منتديات حجازة التعليمية
ضيفنا الكريم
حللت أهلاً .. ووطئت سهلاً ..
أهلاً بك بين اخوانك واخواتك
آملين أن تلقى المتعة والفائدة معنا
حيـاك الله
نتمنى أن نراك بيننا للتسجيل
مع خالص التحية بدوام الصحه والسعاده
ادارة منتديات مدرسة حجازةالثانوية المشتركة
منتديات حجازة التعليمية
ضيفنا الكريم
حللت أهلاً .. ووطئت سهلاً ..
أهلاً بك بين اخوانك واخواتك
آملين أن تلقى المتعة والفائدة معنا
حيـاك الله
نتمنى أن نراك بيننا للتسجيل
مع خالص التحية بدوام الصحه والسعاده
ادارة منتديات مدرسة حجازةالثانوية المشتركة
منتديات حجازة التعليمية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
البوابةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 قصة الاسلام الجزء2

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
اسامه جاد
مشرف سوبر
مشرف سوبر
اسامه جاد


ذكر عدد الرسائل : 3356
العمر : 53
العمل/الترفيه : معلم اول احياء وعلوم بيئه وجيولوجيا
نقاط : 13745
تاريخ التسجيل : 14/02/2009

قصة الاسلام الجزء2 Empty
مُساهمةموضوع: قصة الاسلام الجزء2   قصة الاسلام الجزء2 I_icon_minitimeالثلاثاء ديسمبر 15, 2009 7:31 pm

3-الدّعوة سرّا

لا ريب أن النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يصل بدعوته لكل إنسان بادئًا بمكة بلده، ولم يكن من السهل أن يقف النبي صلى الله عليه وسلم مجاهرًا بدعوته وسط الكعبة، فقد كان اختياره لأتباعه محاطًا بكل وسائل الحيطة والحذر، ولم يعلن لعموم الناس أمره، فلماذا لم يعلن الرسول صلى الله عليه وسلم أمره ليسلم أكبر عدد من الناس في أقل وقت ممكن؟ لم يفعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم؛ لعلمه أن دعوة الإسلام - وإن كانت مقنعة للناس - ستلقى حربًا ليس من قريش فقط، بل من العالم أجمع.
وهناك قاعدتان رئيسيتان لاختيار المدعوين للإسلام، كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتمد عليهما: اختيار أصحاب الأخلاق الحسنة والخلال الحميدة الذين يعظمون الصدق والكرم، والشجاعة والعدل. وكذلك الاهتمام بالشباب؛ لأنهم أصحاب حماسة وحميَّة، لم تتلوّن عقولهم بأفكار خاطئة، ومن ثَمَّ يستطيعون تقبل الفكرة الإسلامية.
وفي اليوم الثاني من الدعوة بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون الأوائل يتحركون من جديد بالدعوة لانتقاء عناصر جديدة، لم تكن الدعوة عند الصّدّيق مجرد تكاليف من الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه الحب للإسلام الذي ملأ قلبه رضي الله عنه، وهو ما كان سببًا في استجلاب أكبر عدد من الصحابة الذين أذعنوا للدعوة، ولبّوا نداءها، وكانوا عاملاً مهمًّا في نجاحها وخروجها للعالم. ولا شك أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان من الرجال الحقيقيين في هذه الدعوة المباركة، وكان عاملاً من عوامل جذب كثير من الصحابة لهذه الدعوة؛ فقد كان سهلاً لينًا محببًا مُوَطَّأ الأكناف، وسيرته رضي الله عنه تجعلنا نفكر أكثر من مرة في كيفية الاقتداء به، والسير على نهجه في استجلاب الجنود لدين الله، وفي البذل بالمال والنفس.
ومن فقه المرحلة السرية للدعوة أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ منهج الحيطة والحذر؛ لأن الدعوة في بدايتها تحتاج للرجال وهم قليلون؛ فإن فُقِد الرجالُ ضاعت الدعوة، وهذا ما يوضحه موقف النبي صلى الله عليه وسلم مع عمرو بن عَبَسَة الأسلمي رغم إسلامه. وكذا من دواعي الحيطة التي مر بها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أن اجتماعاتهم السرية كانت في دار الأرقم بن أبي الأرقم، ذلك الغلام صاحب الست عشرة سنة، البعيد عن قريش والعدو لبني هاشم؛ لأنه من قبيلة مخزوم المتنازعة دائمًا مع بني هاشم.
وقد اتخذت تربية النبي لأصحابه في هذه الدار الجانبين النظري والعملي، من تثبيت العقيدة والأخلاق والتربية بالتاريخ، والاهتمام بالصلاة وقيام الليل والصوم؛ مما كان دافعًا قويًّا في السير قُدُمًا في مجال الدعوة إلى الله، وتربية رجال صدقوا عهدهم.
مما لا شك فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يصل بدعوته لكل إنسان في مكة. بل لكل إنسان على ظهر الأرض، ويتخيل البعض أنه كان من السهل على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقف وسط الكعبة من أول يوم أُمِر فيه بالإبلاغ ويعلن للناس جميعًا أمر الإسلام، لكنه لم يفعل، بل كان يختار من يدعوهم آخذًا بكل أسباب الحيطة والحذر، فيذهب إلى الرجل فيسر له في أذنه بأمر الإسلام، ويدعوه سرًّا، ولم يعلن لعموم الناس أمره.

