأمور.
وفائدة ذكره في الترهيب تنفير النفس عن العمل المرهب عنه للخوف من وقوع ذلك العقاب، ولا يضره إذا اجتنبه ولم يقع العقاب المذكور.
يتبع