اسامه جاد مشرف سوبر
عدد الرسائل : 3356 العمر : 53 العمل/الترفيه : معلم اول احياء وعلوم بيئه وجيولوجيا نقاط : 13745 تاريخ التسجيل : 14/02/2009
| موضوع: فضل الدعاء الإثنين ديسمبر 28, 2009 7:15 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسأله: "يا رسول أبعيد ربنا فنناديه، أم قريب فنناجيه؟"؛ فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الرد لا يجب أن يأتي من النبي؛ بل يأتي من الله ليخبر بذاته عن ذاته أنه قريب؛ فنزل قول الله تبارك وتعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].
فانظر معي إلى كلمة "قَرِيب"؛ فعلى الرغم من أنه كان بمقدور الله أن يقول: وإذا سألك عبادي عني فإني أجيب دعوة الداع إذا دعان؛ لكنه قال:" قَرِيب" حتى تستشعر أنك في معيته وأنت في لحظات الدعاء، وتستشعر هذا القرب، وتعرف متى تستشعر أن دعاءك قد استجيب، عندما تستشعر هذا القرب، وعندما تستشعر نفسك قريباً أكثر من الدعاء، وانظر إلى معنى لطيف جداً أن الله قال: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ}، ولم يقل المؤمن أو التقيّ مع أنه في مواقف يقول: {فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأعراف: 35]؛ ولكنه هنا لم يحدد صفة من يدعو الله؛ فهو أي داعٍ، ولم يقل مكانه ولا حالته؛ فبمجرد دعائك -بدليل قوله: {إِذَا دَعَانِ} وكأنه أعطاك مفتاح الإجابة والاستجابة- فأكيد سيستجاب لك إن شاء الله، وأريد أن أصل بك إلى أن تكون متأكداً من إجابة الدعاء في شهر رمضان؛ فالصحابة كانوا يقولون: "كنا نعد خمس أو ست دعوات ندعو بهن في رمضان، نلح عليهن طوال الشهر؛ فوالله لا ينقضي رمضان ويأتي رمضان القادم إلا وقد أجاب الله لنا كل ما دعوناه به".
واقرأ هذه الآية: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60]؛ ولذلك كان سيدنا عمر بن الخطاب يقول: "أنا لا أحمل هم الإجابة؛ ولكني أحمل هم الدعاء".
وانظر إلى قول الله تبارك وتعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ، وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 55 - 56]. وهذه الآية ترد على من يقول أخجل من أن أدعو الله بأي من الأمور الدنيوية المادية؛ ولكن الآية تقول: ادعوه ولو حتى طمعاً في أي أمر كان، حتى ولو أمراً مادياً من أمور الدنيا؛ بدليل ذلك الجزء من الآية: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}.
وانظر إلى قول الله في الحديث القدسي: "يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم, يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم, يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم".
واسمع النبي وهو يقول: "الدعاء هو العبادة"، وهذا الحديث يقول العلماء عنه: إنه معجز؛ فيقصد النبي أن الدعاء هو خلاصة العبادة؛ ولكن أين محل الصلاة والصيام والحج؟ فيقولون لك: إن الهدف من العبادة هو الذل والخضوع لله؛ فمن المؤكد أن أول ما يتبادر إلى ذهنك عندما يقال كلمة "عبد" هو الخضوع إلى سيده ومولاه الله تبارك وتعالى، ولذلك كلمة عبادة جاءت من العبيد، وهدفها الخضوع والذل إلى الله تبارك وتعالى، ومع ذلك تجد أناساً يصلون، ولا يستشعرون الخضوع لله؛ ليس لقصور في الصلاة ولكن لأنهم لم يفهموا الصلاة كما يجب.
وأيضا أناس تصلي وتزكي وتعتمر ولا تحس بلذة الخضوع لله؛ ولكن لا يمكن أن ترفع يدك إلى الله، ثم لا تحس بالخضوع له، ولذلك الدعاء هو العبادة والدعاء هو أكثر عبادة تشعرك بالخضوع إلى الله.