والدعوة السرية لم تستمر يومًا أو اثنين بل استمرت فترة طويلة بالنسبة لعمر الدعوة الإسلامية فكانت حوالي ثلاث سنوات.

وبعض الناس يعتقدون أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما وقف على الصفا وقال للناس: أَرَأَيْتُكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟

يعتقدون أن هذه المقولة كانت في بدء الدعوة وبعد نزول أمر الرسالة مباشرة، والواقع غير ذلك، لقد كانت هذه الكلمة بعد ثلاث سنوات كاملة من نزول الوحي.

إن كنا قد وقفنا مع إسلام السيدة خديجة رضي الله عنها، وإسلام سيدنا أبي بكر رضي الله عنه، وإسلام سيدنا زيد بن حارثة رضي الله عنه.

فلا بد من وقفات مع إسلام سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، هذا الطفل الذي آمن، وما تجاوز العشر سنوات، إن إسلام سيدنا علي في هذا السن هو شيء في منتهى الغرابة.

ويكمن وجه العجب والغرابة في عمره الذي ما تجاوز العشر سنوات، يستأمنه النبي صلى الله عليه وسلم ويسر إليه بهذا الدين الجديد في مثل هذه المرحلة السرية من الدعوة، وغريب أيضًا أن يفهم طفل في مثل هذا السن هذه القضية الكبيرة التي خفيت على كثير ممن يسمونهم حكماء في مكة.

وهذا الأمر يحتاج منا إلى وقفة:

أولاً:

كان سيدنا علي بن أبي طالب بمثابة ابن النبي صلى الله عليه وسلم كزيد بن حارثة، فكان يعيش مع النبي صلى الله عليه وسلم في بيته، والسبب في ذلك هو أن قريشًا أصابتهم أزمةٌ شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثيرة، فقال يومًا رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه العباس: يا عم إن أبا طالب كثير العيال، فانطلق بنا نخفف عن عيال أبي طالب، فانطلقا إليه وأعلماه ما أرادا، فقال أبو طالب: اتركا لي عقيلاً واصنعا ما شئتما، فأخذ رسول الله، صلى الله عليه وسلم عليًّا، وأخذ العباس جعفرًا، فلم يزل علي عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى أرسله الله، فاتبعه.

وقال ابن إسحاق: وكان من نعمة الله عليه.

كان علي بن أبي طالب يعتقد الصواب في كل كلمة يقولها الأب الحنون النبي صلى الله عليه وسلم، كما يعتقد كل طفل الصواب في كلام أبيه.

ولقد ترسخ في نفس علي بن أبي طالب حب كبير للنبي صلى الله عليه وسلم منذ نعومة أظفاره، فكما قلنا: إن منهج النبي في الدعوة يقوم على الحب أولاً ثم الحجة.

ثانيًا:

أن النبي صلى الله عليه وسلم لاحظ نبوغًا مبكرًا، وعبقرية ظاهرة في علي بن أبي طالب، فاطمأنّ النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يخبره بأمر الرسالة مع أن هذا الأمر خطير، ولا يزال سرًّا، ولا يعلم إلى متى سيظل هذا الأمر سرًّا.

وقد يظن البعض أن النبي صلى الله عليه وسلم يخاف أن يخبره بهذا الأمر للظروف التي تحيط بالدعوة، لكن الواقع أن سيدنا عليًّا كان عبقريًّا فذًّا، وبمرور الأيام صدقت فراسة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان سيدنا علي من أكثر الصحابة قدرة على استنباط الأحكام والقضاء في الأمور، بجانب فراسته وعلمه وفقهه رضي الله عنه.

ثالثًا:

في الحقيقة هذه وقفة مع النبي صلى الله عليه وسلم في اختياره لمن يدعوهم، فبدعوة النبي صلى الله عليه وسلم لسيدنا علي، وبإسلامه كان هناك تنوع عجيب لمن دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم واختارهم في بادئ الأمر، وكان يوضح لنا أمرًا في غاية الأهمية، وهو أن مجال الدعوة أوسع مما قد نتخيل، فهؤلاء الأربعة الأوائل: فيهم الرجال، وفيهم النساء، فيهم السادة، وفيهم العبيد، فيهم الكبار، وفيهم الصغار، وأن هذه الدعوة لا حدود لها.

أصبح علي بن أبي طالب أول الصبيان إسلامًا، كما أصبح أبو بكر أول الرجال، وزيد أول الموالي، والسيدة خديجة كانت أول النساء، وكان ذلك في أول يوم في الإسلام.

ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم بناته للإسلام فدعا السيدة زينب وكانت في العاشرة من عمرها، والسيدة رقية وكانت في السابعة من عمرها، والسيدة أم كلثوم وكانت في السادسة أو الخامسة من عمرها، وكلهم اعتنقوا الإسلام في هذا السن المبكر، أما السيدة فاطمة فكان عمرها سنة على أرجح الأقوال.

كان هذا هو الوضع في بيت الرسول صلى الله عليه وسلم.

لقد ظلت الدعوة سرية تمامًا ثلاث سنوات كاملة، ظلت الدعوة تقوم على أمر الاصطفاء والانتقاء ثلاث سنوات كاملة...

لماذا؟

لماذا لم يعلن الرسول صلى الله عليه وسلم أمره ليسلم أكبر عدد من الناس في أقل وقت ممكن؟

لم يفعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لأنه يعلم أن دعوة الإسلام وإن كانت مقنعة للناس إلا أنها ستلقى حربًا ليس من قريش فقط بل من كل العالم.

أكان صلى الله عليه وسلم يخشى على نفسه من قريش؟

هذا مستحيل، فهو لا شك يعلم أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، بل كانت هذه هي الحكمة في الدعوة.

ومن الممكن أن تقول: إن السرية في الدعوة في هذه المرحلة لم تكن اختيارًا نبويًا، بل كانت أمرًا إلهيًا، فالله عز وجل يعلم نبيه صلى الله عليه وسلم ويعلم أمته منهج التغيير في مثل هذه الظروف، وكيف تغير الأجيال القادمة من حالها في غياب رسول، وكيف التغيير إذا توافقت الظروف مع ظروف النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذه المرحلة.

إن الله عز وجل قادر على حماية رسوله، فلا يصل له أذًى من أحد من قريش، ومع ذلك فهو يريد منه أن يرسم الطريق الصحيح للمسلمين لإقامة هذا الدين مهما اختلفت الظروف ومهما كثرت المعوقات.

ولذلك تجد أن الله عز وجل قد وضع رسوله صلى الله عليه وسلم في كل الظروف التي من الممكن أن تمر بأمته بعد ذلك، وعلم رسوله صلى الله عليه وسلم كيف يتعامل مع كل ظرف، وكيف يصل بدعوته إلى الناس في وجود المعوقات المختلفة.

وبذلك حُدِّد للمسلمين منهجٌ واضح لا غموض فيه.

قد تكون سرية تمامًا كما في السنوات الثلاث الأولى من الإسلام. قد يحتاج المسلمون إلى هذا الأسلوب السري في الدعوة إذا توافقت ظروفهم مع ظروف الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه المرحلة.
السرية وفقه المرحلة
على سبيل المثال المسلمون في الاتحاد السوفيتي قبل سقوطه كان يعيشون فترة مثل هذه الفترة، الإلحاد في كل مكان، حمل المصحف أو الاحتفاظ بالمصحف في البيت جريمة يعاقب عليها القانون، من اكْتُشف أنه يصلي أو يصوم يعاقب ويعذب وقد يقتل، فكان لا بد من السرية التامة في الإسلام، ولو لم يفعلوا ذلك لاختفى الإسلام من هذه البلاد، ولكنهم كانوا يتعلمون في ديار كدار الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه، وكانوا يحفظون القرآن في سراديب وفي خنادق وفي كهوف بالجبال، والحمد لله بقي الدين، وبقي المسلمون، ورفعت الغمة، والذي حفظهم هو فقه المرحلة.

إن الله هو الحافظ وهو المعين، لكن هناك أخذ بالأسباب، والأسباب الصحيحة هي التي أخذ بها النبي صلى الله عليه وسلم في نفس المرحلة التي عاشها المسلمون.

لو أعلن كل واحد من المسلمين إسلامه في الاتحاد السوفيتي، وفتح صدره لنيران الشيوعية، لاختفى ذكر الإسلام من بقاع كثيرة، ولكن فقه المرحلة كان هامًا جدًا، ووجود المثال النبوي الحكيم في إخفاء إسلامه في أول أمر الرسالة كان معلمًا لهم ومؤيدًا لمنهجهم.

وستختلف الظروف بعد ذلك في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبالتبعية سيختلف منهجه صلى الله عليه وسلم في إيصال دعوته للناس وفي تربيته للمؤمنين.

سيأتي زمان يعلن فيه البعض إسلامهم ويكتم المعظم، كما سيحدث بعد الثلاث سنوات الأولى من الدعوة.

وسيأتي زمان يعلن فيه المعظم ويكتم البعض، وإن كانت التربية ستكون سرًا، كما سيحدث بعد إسلام عمر بن الخطاب وحمزة بن عبد المطلب رضي الله عنهما.

وسيأتي زمان يعلن فيه الجميع وتكون التربية علنًا بعد الهجرة إلى المدينة.

وسيأتي زمان سيدعو فيه الرسول صلى الله عليه وسلم زعماء العالم جميعًا إلى الإسلام وذلك بعد صلح الحديبية.

