من اسماء الله الحُسني هو اسم الله الودود
فقد سمي الله نفسه به علي سبيل الإطلاق مرادا به العلمية ودالا علي الوصفية في نصين اثنين من النصوص القرآنية ، وقد ورد المعني محمولا عليه مسندا إليه ، في قوله تعالي : ( واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود ) (هود90) ( وهو الغفور الودود ) (البروج14) ، ولم يرد الاسم في السنة إلا في حديث سرد الأسماء وهو ضعيف كما علمنا .
الودود ، فعله ود يود ودا ومودة ، والود في اللغة مصدر من المودة ، ويأتي بمعنى الحب ، فمودة الشيء محبته والأخذ بأسبابه وتمني حصوله ، والمودة من أبواب المحبة التي تتضمن التمني مع اتخاذ الأسباب الموصلة إلى المحبوب ، كما ورد في قوله تعالى : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) (الروم:21) وقوله : ( عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم ) (الممتحنة:7) ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه أنه قال جاء رجل إلي النبي صلي الله عليه وسلم فقال : ( إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال وإنها لا تلد أفأتزوجها قال لا ثم أتاه الثانية فنهاه ثم أتاه الثالثة فقال تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم ) ( تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم ولا تكونوا كرهبانية النصارى ) .
فالله عز وجل هو الودود الذي يود عباده الصالحين فيحبهم ويقربهم ويرضى عنهم ويتقبل أعمالهم ، وهذه محبة خاصة بالمؤمنين ، أما المحبة العامة فالله هو الودود ذو إحسان كبير لمخلوقاته من جهة إنعامه عليهم وإكرامه للإنسان واستخلافه بينهم ، حيث أسجد له ملائكته واستخلفه في أرضه على سبيل الابتلاء ، واستأمنه في ملكه انتظار لمزيد من الإكرام في دار الجزاء ، وبعث إليهم الرسل وأنزل عليهم الوحي من السماء ، كل ذلك بفضله وكرمه وعطائه ومدده ، وترغيبا لعباده في طاعة الله ومحبته ومودة نبيه وآله وصحابته ، وكذلك محبة أوليائه وخاصته ، فيعاملهم بمودة ، ويتمنى الخير والمحبة ، فيفرح لفرحمهم ويغضب لغضبهم كما قال تعالى في وصفهم ووصف نبيهم صلى الله عليه وسلم : ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ) (الفتح:29) ، فمعنى أن الله عز وجل ودود يعني حبيب قريب سميع مجيب .
والود أيضا يأتي بمعنى التمني أو الرغبة في تحقيق الأمنية ، كما ورد في قوله تعالى : ( ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون ) (البقرة:96) يتمنى أن يعمر ( يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا ) (النساء:42) ( يبصرونهم يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه ) (المعارج:11) ، والله عز وجل ودود يحقق أماني المؤمنين إذا عبدوه وأطاعوه ، ويخيب رجاء الكافرين المشركين ، فتحقيق الله للأمنية مبني على العمل وصدق النية ، ( ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ) (النساء:123) ولكن الله ودود قريب يعامل المؤمنين بفضله ويعامل الكافرين بعدله ، روى مسلم من حديث أبى هريرة أنه قال لما نزلت ( من يعمل سوءا يجز به ) بلغت من المسلمين مبلغا شديدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قاربوا وسددوا ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى النكبة ينكبها أو الشوكة يشاكها ، وعند مسلم أيضا من حديث أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : قاربوا وسددوا واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعمله ، قالوا يا رسول الله ولا أنت قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل .
والودود في اللغة أيضا قد يأتي على معنى المعية والمصاحبة أو المرافقة والمصادقة ، كما ورد عند مسلم من حديث عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رجلا من الأعراب لقيه بطريق مكة فسلم عليه عبد الله وحمله على حمار كان يركبه وأعطاه عمامة كانت على رأسه فقال ابن دينار فقلنا له أصلحك الله إنهم الأعراب وإنهم يرضون باليسير ، فقال عبد الله إن أبا هذا كان ودا لعمر بن الخطاب وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن أبر البر صلة الولد أهل ود أبيه ) ، والله عز وجل ودود مع خلقه بمعية خاصة للمؤمنين مقتضاها النصر والتأييد ، ومعية عامة للخلائق أجمعين مقتضاها العلم والإحاطة .
واسم الله الودود يدل علي ذات الله وعلي صفة المحبة والود بدلالة المطابقة ، وعلي ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلي صفة المحبة والود وحدها بدلالة التضمن ، ويدل باللزوم علي الحياة والقيومية ، والرحمة والمعية ، والعطاء والمحبة ، واللطف والرأفة ، وغير ذلك من أوصاف الكمال واسم الله الودود دل علي صفة من صفات الأفعال .
كيف ندعو الله باسمه الودود دعاء مسألة ودعاء عبادة ، دعاء المسألة ، نستشهد له بدعاء نبوي رواه الترمذي في سننه وابن خزيمة في صحيحه ، من حديث ابن عباس مرفوعا : ( اللهم ذا الحبل الشديد والأمر الرشيد ، أسألك الأمن يوم الوعيد ، والجنة يوم الخلود ، مع المقربين الشهود ، الركع السجود الموفين بالعهود إنك رحيم ودود وأنت تفعل ما تريد ) وإن كان الشيخ الألباني قد ذكره في ضعيف الجامع ( 1194) .
وهناك دعاء مأثور ذكره ابن حجر في الإصابه في ترجمة أبى معلق الأنصاري ، وكان تاجرا يتجر بمال له ولغيره وكان له نسك وورع ، فخرج مرة فلقيه لص متقنع في السلاح ، فقال : ضع متاعك فإني قاتلك ، قال : شأنك بالمال قال : لست أريد إلا دمك ، قال : فذرني أصلي ، قال : صل ما بدا لك ، فتوضأ ثم صلى فكان من دعائه : يا ودود يا ذا العرش المجيد يا فعالا لما يريد أسألك بعزتك التي لا ترام وملكك الذي لا يضام وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص ، يا مغيث أغثني قالها ثلاثا ، فإذا هو بفارس بيده حربة رافعها بين أذني فرسه فطعن اللص فقتله .
أما دعاء العبادة فهو آثر توحيد العبد لله في اسمه الودود ، ويتجلى في حب الخير لجميع الخلق ، فيحب للعاصي التوبة والمغفرة ، وللمطيع الثبات وحسن المنزلة ، ويكون ودودا لعباد الله فيعفو عمن أساء إليه ، ويلين مع البعيد كما يلين مع أقرب الناس إليه ، ويكون ودودا مع خاصة أهله وعشيرته فالرسول صلى الله عليه وسلم أصيب في رباعيته من قبل قومه وقرابته ، فلم يمنعه سوء صنيعهم أن يستغفر لهم ، وعند البخاري من حديث ابن مسعود قال : كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكى نبيا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه ، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول : ( اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ) ، ومن أعظم الود وتوحيد الله في اسمه الودود مودة الرجل لزوجته ورفقه بها وكذلك مودة المرأة لزوجها ، وروى الطبراني وقال الشيخ الألباني حسن لغيره من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : ( ألا أخبركم بنسائكم في الجنة قلنا بلي يا رسول الله قال ودود ولود إذا غضبت أو أسيء إليها أو غضب زوجها قالت هذه يدي في يدك لا أكتحل بغمض حتى ترضي ) ، وقال تعالى : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ) (مريم:96) أي حبا في قلوب عباده كما رواه البخاري من حديث أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا أحب الله عبدا نادى جبريل إن الله يحب فلانا ، فأحبه ، فيحبه جبريل ، فينادى جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانا ، فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في أهل الأرض ) .
واخيرا الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي سيدنا محمد وعلي آلة وصحبة وسلم