ومن هنا نقول إن الدعاء حالتان: مذلة ومسألة، ومطلوب أن تمزج بين الاثنين، وأنت تدعو تكون قد حققت حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
وانظر إلى قول النبي: "من لا يسأل الله يغضب عليه"؛ فمعنى ذلك أنه حتى لو غير راغب في حاجة بعينها؛ فلابد أن تسأل الله خشية أن ينطبق عليك هذا الحديث.
ويقول أيضا: "لا تعجزوا في الدعاء؛ فإنه لا يهلك مع الدعاء أحد"، ويقول: "إذا فُتح لكم باب الدعاء؛ فاعلموا أنه قد فتح لكم باب الرحمة".
ويقول: "ليس شيء أكرم على الله من الدعاء"؛ ولكن لماذا؟ لنفس السبب لأنك قد حققت به العبودية.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله حييّ كريم يستحيي أن يرفع العبد يديه يقول يا رب، ثم يردهما صفراً خائبتين".
نماذج إجابة الدعاء في القرآن
وتعالوا الآن نرى نماذج إجابة الدعاء في القرآن، وهي نماذج مستحيلة: سيدنا زكريا وهو عجوز وامرأته عاقر، وكان يقول: {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} [مريم: 4]، وكان يدعو ويطلب أن يكون له ولد رغم هذا؛ فقال له الله تبارك وتعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90].
وسيدنا نوح لما التمس عناد قومه: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} [القمر: 9]؛ فكان رد الله تبارك وتعالى عليه: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ، وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ، وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ، تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ، وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آَيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 11 - 14].
ونموذج ثالث: سيدنا سليمان دعا دعوة من سنين لا نعرف عددها فقال: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص: 35]؛ فهل سمعتم عن أحد أوتي ما أوتي سيدنا سليمان من بعده؟ لا ولذلك فدعوته أجيبت ومستمرة إلى يوم القيامة.
وسيدنا إبراهيم كان في صحراء قاحلة في وسط الجبال؛ ولكنه قال: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ} [البقرة: 126]، ويموت سيدنا إبراهيم ودعوته مستمرة.
وانظر إلى سيدنا أيوب: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: 83]؛ فكان رد الله سريعاً وقاطعاً؛ فقال: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء: 84].
ولذلك جميل أن تبدأ الدعاءَ بتمجيد الله والثناء عليه.
وانظر إلى استجابة الدعاء مع النبي صلى الله عليه وسلم: جاء سيدنا أبو هريرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: "إن أمي تأبى الإسلام أدعوها وأدعوها وتأبى، بل وتُسمعني فيك كلاماً شديداً، يا رسول الله ادعُ الله أن يهدي أمي، فرفع النبي يده إلى السماء وقال: اللهم اهدِ أم أبي هريرة. يقول أبو هريرة: فخرجت من عند النبي مستبشراً بالدعوة، وذهبت إلى بيت أمي، فسمعت بخطوات قدمي، وقالت: يا أبا هريرة مكانك.. فخفت، فقالت: يا أبا هريرة أشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
فيقول أبو هريرة: فعجبت، وعدت إلى النبي وأنا أبكي من الفرح، وقلت له: أبشر يا رسول الله، لقد استجاب الله دعاءك وأسلمت أم أبي هريرة؛ فحمد النبي الله وأثنى عليه.
ولما وجد أبو هريرة الدعاء مستجاباً من النبي قال للنبي: "يا رسول الله ادعُ الله أن يحببني أنا وأمي في المؤمنين، ويحبب المؤمنين إلينا".. (من أجل أن تظل الرابطة دوماً إيمانية بصحبة المؤمنين ومحبتهم له)؛ فرفع النبي يده إلى السماء وقال: "اللهم حبب عُبَيدك هذا إلى المؤمنين، وحبب المؤمنين إليه وإلى أمه"؛ فيقول أبو هريرة: "فلم يسمع بي أحد من المؤمنين إلا وأحبني".