هذا الكلام في غاية الأهمية فلا يستشهد بفعل من أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم والظروف مختلفة، وإلا فلماذا كان هذا التنوع في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، هذا التنوع ما هو إلا ليتعلم المسلمون الحكمة.

وأعني بالحكمة القدرة على تقليد النبي صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله عند تشابه الظروف.

الرسول هو الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتغير، الإسلام هو الإسلام، لم يتغير أيضًا، ولكن اختلاف الظروف يستلزم تغييرًا في طريقة إيصال الدعوة للناس، يستلزم فقهًا للمرحلة.

إذن نخرج بقاعدة هامة من موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم عند بدء الدعوة، وهي أن الدعاة مطالبون بالحفاظ على أنفسهم وعلى حياتهم، لا لخوفهم من الموت، فالموت في سبيل الله في حد ذاته غاية ومطلب وهدف، ولكن حفاظًا على الدين وعلى الإسلام وعلى استمرار المسيرة.

ونفهم من هذا الكلام الحكم الفقهي المشهور وهو أن يجوز للجيش المسلم أن يفر من مثليه ويوجد في كتب الفقه باب جواز الفرار من المثلين كما يقول الحق تبارك وتعالى:

[الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ] {الأنفال:66} .

فلو كان عدد الأعداء أكثر من الضعف يجوز القتال ويجوز الفرار حسبما يرى القائد كما قال بذلك الفقهاء.

لأن احتمال الهلكة كبير، إلا إذا غلب على ظن القائد أنهم سينتصرون فيجوز له القتال، بل إن الإمام مالك رحمه الله قال: إنه يجوز الفرار من المثل، وليس من المثلين إذا كان العدو أعتق جوادًا وأجود سلاحًا وأشد قوة وغلب على الظن الهلكة.

ويوضح العز بن عبد السلام هذا الأمر بصورة أكبر فيقول:

إذا لم تحصل النكاية في العدو وجب الانهزام، لما في الثبوت من فوات النفس مع شفاء صدور الكافرين. سيموت المؤمن ولن يحدث أثرًا في الكافرين، بل سيزيد الكفر.

بل إنه يقول: وقد صار الثبوت هنا مفسدة محضة ليس في طيها مصلحة.

يعني يأثم المسلم بإظهار نفسه إذا كان الاختفاء هو الألزم للمرحلة، ويأثم المسلم إذا ثبت إذا كان الانسحاب هو الألزم للمرحلة.

فقه ووعي وإدراك لسلوك الرسول صلى الله عليه وسلم، وأسلوبه في التعامل مع كل ظرف، ولكن هنا لا بد من ملاحظتين هامتين:

الملاحظة الأولى:

هي أن الفارق بين الحكمة في الحفاظ على النفس، وبين الجبن شعرة، وقد يدعي الإنسان أنه يحافظ على نفسه؛ لأن المرحلة تتطلب ذلك، فلا يتكلم الحق، ولا يجاهد، ولا يدعو إلى الله، ولا يقوم بعمل في سبيل الله، بينما الدافع الحقيقي من هذا الركون هو الخوف من مواجهة الباطل، فالفرق بين الحكيم الذي يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم والجبان الذي لا يريد حمل الدعوة هو سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم.

فنرجع في ذلك إلى دليل شرعي من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أن هذا الموقف يشبه موقف الرسول صلى الله عليه وسلم لما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمبدأ السرية.

ونرجع في ذلك أيضًا إلى ورع وإيمان وتقوى الفرد العامل، والله مطلع على القلوب، وفي النهاية أنت تتعامل مع الله عز وجل.

وأهم من ذلك أيضًا الرأي المشار إليه من قبل القائد والجماعة والشورى.

فالقائد في هذه المرحلة هو النبي صلى الله عليه وسلم أو من ينوب مكانه، والشورى كذلك في غاية الأهمية، ومن الممكن بعد ذلك أن يخرج عامل الهوى، ونستطيع أن نفرق بين الحكيم والجبان.

الملاحظة الثانية:

الذي يراعى في ذلك هو مصلحة المسلمين والإسلام عمومًا، وليس مصلحة الفرد، بمعنى أن هلاك الفرد قد يكون محققًا، ولكن هذا في مصلحة المجموع، فهنا لا يلتفت إلى الحفاظ عليه في نظير الحفاظ على الدين عمومًا، أو على الأمة بصفة عامة، أو المصلحة بصفة عامة،

كما سيأتي بعد ذلك عند إعلان الرسول الدعوة بعد ثلاث سنوات، ووجود خطورة حقيقية على النبي صلى الله عليه وسلم، لكن المصلحة العامة للدعوة أن يعلن الدعوة، وكما سيرسل مصعب بن عمير رضي الله عنه إلى المدينة؛ لتعليم أهلها الإسلام رغم المخاطر التي تحيط به في المدينة، واحتمال قتله لأن المسلمين قلة، ويوجد بالمدينة يهود ومشركون، ولكن المصلحة المتحققة أعلى، وهذا من الممكن أن يقال في العمليات الاستشهادية التي نراها في فلسطين وفي غيرها، لأن هلاك الفرد فيها محقق، ولكن المصلحة أعلى، والمرجعية في كل ذلك كما ذكرنا لرأي القائد والشورى وليس لرأي الفرد لئلا يدخل الهوى، مع العلم أن الهوى أحيانًا يكون في الهلكة، بأن ييأس الإنسان من ظلم الظالمين أو غلبة الكافرين، فيسارع بقتالهم أو إظهار نفسه في مكان ووقت لا يسمحان بذلك، قد يكون ذلك هوى في قلب الإنسان بينما تأمر الشورى بالحفاظ على النفس، فالرجوع إلى الشورى أو إلى قائد المسلمين أمر في غاية الأهمية.


إذن الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون في الثلاث السنوات الأولى كانوا لا يتحدثون بالإسلام إلى الناس إلا سرًا، يختارون رجلًا من الناس يتحدثون إليه بأمر هذا الدين
كيف كان يتم هذا الاختيار؟

ما القواعد التي كان المسلمون يختارون على أساسها رجلاً دون الآخر؟

ولماذا يذهب المسلمون مثلاً لدعوة عثمان بن عفان، ولا يذهبون بالدعوة إلى الوليد بن المغيرة أو أبي جهل أو أمية بن خلف؟

بالنظر في حال السابقين الذين تم اختيارهم نجد قاعدتين مهمتين للاختيار كان يعتمد عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه، والمخالفة لهاتين القاعدتين كانت قليلة جدًّا.

القاعدة الأولى: خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا

كان الاختيار يقع على أصحاب الأخلاق الحسنة والخلال الحميدة، الذين يعظمون الصدق والأمانة والكرم والشجاعة والعدل، ومكارم الأخلاق بصفة عامة، بهؤلاء بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم،
ماذا الذي حدث في اليوم الثاني من نزول الأمر بالإبلاغ؟
لقد تكلمنا عن إسلام السيدة خديجة وزيد بن حارثة وعلي بن أبي طالب وأبي بكر الصديق في أول يوم رضي الله عنهم أجمعين.

في اليوم الثاني بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون الأوائل يتحركون من جديد بالدعوة لانتقاء عناصر جديدة.

الحق أن الصديق رضي الله عنه كان إيجابيًّا بدرجة لا يمكن وصفها ولا تخيلها، الصديق رضي الله عنه تحرّك بالدعوة وكأنها أنزلت عليه هو، لم تكن الدعوة عنده مجرد تكاليف من الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن هو الحب للإسلام الذي ملأ قلب الصديق رضي الله عنه، وحبه لحمل الخير لكل الناس، وفي نفس الوقت حبه هو لكل الناس.

نتج عن حبه للدين وحبه للناس حماسة دعوية على أعلى مستوى تصل إليه من التفكير، وظل الصديق على هذه الروح في حمل الرسالة إلى أن مات رضي الله عنه، وظل يحمل هم الدعوة، ويتحمل مسئولية الإسلام، وكأنه ليس على الأرض مسلم غيره، إيجابية قصوى.

في أول تحرك للصديق رضي الله عنه أتى للإسلام بمجموعة رائعة من المسلمين الجدد، وقِفْ مع كل اسم لحظة، أو لحظات لتعرف بلاءه في الإسلام ونصرته لدين الله عز وجل، لقد أتى الصديق بعثمان بن عفان، وتفكر في سيرة عثمان رضي الله عنه وأرضاه، مجهز جيش العسرة، ومشتري بئر رومة، وموسع المسجد النبوي، تفكر في خلافته للمسلمين اثني عشر عامًا، تفكر في حياة فيها إنفاق، وفيها علم، وفيها جهاد، وفيها صيام، وفيها قيام، وفيها قراءة للقرآن، فعثمان بن عفان رغم كل هذه الأعمال حسنة من حسنات أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه.

- الزبير بن العوام.

- سعد بن أبي وقاص.

- طلحة بن عبيد الله.

- عبد الرحمن بن عوف. رضي الله عنهم أجمعين.

من المؤكد أن أغلب المسلمين يعرفون قدرهم، وما قدموه للإسلام، وهؤلاء الخمسة من العشرة المبشرين بالجنة، وكلهم في ميزان حسنات أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه.

الحدث فعلاً عجيب، فهؤلاء لا يغيرون شيئًا بسيطًا في حياتهم، لا يغيرون طعامًا أو شرابًا، لا يغيرون وظيفة أو سكنًا، إنما يغيرون ديانتهم، يغيرون عقيدتهم، يغيرون أمرًا استمرت به مكة مئات السنين، يسبحون ضد التيار،

أي قوة إقناع كانت عند الصديق حتى يقنع هؤلاء الخمسة بأمر الإسلام؟!

أي صدق كان في قلب الصديق حتى يهدي الله عز وجل هؤلاء الخمسة العظام على يده رضي الله عنه؟!

والغريب أن هؤلاء الخمسة لم يكونوا من قبيلته (بني تيم) باستثناء طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه.