ويخبرك النبي أن هناك مواعيد خاصة يستجاب فيها الدعاء مثل: الثلث الأخير من الليل، وساعة الإفطار؛ فيقول النبي: "ثلاثة لا ترد دعوتهم... (منهم) والصائم حين يفطر".
وعند ختم القرآن لك دعوة مستجابة، وفي ليلة القدر، وعند السجود، وبين الأذان والإقامة، وعند نزول المطر، وعند توبة العاصي فإن له دعاء مستجابا.
ولكن استجابة الدعوة تتأخر قليلاً، وهنا يتدخل الشيطان خوفاً من أن تشكر الله وتقوي علاقتك به، ولذلك يصنع لك وقت استجابة الدعاء حالة من النسيان أن انقضاء مسألتك كان نتيجة استجابة الله لك، حتى لا تقوي علاقتك بالله وتنسى شكره وحمده على استجابته لك.
ومع ذلك تجد الله يحب أن يسمع صوت عبده الذي يدعوه؛ فهناك حديث للنبي يقول فيه: "إن الله يحب الملحّين في الدعاء"، وجاء في الأثر: "إن العبد يقول يا رب يا رب يا رب، فيقول الله: يا جبريل أخّر مسألة عبدي فإني أحب أن أسمع صوته".
شروط إجابة الدعاء:
1. اليقين في الإجابة؛ فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، لا يقُل أحدكم وهو يدعو: يا رب إن شئت فعلت لي كذا وكذا؛ ولكن ليعزم أحدكم في المسألة".
2. عدم الاستعجال: فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل؛ فقالوا: كيف يستعجل يا رسول الله؟ قال: يقول دعوت ودعوت ولم يستجب لي؛ فيترك الدعاء ولا يستجاب له".
3. الخشوع والانكسار في الدعاء: يقول النبي: "إن الله لا يستجيب دعاءً من قلب لاهٍ غافل"، ويقول: "أدلّكم متى يستجاب الدعاء؛ فقالوا: متى؟ فقال: ما رأيكم في رجل في بحر هائج تكسرت به سفينته، فتعلق بخشبة وهو يكاد أن يموت وأيقن من الموت؛ فبدأ يقول: يا رب يا رب؛ فمن دعا مثل هذا الرجل يستجاب دعاؤه".
وعبد الله بن عمر رضي الله عنه يقول: "أعلم متى يستجاب دعائي، قالوا: كيف؟ قال: إذا خشع القلب ودمعت العين وخشعت الجوارح أقول: سيستجاب لي الآن".
ولذلك يقول الله تبارك وتعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل: 62]. لماذا المضطر؟ لأنه في منتهى الخشوع والذل والانكسار.
4. أكل الحلال: فلو أن مالك حرام فإن دعاءك لن يستجاب، ولذلك ذكر النبي مثالاً يقول: "ترى الرجل أشعث أغبر كثير السفر يرفع يديه إلى السماء يقول يا رب يا رب، ومطعمه حرام وملبسه حرام ومأكله حرام وغُذّي بالحرام فأنى يُستجاب له".
آداب الدعاء:
1. رفع اليدين 2. الطهارة 3. "يفضل" استقبال القبلة؛ ولك ألا تفعل وكذلك المرأة في فترة الحيض والنفاس؛ ولكن ما نقوله هو الآداب؛ يعني يكون مفضلاً لو عملنا هذا. 4. البدء بحمد الله ثم الصلاة على رسول الله. 5. مدح الله والثناء عليه. 6. الإلحاح في الدعاء؛ فكان النبي إذا دعا دعوة كررها ثلاث مرات. 7. إخراج صدقة من أجل أن تطهّر المال، وتضمن استجابة الدعاء. ولذلك فابن القيم يقول: "من فعل هذه الشروط والآداب لا ترد دعوته أبداً | |
|