عثمان أموي، والزبير أسدي، وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف من بني زهرة، من المؤكد أن علاقات الصديق كانت قوية جدًّا، ووثيقة جدًّا بهؤلاء قبل الإسلام، من المؤكد أنهم كانوا يحبونه حبًّا عظيمًا، فالخطوة الأولى في الدعوة كما ذكرنا سابقًا هي الحب.

ثم أيضًا نظرة على الأعمار:

- الزبير بن العوام خمس عشرة سنة.

- طلحة بن عبيد الله ست عشرة سنة.

- سعد بن أبي وقاص سبع عشرة سنة.

- عثمان بن عفان ثماني وعشرون سنة.

- عبد الرحمن بن عوف ثلاثون سنة.

كل هؤلاء أخذوا قرار تغيير الدين والارتباط بالإسلام وتحمل المشاق ومواجهة أهل مكة جميعًا، أخذوا هذا القرار وهم في هذه السن المبكرة،

الزبير وطلحة وسعد لو كانوا في زماننا لكانوا في المرحلة الثانوية...

هل أولادنا في هذه المرحلة عندهم من الوعي والإدراك، وتحمل المسئولية والقدرة على الفهم والتفكير واستنباط الصحيح من الخطأ، والحق من الباطل مثل الذي كان عند هؤلاء الشباب من الصحابة؟

كثيرًا ما يحزن المرء عند رؤية بعض شبابنا في هذه المرحلة العمرية الثمينة، وقد فرغت عقولهم من كل ما هو ثمين أو قيم، لا تجد فيها إلا بعض الأغاني، وبعض المسلسلات، وبعض المباريات، وبعض قصات الشعر، وبعض ألعاب الكمبيوتر، مع أنهم نشئوا في بيوت مسلمة، وبين آباء وأمهات مسلمين، وربما عاشوا في بيئة إسلامية صالحة، ولم ينشئوا كما نشأ الزبير وطلحة وسعد في بيوت كافرين.

ولست أدري أين الخلل؟ أين تكمن المشكلة؟

لا ننكر أن هناك دورًا كبيرًا يقع على فساد الإعلام وفساد التعليم.

لكن يقع على كاهلنا أيضًا جزء كبير من هذا الأمر، ولعلنا لا نعطي الشباب وقتًا كافيًا من حياتنا، لعلنا نستقل بإمكانيتهم، ونستصغر عقولَهم، ونستقل بأفكارهم.

ودائمًا ما نردد: الولد ما زال صغيرًا...

أكمل المرحلة الثانوية وما زال صغيرًا، وانتهت الجامعة وهو صغير، وقد يتزوج وما زال صغيرًا.

أحيانًا بلوغ العقل عند بعضنا قد يجاوز الأربعين، ولا يعتمد على نفسه، ولا تعتمد عليه أمته إلا بعد أربعين عامًا.

الأمر يحتاج لعدة وقفات، فالشباب هم قوة كامنة، فلو منحوا تربية وجهدا، بإمكانك أن تأخذ منهم كما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم من الزبير وطلحة وسعد وغيرهم من الصحابة.

نحن نحتاج إلى إعادة تنسيق لأفكارنا وترتيب لأوراقنا وتنظيم لأولوياتنا وأهدافنا بعد دراسة السيرة النبوية، نحتاج إلى إعادة نظر، وإلى وقفة مع أبنائنا.

نعود إلى الصديق رضي الله عنه وحركته في سبيل الله، قد نتخيل أن الصديق رضي الله عنه يأخذ قسطًا من الراحة بعد الإنتاج العظيم في يوم واحد، لكن سبحان الله، يبدو أن النشاط يولد نشاطًا، وأن الحركة تولد حركة، وأن العمل يولد عملاً، فالترس الذي لا يعمل يصدأ، في الأيام التالية جاء الصديق بمجموعة جديدة من عمالقة الإسلام، من هم؟

- أبو عبيدة بن الجراح من بني الحارث بن فهر، أمين هذه الأمة حسنة من حسنات الصديق.

- عثمان بن مظعون من بني جمح، من كبار الصحابة ومن أوائل المهاجرين إلى الحبشة.

- الأرقم بن أبي الأرقم من بني مخزوم، ست عشرة سنة.

- أبو سلمة بن عبد الأسد، زوج أم سلمة من بني مخزوم.

وعجيب جدًّا أن يأتي الصديق رضي الله عنه باثنين من بني مخزوم؛ لأن قبيلة بني مخزوم تتنازع لواء الشرف مع قبيلة بني هاشم قبيلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكأنه قد أتى باثنين من عقر دار الأعداء.

كان لدى أبي بكر الصديق رضي الله عنه قوة إقناع كبيرة جدًّا، وكان للصدق في الدعوة مكانٌ كبير في قلب أبي بكر الصديق.

وبعض هؤلاء الصحابة له علاقة مباشرة برسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من الممكن أن يتركهم الصديق لرسول الله صلى الله عليه وسلم،

- الزبير بن العوام هو ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم السيدة صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها.

- وأبو سلمة بن عبد الأسد هو ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم السيدة برة بنت عبد المطلب.

- سعد بن أبي وقاص خال النبي صلى الله عليه وسلم.

لكن الصديق يشعر أن الدعوة دعوته، فهو لا يضيع وقتًا، ولا يضيع فرصة، ومن هنا سبق الصديق.

ولو شعر كل واحد منا بأن هذا الدين هو دينه وأنه مسئول عنه، وشعر بالغيرة الحقيقية على دين الإسلام كما شعر بذلك أبو بكر الصديق لاستطاع أن يصل بهذا الدين إلى قلب كل إنسان حتى ولو لم يعرفه.

هذا هو الصديق وهؤلاء هم المخلصون الذين نتشبه بهم، ونقتفي أثرهم.

ولم يترك الصديق رضي الله عنه بيته، فالصديق لا يعاني من المرض الذي يعاني منه كثير من الدعاة، يعلمون الناس الإسلام، ويتركون دعوة أهلهم، وأحوج الناس لهم، والحق تبارك وتعالى يقول في ذلك:

[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا] {التَّحريم:6} .

إنما ذهب الصديق إلى بيته وأدخل في الإسلام أهل بيته فدعا زوجته أم رومان وأولاده أسماء وعبد الله فآمنوا، أما السيدة عائشة فولدت في الإسلام، والابن الأكبر عبد الرحمن تأخر إسلامه إلى عام الحديبية.

- أعتق الصديق غلامه عامر بن فهيرة بعد أن دعاه إلى الإسلام وأسلم.

- دعا الصديق بلال بن رباح رضي الله عنه إلى الإسلام فأجاب، ثم اشتراه وأعتقه في سبيل الله.

حركة دائبة، ونشاط لا يتخلله فتور، هذا هو الصديق رضي الله عنه

منهج التّربية في دار الأرقم
وهنا سؤال من الأهمية بمكان ألا وهو:
ما المنهج الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يربِّي عليه أصحابه في هذه الفترة في دار الأرقم؟

أولاً: كان هذا المنهج صافيًا جدًّا، المصدر الوحيد للتلقي هو القرآن والحديث الشريف لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وبذلك يكون التأسيس متينًا سليمًا نظيفًا صالحًا، لا اضطراب فيه ولا غموض.

ثانيًا: كان المنهج بسيطًا جدًّا، لم تكن هناك تفريعات كثيرة ولا شرائع متعددة.

المنهج النظري
فالمنهج النظري كان يشتمل في الأساس على ثلاثة أمور:
1- بناء العقيدة الصحيحة والاهتمام بالجانب الروحي وتعميق البعد الإيماني، فلا بد أن يعرف المؤمنون في هذه المرحلة ربهم جيدًا، لا بد أن يعرفوا رسولهم، لا بد أن يعرفوا كتابهم، ولا بد أن يعرفوا اليوم الآخر بتفصيلاته.

هذه قواعد أساسية لبناء قاعدة صلبة.

نزلت السور التي تتحدث عن صفات الله عز وجل وقدرته وعظمته وجبروته ورحمته وتتحدث عن كونه وخلقه وإعجازه، الكثير من السور تناول هذا المجال مثل سورة الأنعام، ونزلت السور التي تتحدث عن يوم القيامة بتفصيلاته، مثل سور التكوير والانفطار والانشقاق والقارعة والحاقة والقيامة وق وغيرها، ونزلت السور التي تتحدث عن الجنة والنار مثل الواقعة والدخان والنبأ والرحمن.

2- تعميق القيم الأخلاقية في المجتمع المسلم، وتزكية النفوس، وتطهير القلوب من المعاصي والآثام، وتعظيم مكارم الأخلاق وربطها دائمًا برضا الله عز وجل وبالجنة.

فخرج المسلمون من هذه المرحلة وهم يعظمون الصدق والأمانة والكرم والعدل والمروءة والرحمة والعفة وطهارة اللسان والعين والأذن وكل الجوارح.

وهذه أمور لا تصلح أمة بغيرها، حتى قصر رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوته عليها فقال: "إِنَّمَا بُعْثِتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ".

3- التربية بالتاريخ: قصص السابقين من الصالحين والفاسدين، قصص الأنبياء وماذا فعل معهم أقوامهم، وماذا كان رد فعل المؤمنين، وكيف كانت النتيجة في النهاية.

أمر في غاية الأهمية في هذه المرحلة؛ لأن لله عز وجل سننًا لا تتبدل ولا تتغير، نراها في القديم ونراها في الحديث وستكرر في المستقبل، فدراسة التاريخ تجعلك وكأنك ترى المستقبل، وهي نعمة كبيرة لأهل الدعوة، لذلك نجد أن هذه الفترة، أو الفترة المكيّة عمومًا قد حفلت بالسور المليئة بالقصص مثل الأعراف والشعراء وهود والقصص وسبأ والنمل وغافر وغيرها.

وهو درس لا ينسى لمن أراد أن يبني الأمة بناءً راسخًا.

كان هذا هو الجانب النظري من المنهج النبويّ في تربية الصحابة.

المنهج العملي
أما المنهج العملي فكان يشتمل أيضًا - في رأيي - على ثلاثة أمور رئيسية ومعها أمور أخرى:

1- الصلاة: وهي عمود الدين ومن أقامها فقد أقام الدين ومن هدمها فقد هدم الدين، ومن أوائل أيام الدعوة، والصلاة مفروضة على المسلمين، ولكنها كانت ركعتين قبل الشروق وركعتين قبل الغروب، ولم يتم فرض الخمس صلوات إلا في حادث الإسراء والمعراج في أواخر الفترة المكية.

2- قيام الليل: وهو أمر مهم جدًّا في بناء الداعية الصادق، والمسلم المخلص، لدرجة أن الله عز وجل فرضه على المؤمنين عامًا كاملاً متصلاً، حتى تفطرت أقدامهم، ثم جعله الله عز وجل بعد ذلك نافلة، وهؤلاء الذين أسلموا في العام الأول هم الذين حملوا الدعوة تمامًا على أكتافهم، فمدرسة الليل من أعظم المدارس الإيمانية، وأولئك الذين حملوا الدعوة بعد هذا العام ما كانوا يتركون القيام أبدًا مع أنه قد أصبح نافلة.

3- الدعوة إلى الله: وكانت مهمة جدًّا للتعريف بهذا الدين ولضم أفراد جدد، وكانت مهمة الدعوة ملقاة على عاتق كل المؤمنين، كُلٌّ بحسب الدوائر التي يستطيع أن يصل إليها، وكانوا بالطبع يبدءون بأهلهم، فمعظم المتزوجين جاءوا بزوجاتهم، وبذلك تم بناء الكثير من الأسر المسلمة في أول أيام الدعوة، وكان لهذا الأمر أعظم الأثر في استمرار المسيرة بثبات.

هل استطاعت قريش أن تكتشف أمر الدعوة في تلك الفترة؟

الواقع أنه مع كل الحذر والاحتياط إلا أن قريشًا اكتشفت الأمر، فشاهدت بعض المسلمين يصلون صلاة لم يعتادوها، فعرفت أنهم على دين جديد، شاهد رجل كان يجلس مع العباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم -وكان العباس مشركًا في ذلك الوقت- شاهد الرسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي هو وزوجته السيدة خديجة، فسأله عن ذلك فقال العباس: إنه يزعم أنه يأتيه الوحي من السماء.

وأيضًا شاهد أبو طالب ابنه عليّ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصليان، ولا شك أن هناك بعض القبائل قد شاهدت أبناءها وهم يصلون أو يقرءون القرآن، ولكن سبحان الله، مع كل هذه المشاهدات، ومع كل هذا الإدراك لأمر الإسلام لم تعترض قريش بالمرة في هذه المرحلة، بل لم تعره أي اهتمام، والمرء قد يتعجب لذلك عندما يرى حال قريش بعد ذلك عند إعلان الدعوة، لكن هذا الشيء طبيعي تمامًا، فقريش لا مانع عندها من أن يعبد كل إنسان ربه الذي يريد في بيته، وكانت قريش ترى رجالاً قبل ذلك على هذا المنهج فلا تهتم بهم أمثال أمية بن أبي الصلت وزيد بن عمرو بن نفيل وكانوا من الحنيفيين، أو ورقة بن نوفل وكان نصرانيًّا.

لكن أن يجاهر الدعاة بدعوتهم ويدعون إلى تسفيه الأصنام والقوانين الوضعية التي وضعها أهل مكة وبدلوا كلام الله بها، فهذا ما لا تريده قريش. إن مبدأ قريش الواضح كان "دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله"، أما أن يأتي دين يتدخل في كل صغيرة وكبيرة في منظومة الأرض وفي حياة الإنسان والمجتمع فهذا ما ترفضه قريش بالكلية.

إذن في هذه المرحلة ترك القرشيون المسلمين دون تعليق، ولكن في المرحلة القادمة، وبعد ثلاث سنوات من الدعوة السرية، سيجهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوته في وسط مكة، ويعلن توحيده لله رب العالمين ونبذه للأصنام والأوثان.

تُرى، ما الذي سيفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وما ردُّ فعل أهل مكة؟ وكيف سيحاربون الدعوة؟ وما ردُّ فعل المؤمنين؟



قصة الاسلام الجزء2 Sep

قصة الاسلام الجزء2 3196318_bigthumb
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قصة الاسلام الجزء2
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» [- ۩ -][ وأخيراً ... جميع حلقات مدرسة الحياة للمحدث أبي اسحاق الحويني الجزء2][- ۩ -][
» قصة الاسلام الجزء6
» قصة الاسلام الجزء5
» قصة الاسلام الجزء6
» قصة الاسلام الجزء8

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات حجازة التعليمية :: الركن الدينى :: الحديث الشريف والسيره النبويه-
انتقل الى: