6-هجرة الحبشة الأولى
بعد التعذيب الشديد للمسلمين في أرض مكة وفي بيت الله الحرام، وبعد أن تفرغ الكفار لحرب المؤمنين، كان قد بدا واضحًا أن النية هي الاستئصال، فماذا يحدث لو هلك المؤمنون؟! وماذا يحدث لو هلكت هذه العصبة، وتلك الطائفة الوحيدة التي تعبد الله حق العبادة على الأرض؟!
فكانت مسؤولية ضخمة تقع على عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى عاتق أتباعه، وهي الوصول بهذا الدين إلى أهل الأرض جميعًا؛ مصداقًا لقوله تعالى: [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاًَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ] {الأنبياء: 107}. وكما يقول صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا بُعْثِتُ لَكُمْ خَاصَّةً وَلِلنَّاسِ عَامَّةً".
الوسائل المتاحة والتفكير في أمر الهجرة:هنا وقد اشتد التعذيب بالمؤمنين في مكة وكاد المسلمون أن يستأصلوا بالكلية، يظهر حل عملي لإنقاذ الدعوة من الهلاك كنوع من الأخذ بالأسباب، فقد قام الرسول صلى الله عليه وسلم بتخطيط بشري لإنقاذ الدعوة ولإنقاذ المؤمنين...
كان من السهل الميسور أن ينقذ الله حبيبه وينقذ المؤمنين بكلمة كن، أو ينقذهم بمعجزة خارقة للعادة، لكن هذه ليست سنة الله عز وجل في التغيير، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعلمنا أن نأخذ بأسباب واقعية، هي في يده كبشر، وهي في أيدينا كبشر، فكر رسول الله صلى الله عليه سلم في وسيلة جديدة لمجابهة طغاة مكة، وتكون في ذات الوقت في مقدور المؤمنين في كل الظروف، ولم يكن في مقدور المؤمنين آنذاك أن يقاتلوا المشركين؛ فقد نهاهم الله عز وجل عن ذلك [وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ]{الحجر: 94}. إذن فلتكن الوسيلة الجديدة هي الهجرة، الهجرة من أرض مكة إلى أرض أخرى جديدة ليس فيها تعذيب أو إيذاء، ليس فيها استئصال للدعوة.
كانت هذه خطوة تكتيكية من رسول الله صلى الله عليه وسلم سبقتها إشارات جاءت في القرآن الكريم في هذه الآونة، حيث نزل قوله تعالى:
[لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ]{الزُّمر: 10}.
فأرض الله إذن واسعة، وأعظم قطعة في الأرض هي التي يعبد فيها الله عز وجل، لا تفضلها قطعة أخرى بأنهار أو أشجار، أو بأموال أو بأهل أو عشيرة، إنما الأرض الصالحة الطيبة هي الأرض التي يعبد فيها الله عز وجل، ومن ثم فكر المسلمون في ترك أشرف بقعة على الأرض (مكة) إلى غيرها؛ لأنهم لا يستطيعون أن يعبدوا الله عز وجل كما يريدون، فليكن إذن في غيرها، حيث الأهم أن يعبدوا الله عز وجل دون أن يفتنوا في دينهم.
الهجرة وأصعب قرار كان قرار الهجرة وترك الديار والعشيرة والأموال والأولاد ليس بالأمر الهين، إنما هو قرار في غاية الصعوبة، وإنما هو قرار يحتاج إلى نفوس خاصة، مع الأخذ في الاعتبار أنهم لم يقصدوا بهذه الهجرة تحسين مستوًى أفضل للمعيشة، أو لجمع أموال ليست في بلادهم، أو لتحصيل علم ليس في مدينتهم، أو للعيش في مكان هادئ أو جميل، إنهم يتركون بلادهم وقد استقرت أوضاعهم فيها لولا قضية الدعوة، يتركونها إلى بلد آخر، قد يكون فقيرًا، وقد يكون بعيدًا، وقد يكون حارًّا أو باردًا، وقد يكون مجهولاً، كل هذا لا لشيء إلا لعبادة الله عز وجل.
قرار صعب جدًّا، ولنتخيله بمقاييس الحاضر، رجل يعيش مستقرًّا، في بلد هو الأحب إلى قلبه، في مصر أو المغرب أو تونس أو السعودية أو الإمارات، يعيش في بلد مستقر، وأوضاعه مستقرة ثم هو يقرر أن يهاجر مثلاً إلى الصومال كي يعبد الله عز وجل هناك بعد أن ضُيِّق عليه في بلده. قرار صعب جدًّا، فلو كان سيهاجر إلى بلد أعظم رفاهية أو أكثر أموالاً لكان هذا سهلاً، لكن أن يهاجر إلى بلد لا تهفو النفوس إليها عادةً، فهذا يحتاج إلى جهاد للنفس عظيم.
ومن هنا عظَّم الله كثيرًا من أجر الهجرة عندما تكون في سبيله، فقال تعالى: [وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ]{الحج: 58، 59}.
لقد هاجر المؤمنون ليس سعيًا وراء الرزق، بل إن ظاهر الأمر أنهم سيفتقدون الرزق؛ وذلك لأنهم سيتركون أعمالهم ويهاجرون إلى بلد قد لا يتوافر فيه العمل المناسب، وهنا يعدهم الله عز وجل بالرزق الحسن في الجنة، فعلى أسوأ الفروض في حسابات البشر أن هؤلاء المهاجرين سيقتلون أو يموتون، ووعدهم الله عز وجل - ووعده الحق - أنهم لو قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقًا حسنًا، إضافةً إلى أنه قد عُلم عند المؤمنين أن رزقهم في الدنيا لا ينقص، ستأتيهم أرزاقهم رغمًا عنهم، في بلدهم أو في خارجها، في عمل أو في آخر [وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ] {الذاريات: 22}.
الهجرة حفاظ على الدعوة أم حفاظ على الدعاة؟
في قرار الهجرة قد يثار سؤال مهم، مفاده: هل قرر المسلمون الهجرة للحفاظ على الدعوة أم للحفاظ على الدعاة؟ فهل يُضحَّى بالدعوة من أجل الحفاظ على الدعاة أم يُضحى بالدعاة من أجل الحفاظ على الدعوة؟
وواقع الأمر أن أكثر ما يهم المؤمن في حياته إنما هو الدين، حيث إنه المقصد الأول من مقاصد الشريعة التي جاء الشرع لحمايته، ومن أجل الدين يُضحى بكل شيء، والمؤمنون يبذلون أرواحهم للدفاع عن الدين، لكنهم لا يبذلون دينهم للحفاظ على أرواحهم، بل إن الله عز وجل حث المؤمنين على بذل أرواحهم حفاظًا على دينهم فقال: [إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ] {التوبة: 111}.
وقال أيضًا: [فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا] {النساء: 74}.
ومن هنا فقد كان السبب الأول في الهجرة التي قررها رسول الله صلى الله عليه وسلم هو حماية الدعوة، وهذا يعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يجعل للدعوة محضنًا آخر غير مكة، حتى إذا استُؤصل الدعاة من مكة تكون ما زالت هناك طائفة أخرى وفي مكان آخر لاستمرار طريق الدعوة. فكان من الحكمة إذن أن يكون للدعوة أكثر من مركز وأكثر من مكان؛ حتى إذا أغلق واحد منها استمر الآخر وظل في عمله، وكما يقولون: لا تضع بيضك كله في سلة واحدة.
فلم يكن السبب الأول في الهجرة إذن هو الحفاظ على أرواح الدعاة، وإن كان هذا من الأهمية بمكان، ويؤيد هذا الرأي الملاحظات التالية:
الملاحظة الأولى: أن أمر الهجرة كان لفئة خاصة من المؤمنين.
فلقد طُلبت الهجرة من القرشيين ولم تطلب من العَبِيد، أو من الذين كانوا عبيدًا، وقد هاجر الذين يتمتعون بعصبية وقبلية تستطيع أن توفر لهم الحماية، هاجر الأشراف أصحاب المنعة ولم يهاجر الموالي المستضعفون، ولو كان الهدف الأول حماية الأرواح لكان الأولى أن يهاجر هؤلاء الضعفاء، وإن هذا ليجرنا إلى سؤال آخر وهو: لماذا هاجر الأشراف دون البسطاء؟! ولماذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأشراف بالهجرة ولم يأمر العبيد؟!
1- لأن هذا أدعى لحمايتهم؛ فأمر الهجرة أمر جِدُّ خطير، وقد تطارد مكة فوج المهاجرين، وفي لحظات من الغضب والغيظ قد يتهور أهل مكة ويقتلون المهاجرين المطاردين، خاصة إذا كانوا عبيدًا، أما إذا كانوا من الأشراف فإن عملية الهجرة تصبح أقل خطورة من سابقتها؛ حيث إنه لو تم الإمساك بهم فسيحملونهم حملاً إلى مكة، ولن يفكروا أبدًا في قتلهم؛ وذلك لمنعة قبائلهم.
2- أن الأشراف هؤلاء سيكونون أقدر على التأثير في أهل البلد الذي سيهاجرون إليه؛ إذ إنه قد اقتضت طبيعة البشر أنه إذا تكلم الشريف سمعوا له وأنصتوا، وإذا تكلم الضعيف لم يؤبه له، وكان الغرض هو إيصال كلمات الدعوة إلى آذان البلد المضيف، وعرض هذا الأمر بأفضل صورة ممكنة، وفي هذه الحالة أيضًا سيستقبل المهاجرون على أنهم وفد سياسي معارض لسياسة مكة، بدلاً من أن يستقبلوا كمجموعة من العبيد الآبقين من أسيادهم.
3- أن هجرة الأشراف هذه ستؤدي إلى هزة اجتماعية خطيرة في مكة؛ فمثل هذه الهجرة ستفيق أهل مكة على خطورة أفعالهم، فهؤلاء المؤمنون المطاردون هم خيرة أهل البلد، وهم من أكثر الناس سعيًا لإصلاحها، وهم أيضًا من أعرق البيوت، ومن أشرف الناس، ثم ها هم يغادرون البلد لأنهم لم يجدوا فيها أمانًا، فما أبشع فعل أهل الباطل هذا، وما أشنع الجريمة، أهؤلاء هم الذين يطردون؟! أهؤلاء هم الذين يفتنون في دينهم؟!
ومن هنا تكون هجرة الأشراف - ولا شك - صدمة قوية لأهل مكة، قد ينتبهون على أثرها إلى خطئهم الفادح في حق المهاجرين وفي حق بلدهم، أما إنه إذا كان قد هاجر المستضعفون فرد الفعل هو: لا ضير، أليسوا عبيدًا تركوا البلد، فلنأتِ بعبيد آخرين، وهذا ما كان سيفكر فيه الطغاة، ضاربين عرض الحائط اعتبار الآدمية والإنسانية، وبهذا يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد دفع المشركين دفعًا إلى تحريك عواطفهم ومشاعرهم لإدراك مدى الجريمة التي يفعلونها مع المؤمنين في صدهم عن دين الله.
الملاحظة الثانية: طول الفترة التي قضاها المهاجرون في بلد الهجرة.
ومما يؤكد على أن الهجرة إنما كانت لحماية الدعوة هو الفترة التي قضاها المهاجرون في مهجرهم، ولننظر: متى عاد المهاجرون من الحبشة إلى الصف المسلم من جديد؟ هل عادوا في فترة مكة، أم عادوا في فترة المدينة؟
والواقع أن المهاجرين مكثوا في الحبشة حوالي خمس عشرة سنة متتالية، ولم يعودوا إلا بعد أن اطمأنُّوا إلى زوال خطر استئصال الدعوة، فقد هاجر المسلمون هجرتهم الأولى إلى الحبشة في شهر رجب من العام الخامس من البعثة، ثم عادوا سريعًا إلى مكة بعد ثلاثة أشهر كما سيأتي بيانه، ثم هاجروا من جديد هجرتهم الثانية إلى الحبشة في السنة السابعة من البعثة، وقد مكثوا فيها طيلة اثنتي عشرة سنة كاملة، ولم يرجعوا إلا بعد غزوة خيبر.
وقد مرت في هذه الأثناء أحداث في غاية الأهمية والخطورة على المسلمين، ومرت أحداث عظيمة جدًّا في بناء الأمة الإسلامية، ورغم ذلك لم يرجع المهاجرون من الحبشة، ولم يكن ذلك اجتهادًا منهم، بل كان بأمر من قيادة المسلمين المتمثلة آنذاك في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت قد مرت الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة، وكان قد مر تأسيس الدولة الإسلامية، وكان البناء صعبًا جدًّا، وكان عدد المسلمين آنذاك قليلاً، وهم في الحبشة قد تجاوزوا الثمانين (كان عدد المهاجرين في بدر هو تقريبًا نفس عدد المهاجرين في الحبشة تجاوز الثمانين بقليل، ومع ذلك لم يطلبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم) ثم مرت الغزوات العظام، مرت بدر، ثم بنو قينقاع، ثم أُحد، ثم بنو النضير، ثم الأحزاب، ثم بنو قريظة، ثم الحدث الكبير والمهم في مسيرة الدولة الإسلامية وهو صلح الحديبية، ولم يطلبهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لماذا الحبشة؟مما سبق يتضح أن الهجرة إلى الحبشة كانت لإنشاء مركز جديد للدعوة، يضمن لها الاستمرارية والبقاء، وكانت وسيلة جديدة في مواجهة أساليب البطش في أرض مكة، لكن السؤال الآن: لماذا اختار رسول الله صلى الله عليه سلم الحبشة بالذات ليهاجر إليها المسلمون؟!
إن الرسول صلى الله عليه وسلم - ولا شك - قد فكر كثيرًا في المكان الذي يمكن أن يرسل إليه المسلمين، ولعل أقرب الأماكن التي بدرت إلى ذهنه صلى الله عليه وسلم هو أن يرسلهم إلى إحدى قبائل الجزيرة العربية الكثيرة.
لقد كان في جزيرة العرب تجمعات قبلية كبيرة وكثيرة، فكانت هناك ثقيف في الطائف، وهوازن في حنين، وبنو حنيفة في شرق الجزيرة، وعبس وذبيان في شمال المدينة، وغيرها كثير مثل غطفان وبني بكر وبني عامر، وهذه القبائل لها الميزة والأولوية في كونها تعيش في ظروف مقاربة تمامًا لظروف المسلمين في مكة؛ ومن ثم فلن يشعر المسلمون بتغير كبير في طبيعة الحياة، وهذا بالإضافة إلى كونهم يتكلمون العربية، وقرب مكانهم من مكة؛ وعليه فإنه إذا احتاج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المسلمين فإنهم ما يلبثون أن يقدموا سريعًا، لكن العقبة في هذا التوجه كانت تكمن في أن هذه القبائل جميعها مشركة، وهي وإن لم تعلن العداء السافر للمسلمين إلا أنها كلها كانت تعظّم قريشًا، وعلى هذا فإنه إذا طلب القرشيون المسلمين فلن تتردد مثل هذه القبائل أن تدفع المسلمين إليهم، إذن فلم يكن هذا الخيار صائبًا.
ولعل الرسول صلى الله عليه وسلم قد فكر في يثرب - المدينة المنورة - لكن يثرب في هذه الآونة لم يكن بها مسلم واحد، كما أنها بلد متقلب جدًّا، حيث الحروب ما زالت على أشدها بين الأوس والخزرج، كما أن اليهود ومنذ زمن بعيد يسكنون هذه البلاد، وكان تاريخهم فيها وفي غيرها لا يبشر بخير.
ولعله صلى الله عليه وسلم فكر في العراق أيضًا، حيث القبائل العربية الكثيرة التي تعيش في هذه المناطق، مثل بني شيبان وغيرها، لكن هذه القبائل - إضافةً إلى كونها مشركة - كانت على ولاءٍ شديد وتحالف مع الفرس، وعادة ما يكره الملوك الدعوات الإصلاحية، فلم يكن كسرى فارس ليرحب بمثل هذا القدوم للمسلمين.
ولعل الرسول صلى الله عليه وسلم أيضًا قد فكر في الشام، حيث القبائل العربية مثل قبائل الغساسنة، لكنها وعلى الجانب الآخر كانت موالية للروم، ولن ترحب أيضًا باستقبال هذه الدعوة الجديدة.
ولعله كذلك صلى الله عليه وسلم قد فكر في مصر، لكن مصر وبرغم أن بها ملكًا معتدلاً وهو المقوقس إلا أنها كانت محتلة من قِبل الرومان ولا تملك من أمرها شيئًا.
ولعله أيضًا صلى الله عليه وسلم قد فكر في اليمن، لكن اليمن أيضًا كانت محتلة من قِبل فارس، ولن يقبل الفرس بقدوم المسلمين...
لا شك أنه صلى الله عليه وسلم قد فكر في كل هذه الأماكن؛ لأنها قريبة ومنطقية، وغالبها عربية باستثناء مصر، لكنه صلى الله عليه وسلم لم يجدها مناسبة، وهنا بزغ في ذهنه صلى الله عليه سلم الاختيار الأخير، الذي بدا اختيارًا عجيبًا في نظر الكثيرين، حتى في نظر المعاصرين له صلى الله عليه وسلم وهذا الاختيار هو الحبشة، وكان اختيار الحبشة اختيارًا عجيبًا حقًّا، وهو إن دل على شيء فإنه إنما يدل على سعة اطلاعه صلى الله عليه وسلم وعلى حكمته في ذات الوقت، فرغم أن بالحبشة بعض العيوب الملموسة، إلا أن مزايا اختيارها كانت تفوق عيوبها كثيرًا.
وقد كان من أهم عيوب اختيار الحبشة هو أنها بعيدة عن مكة، ومن ثم فقد تصعب عملية الاتصال أو المراسلات، كذلك أيضًا كان من هذه العيوب اختلاف لغتها (لغة الحبشة) عن لغة المهاجرين؛ حيث لم يكونوا يتكلمون العربية، وأيضًا كانت العادات والطبائع لأهل الحبشة مختلفة كثيرًا عن عادات وطبائع العرب والجزيرة العربية؛ مما قد يؤدي إلى صعوبة نسبية في الحياة هناك، كانت هذه هي عيوب اختيار الحبشة مكانًا لهجرة المسلمين، لكن إذا نظرنا إلى مزايا هذا الاختيار كمكان للهجرة نجد ما يلي:
أولاً: عدل حاكم الحبشة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "لَوْ خَرَجْتُمْ إِلَى الْحَبَشَةِ؛ فَإِنَّ بِهَا مَلِكًا لاَ يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ". فلم يعلق رسول الله صلى الله عليه وسلم على شيء في حياة هذا الرجل ولا دينه، إنما فقط علق على عدله.
وما حدث للمسلمين في مكة كان نتيجة ظلم بيّن من أهل مكة، والظالم لا ينظر ولا يهتم ولا يكترث بحقوق غيره، أما النجاشي ملك الحبشة فقد كان عادلاً؛ وهو بذلك يحفظ حقوق الآخرين بصرف النظر عن ديانتهم، بل بصرف النظر عن حبهم وكراهيتهم، حيث العدل من أُسس الحكم، وبغيره لا تستقيم الدنيا، وبدونه لن ينجو الإنسان في الآخرة.
وكان من سعة أفق الرسول صلى الله عليه وسلم وشمول نظرته وعمق تفكيره أن اختار البلد الذي يحكمه حاكم عادل، فضمن بذلك حماية كبيرة لأصحابه، وهو درس للدعاة في أن يستفيدوا من الذين يتصفون بالعدل من الناس، وأن يطلعوا على أحوال البلاد المحيطة بهم حتى في زمان الاستضعاف؛ فقد يكون من الفائدة أن يستعينوا برجل من هؤلاء بصرف النظر عن ديانتهم أو توجهاتهم، وكانت تلك من المميزات الرئيسية في اختيار الحبشة.
ثانيًا: أهل الحبشة هم أهل كتاب
فقد كان المسلمون يشعرون بقرب من النصارى؛ حيث إنهم أهل كتاب أيضًا، وقد ظهر ذلك جليًّا في تعاطف المسلمين مع الروم في حربهم ضد فارس الوثنية، وقد شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون أن قلوب النصارى ستكون أقرب إلى الدعوة من غيرهم، وسبحان الله! فقد نزل القرآن بعد ذلك بسنوات عديدة مؤكدًا لهذه المعاني، فقال سبحانه وتعالى:
[لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ] {المائدة: 82}.
ومع الأسف؛ فإن معظم النصارى في أرض الحبشة في ذلك الوقت كانت لهم اعتقادات منحرفة؛ وذلك نتيجة التحريف في التوراة والإنجيل، لكن كان بعضهم ما يزال صحيح الاعتقاد، وكان النجاشي رحمه الله من هؤلاء، وقد أفاد هذا كثيرًا كما سنرى في التعامل مع المهاجرين المسلمين.
ثالثًا: الحبشة بعيدة عن مكة
ومع أن هذا يعدّ عيبًا؛ لأن البعد عن مكة يجعل الاتصال بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين المهاجرين صعبًا وشاقًّا ومكلفًا إلا أنه في ذات الوقت يوفر جانبًا كبيرًا من الأمن للمهاجرين بعيدًا عن بطش أهل الباطل في مكة وما حولها من الأماكن التي يمتد إليها نفوذهم.
رابعًا: الحبشة بلد مستقل
كانت الحبشة مملكة مستقلة ليس لأحد عليها سلطان، ورغم أنها كانت تتبع الكنيسة المصرية في الإسكندرية، إلا أن هذه التبعية كانت تبعية دينية وليست سياسية، فليس هناك خطورة إذن من أن يملي قيصر الروم أو كسرى فارس أو غيرهم رأيًا على أهل الحبشة.
خامسًا: الحبشة بلد قوي في المنطقة وعليها ملك عظيم
فقد كان للحبشة اسم قوي في ذاك الزمن، وكان أهل مكة يعظمون ملكها كثيرًا، وكان بينهم وبينه سفارات ومراسلات وهدايا، ومثل هذا الأمر كان من الممكن أن يكون عيبًا لكن في حال إذا كان ملك الحبشة ظالمًا، أما وإن اتصف بالقوة والعظمة مع العدل فهذا يوفر حماية كبيرة وأكيدة للمهاجرين...
وإن هذا ليضع على عاتق قريش أن تفكر ألف مرة قبل أن تقدم على غزو الحبشة لمطاردة المهاجرين منها كما فعلت بعد ذلك في المدينة في غزوة الأحزاب، فكانت قوة الحبشة وقوة ملكها إضافة إلى حاجز البحر وبُعد المسافة من العوامل المهمة التي تحول دون هذا التفكير في الغزو، وكان أقصى ما يمكن أن تفعله قريش هو أن ترسل سفارة رسمية تطلب فيها تسليم المهاجرين، وإن كان الملك عادلاً فإنه - ولا شك - سيرفض تسليم زوّاره وضيوفه.
سادسًا: الحبشة بلد تجاري وصاحب قوة اقتصادية
كانت الحبشة في ذلك الوقت ذات قوة اقتصادية معقولة، ولا يخشى عليها من حدوث أزمات اقتصادية، وذلك نتيجة قدوم المهاجرين، وهذا - ولا شك - سيعمل على توفير الأمان والاستقرار للمؤمنين، وفي ذات الوقت فلن يغير من نفسيات أهل الحبشة؛ فهم لم يشعروا بأزمة تذكر نتيجة هجرة المسلمين إليهم.
لهذه الأسباب مجتمعة - وقد يكون لغيرها - كان اختيار الحبشة اختيارًا موفقًا جدًّا، وقد بدأ المهاجرون بالفعل يتجهون إلى هناك، ليبدأ ما يسمى في السيرة بالهجرة الأولى إلى الحبشة.
وقفتان غاية في الأهمية بعد هذا الاختيار السابق أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر مؤمنًا بالهجرة إلى الحبشة، عشرة رجال وأربع نسوة وكانت النسوة أزواج أربعة من المهاجرين، فكانت هذه هي الطليعة الأولى من المهاجرين، وأمام هذه الطليعة نود أن نقف وقفتين في غاية الأهمية.
الوقفة الأولى: مَن أول من هاجر من المسلمين؟!
في مطالعة للأسماء التي هاجرت، كان الاسم الأول هو: عثمان بن عفان الأموي رضي الله عنه وزوجته السيدة رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويا لهذا من موقف وتعبير، وإن لهذا الأمر أبعادًا عظيمة تجعل بل تزيد من التأكيد أن أعمق وسيلة من وسائل التربية هي وسيلة التربية بالقدوة، فلقد أصدر رسول الله صلى الله عليه وسلم أوامره بالهجرة وترك الديار، ثم لم يعزل نفسه صلى الله عليه وسلم ويجعلها بمنأى عن الأذى من جراء هذه الهجرة، وها هي ابنته السيدة رقية، حبيبة قلبه، وقطعة من جسده، تهاجر إلى الحبشة مع المهاجرين، بل تسبق المهاجرين، وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يذوق ألم الفراق كما يذوقه أصحابه من المؤمنين.
إن من المستحيل أن يتأثر الجنود بقائدهم إلا إذا شعروا أنه معهم في خندقهم، فما أسهل أن تأمر بالتقشف! وما أسهل أن تأمر بالإخلاص! وما أسهل أن تأمر بالتضحية! وما أسهل أن تأمر بالجهاد! وما أسهل أن تأمر بالهجرة! بل ما أسهل أن تأمر بالموت! لكن ذلك كله لن يتأثر به أحد إلا إذا قُرن بعمل، وها هي التربية بالقدوة رسالةٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كل قائد: إذا أردت أن تملك قلوب شعبك وأتباعك فانزلْ إليهم، وعشْ معهم وخالطهم، افرح بما به يفرحون، وتألم مما منه يتألمون، شاركهم في طعامهم وشرابهم وسفرهم وسعيهم وقتالهم، عندئذ اعلم أنك امتلكت قلوبهم.
وقد كان الاسم الثاني في هذه الهجرة أيضًا من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه: جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم الهاشميّ القرشي الشريف، حيث هاجر هو وزوجته السيدة أسماء بنت عميس رضي الله عنها. وكذلك كانت بقية الأسماء التي هاجرت، كان غالبيتها من بيوتات الشرف والمكانة والمنعة في مكة، فكان منهم:
عبد الرحمن بن عوف من بني زهرة، والزبير بن العوام من بني أسد، وأبو سلمة بن عبد الأسد من بني مخزوم، وأبو حذيفة بن عتبة من بني عبد شمس، ومصعب بن عمير من بني عبد الدار، وعثمان بن مظعون من بني جمح، وهكذا.
الوقفة الثانية: المسلمون وأسباب نجاح الهجرة
المطلع على حال الهجرة يَرى أن المسلمين قد أخذوا بكل الأسباب الممكنة لضمان نجاح عملية الهجرة التي هي في أيديهم، فعملوا على ما يلي:
أولاً: خرج المسلمون في سرية كاملة، ولم يُعلموا أحدًا بهجرتهم.
ثانيًا: لم يخرجوا مجموعة واحدة، بل خرجوا متفرقين حتى لا يلفتوا الأنظار إليهم.
ثالثًا: ولضمان عدم الاختلاف ولتوحيد الصف اختار لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أميرًا عليهم من أنفسهم، اختار لهم عثمان بن مظعون رضي الله عنه.
رابعًا: التنوع الملموس من قبائل مكة، فقد أخرج الرسول صلى الله عليه وسلم من كل قبيلة رجلاً؛ وبذلك فلن تستطيع مكة أن تتحزب ضد قبيلة معينة، وأصبح الموقف صعبًا جدًّا عليهم، وكانت هذه هي الخطة نفسها التي استعملها بعد ذلك أبو جهل عند محاولته قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هجرته إلى المدينة؛ وذلك ليتفرق دمه صلى الله عليه وسلم بين القبائل.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنه سوف يكون لهذا الوفد - الذي يضم خليطًا من قبائل مكة - تأثيرٌ واضح على ملك الحبشة، وكأنه يمثل سفارة رسمية تمثل شعب مكة، ومن ثم فلا يخطر على ذهن النجاشي أن هذه حركة قبائلية بحتة، إنما يعلم أنها دعوة دينية أخلاقية، لا تفرق بين قبيلة وأخرى، وهذا سيكون أدعى لرد كيد قريش إذا حاولت أن تكيد للمسلمين عند ملك الحبشة.
تخطيط وإبداع في الهجرة فعله صلى الله عليه وسلم وأخذ فيه بكل الأسباب المادية؛ وذلك حتى يعلمنا كيف نسير على دربه وعلى طريقه صلى الله عليه وسلم. وبعد أن أخذ المسلمون بكامل الأسباب وخرجوا من مكة خفية، واجتمعوا عند ساحل البحر.
مع كل هذا، وسبحان الله! استطاع أهل مكة أن يعرفوا وجهتهم ويلحقوا بهم، وهكذا؛ فحرب الحق والباطل ليس لها نهاية إلى يوم القيامة، وعند هذا الحد كان من الممكن أن تجهض محاولة الهجرة تمامًا، لكن المسلمون ابتهلوا إلى الله عز وجل أن ينجيهم مما لحق بهم، وفي هذه اللحظة وجدوا سفينتين في البحر متجهتين إلى الحبشة، فركبوا فيهما وانطلقوا باسم الله في وسط البحر، ولم يستطع المشركون أن يلحقوا بهم، لقد استنفد المسلمون ما في وسعهم وأخذوا بكامل الأسباب، ورغم ذلك أدركهم المشركون، تُرى لماذا أدركوهم؟!
الحق أن المشركين لحقوا بالمسلمين ليلجأ المسلمون إلى الله، وليعلموا أن الأخذ بالأسباب لا ينفع إلا إذا أراد الله عز وجل، وليدركوا حق الإدراك أن الكون كله بيد الله يُصرّفه كيف يشاء.
مكة وأحداث ما بعد الهجرة:
كما توقع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصل المسلمون بأمان إلى أرض الحبشة، واستقبلهم النجاشي خير استقبال، وجلسوا عنده في أكرم دار، ولم يلقوا عنتًا ولا إيذاءً ولا مشقة، وقد مرت الأيام والشهور، ثم حدث في مكة أمور عظام، وأحداث في ظاهرها بسيطة لكنها محطات تغيير مهمة، لا نقصد تغيير أوضاع مكة فقط، بل وتغيير خريطة العالم بعد ذلك، فماذا حدث في مكة؟
أولاً: آمن حمزة بن عبد المطلب - رضي الله عنه - عم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: بعد إسلام حمزة بثلاثة أيام فقط آمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وستحمل الأيام مفاجآت عظيمة لأهل الأرض جميعًا، يرون فيها كيف أن هذا الرجل الذي آمن في هذه البلدة الصغيرة (مكة) سيوجه جيوش المؤمنين ليكسر شوكتي فارس والروم، وليوحد أطراف العالم في خلافة واحدة تحت ولاية خليفة واحد، آمن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مكة، وبعد إسلامه حدثت تغييرات جذرية في سياسة المؤمنين، سنفصلها لاحقًا بمشيئة الله، ونعلق هنا فقط على ما كان له من أهمية في قضية الهجرة إلى الحبشة.
تداعيات إسلام حمزة وعمر رضي الله عنهما على مهاجري الحبشة:
ما إن آمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى ظهر الإسلام في مكة، وأعلن كثير من المسلمين إسلامهم بعد أن أذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر رضي الله عنه". وقد قَلّ إلى حد كبير التعذيب الوحشي التي كانت تقوم به قريش للمؤمنين.
وعاش المسلمون في مكة لحظات عظيمة من السعادة لم تمر بهم منذ زمن طويل، سعادة بإسلام البطلين العظيمين الجليلين، حمزة بن عبد المطلب وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وسعادة بالإحساس بالأمان النسبي والذي شعر به المسلمون للمرة الأولى منذ أكثر من خمس سنوات، وسعادة بشعور العزة والفخر بهذا الدين وأتباعه. وما إن طارت أنباء هذه السعادة إلى الحبشة حتى تواصلت قلوب المؤمنين في الحبشة مع قلوب المؤمنين في مكة، وشعروا معهم بنفس السعادة التي شعروا بها، الأمر الذي زادهم حنينًا في العودة إلى أرض الوطن، وإلى أرض الأجداد والعشيرة، وإلى الكعبة والبيت الحرام والبلد الحرام، شعر المسلمون في الحبشة أنه في هذا التوقيت ستكون عودتهم ممكنة وسيكون الرجوع قريبًا.
ومع هذا الحدث العظيم - حدث إسلام البطلين حمزة وعمر رضي الله عنهما - تزامن حدث آخر عجيب في مكة وفي ساحة البيت الحرام، وكان في رمضان في السنة الخامسة من البعثة، فقد كان من أساليب الكافرين لمنع الناس من التأثر بكلام الله عز وجل أن يمنعوا أنفسهم من السماع أصلاً؛ لأنهم يعلمون أنه لو سمع أحدهم القرآن فقد يؤمن به، قال تعالى: [وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ] {فصِّلت: 26}. لكن الذي حدث في رمضان في السنة الخامسة من البعثة هو أن المشركين كانوا مجتمعين في البيت الحرام، وكان معهم المؤمنون أيضًا، وكان معهم رسول الله صلى الله عليه سلم، وقد شاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الجمع الكبير من الناس (من الكافرين والمؤمنين)، فوقف فيهم ومُفاجِئًا لهم بدأ يقرأ سورة من سور القرآن الكريم، فقرأ عليهم سورة النجم كاملة:
[وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (
فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى] {النَّجم: 1- 12}.
وقد أُخذ المشركون بروعة الآيات والكلمات، وقد بُهروا بهذا الكلام الغريب العجيب، الذي لا يقدر عليه بشر، فلم يحركوا ساكنًا، ونزلت الآيات كالقوارع على قلوبهم، خرست الألسنة، وتسمرت الأقدام، وتعلقت العيون برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يكمل قراءته بصوته العذب، حتى إنه بدأ يقرأ آيات تُسفّه أصنامهم وآلهتهم المزعومة:
[أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22) إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى] {النَّجم: 19- 23}.
ومع أن الآيات تهين آلهة قريش وتحقر من شأنها إلا أن المشركين لم ينبسوا بكلمة واحدة، بل ظلوا يستمعون القرآن مبهورين انبهارًا كاملاً، وأكمل رسول الله صلى الله عليه وسلم السورة بكاملها، وحين وصل إلى آية السجدة:
[أَزِفَتِ الآَزِفَةُ (57) لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللهِ كَاشِفَةٌ (58) أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61) فَاسْجُدُوا للهِ وَاعْبُدُوا]{النَّجم: 57- 62}.
سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد المؤمنون معه، لكن المفاجأة الكبرى أن المشركين أيضًا لم يستطيعوا أن يمنعوا أنفسهم من السجود لله رب العالمين، سجدوا جميعًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد طارت قلوبهم وذهلت عقولهم، ثم قاموا بعد السجود وقد أرعبتهم المفاجأة، لقد لمس الإيمان قلوبهم لحظة، ثم ما لبثوا أن نكسوا من جديد على رءوسهم متعجبين: ماذا فعلنا؟! [وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظصلى الله عليه وسلمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ]{النمل: 14}.
وقد اجتمع المشركون في مكة ممن لم يحضر المشهد في البيت الحرام، وأخذوا في إلقاء اللوم والتأنيب على المشركين الذين سجدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأُسقط في يد المشركين، ولم يدركوا ماذا يفعلون، ثم غلب عليهم شيطانهم وأوحى إليهم أن يفتروا الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما كان منهم إلا أن أشاعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قرأ آيات معينة تعظم من شأن اللات والعزى، ولذلك لما جاءت آية السجود سجدوا تعظيمًا لآلهتهم، افتروا مثل هذه الفرية ليخرجوا بها من الإيمان الذي دخل قلوبهم رغمًا عن أنوفهم.
قرار العودةما يهمنا فيما سبق هو أن هذا الأمر قد طار إلى الحبشة بصورة مختلفة عما كان قد وقع، فلقد وصل إلى أسماع المسلمين في الحبشة أن مكة قد آمنت ودخل أهلها في الإسلام، وحدثتهم مخيلتهم بأنه قد آمن حمزة وعمر رضي الله عنهما وظهر المسلمون بوضوح وصاروا أعزة، ثم سجد المشركون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إيمانًا بما يقول، وقد أصبحت مكة الآن مسلمة، وهكذا ظن المسلمون في الحبشة، وكان موقفهم: ما الفائدة إذن في البقاء فيها بعد إيمان مكة؟!
وحيال هذا الأمر نتعجب: كيف حدث هذا الخطأ في فهم المسلمين في أرض الحبشة؟! لا بد أن هناك من أخطأ في نقل الأخبار من مكة، أو أن هناك من أخطأ في فهم الخبر الصحيح، وفي كلتا الحالتين فقد ترتب على هذا الخطأ إرهاق شديد جدًّا للمسلمين في الحبشة، لقد قرروا أن يعودوا أدراجهم إلى مكة على إثر هذه الإشاعة غير الصحيحة، وكم من الأثمان يدفعها المسلمون ثمنًا للشائعات! وكم من الوقت والجهد والمال يضيع من جرَّاء مثل هذه الشائعات!
لذا فعلى المسلمين دائمًا أن يتبينوا قبل أخذ القرار، وإني لأرى أنه كان من المفترض على المهاجرين في الحبشة أن يرسلوا أولاً رسولاً واحدًا منهم إلى مكة يستوثق صحة الخبر قبل أن يجمعوا أنفسهم ونساءهم وأطفالهم، قاطعين مثل هذه المسافات الطويلة والمرهقة عبر البحار والصحاري، أو كان عليهم أن ينتظروا رسالة واضحة من قائدهم المحنك رسول الله صلى الله عليه سلم الذي كان - ولا شك - سيرسل إليهم بالخبر لو أن مكة كانت آمنت حقًّا، وأن من المصلحة أن يعودوا، لكن هذا لم يحدث.
وركب المسلمون البحر وقطعوا تلك المسافات الطويلة، وجاءوا إلى مكة وقلوبهم تطير فرحًا لما كانوا يعتقدون، ثم كانت الصدمة القاسية، لقد اكتشفوا أن الخبر كان إشاعة، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
معاناة كبيرة مر بها المسلمون في طريق هذه الدعوة، لكن بفضل من الله كان المسلمون على حذر كافٍ عندما اقتربوا من مكة، فقد انتظروا حتى الليل، وقد أرسلوا رسولاً ليجيء لهم بالخبر وانتظروا هم خارجها، وقد أتى الرسول: ما زال أهل مكة مشركين. صدمة قوية ومشكلة ضخمة، وحيالها اجتمع المسلمون وعقدوا مجلسًا للشورى، وخرجوا من اجتماعهم بثلاث توصيات، واستقروا على أن يقسِّموا عليهم هذه التوصيات الثلاث.
أما التوصية الأولى فهي: أن يعود غالبيتهم مرة ثانية إلى الحبشة دون دخول مكة، وهو أمر شاق على النفس، ولكنه أكثر أمنًا.
والتوصية الثانية هي: أن يدخل بعض المسلمين مكة سرًّا مستخفين لقضاء بعض المصالح لهم ولبقية المهاجرين، ثم العودة بعد ذلك. ومعلوم أنهم لن يبقوا في أرض مكة إلا فترة قليلة؛ لأن مكة مدينة صغيرة، ومن المستحيل أن يختبئ فيها رجل عن عيون الناس لمدة طويلة.
أما التوصية الثالثة فكانت: أن يدخل بعضهم إلى أرض مكة جهارًا، ولكن في جُوارٍ واضح وحماية معلنة؛ حتى لا يتعرض للقتل أو التعذيب الشديد، وهؤلاء سوف يقومون بشرح أحوال الحبشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويتبادلون الخبرة مع مؤمني مكة بخصوص أمر الهجرة.
وبالفعل تم تطبيق هذا الاتفاق وتلك التوصيات، وعاد الغالبية إلى الحبشة دون دخول مكة، ودخل بعضهم مكة سرًّا ثم عادوا بعد ذلك أيضًا إلى الحبشة، ودخل بعضهم أيضًا مكة في وضوح.
أما الذين دخلوا مكة فكانوا: عثمان بن عفان رضي الله عنه وزوجته السيدة رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأيضًا عثمان بن مظعون رضي الله عنهم، وقد دخل عثمان بن عفان الأموي مكة في حماية قبيلته القوية، قبيلة بني أمية، أما عثمان بن مظعون فقد دخل في جوار الوليد بن المغيرة المشرك، وهو من قبيلة بني مخزوم؛ وذلك لأن قبيلة عثمان بن مظعون (بني جمح) كانت من أشد القبائل محاربة له بشخصه، وكان من أشدهم عليه أمية بن خلف الجمحي - لعنه الله - فدخل عثمان بن مظعون في إجارة الوليد بن المغيرة، لكنها كانت إجارة غير مشروطة.
مشركو مكة والتعذيب من جديد:
كان المشركون كما ذكرنا قد رفعوا أيديهم نسبيًّا عن المسلمين بعد إسلام عمر وحمزة رضي الله عنهما، ولكن كانت هناك أمور قد جدت جعلت المشركين ينشطون من جديد في تعذيب المسلمين، كان منها:
أولاً: سجود المشركين في الكعبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لا شك أن هذا الأمر قد أحدث بلبلة في أرض مكة، ولا شك أن من كان مترددًا في الإيمان فلا بد أنه يفكر الآن بجدية للدخول فيه، وخاصة في ظل الحماية المادية والمعنوية التي يقدمها فارسا قريش حمزة وعمر رضي الله عنهما، ومن هنا فقد فكرت قريش في إعادة البطش والتعذيب؛ وذلك لمنع المد الإسلامي الجارف في مكة.
ثانيًا: أنباء الاستقبال الحافل من قِبل النجاشي لمهاجري مكة:
كان قد وصل إلى مسامع مكة أنباء الاستقبال الحافل والكريم الذي قدمه النجاشي للمهاجرين المسلمين، وهذا من ناحية قد رفع معنويات المسلمين، ومن ناحية أخرى أحبط معنويات الكفار، وكان لمشركي مكة علاقات تجارية وصداقة مع النجاشي، ولا شك أن هذه الأمور قد تتأثر بالصداقة والوفاق الجديد مع المسلمين، لهذا قررت مكة من جديد أن تنشط في مواجهة الدعوة، فاستنَّت التشريعات والقرارات التالية:
أولاً: منع المؤمنين من السفر:
وفي سبيل ذلك قاموا بتشديد الحراسة على مخارج مكة، ومطاردة كل من يخرج منها من المؤمنين، وقد وضعوا على قائمة الممنوعين من السفر كل من عرف عنه الإيمان أو اشتبه في إيمانه، وذلك كله لوقف الهجرة إلى الحبشة.
وقد يرى البعض أنه من المفترض أن يكون المشركون سعداء بترك المسلمين لأرض مكة؛ حيث إنهم سيتخلصون من القلق الذي يسببه وجودهم معهم وبينهم، فلماذا إذن يمنعوهم من الهجرة؟!
أما الإجابة فهي أن قريشًا كانت تفكر فيما يلي:
1- المؤمنون ما ذهبوا إلى الحبشة إلا ليعودوا:
كان المشركون يرون أن الحبشة ما هي إلا أحد المحاضن التربوية التي يُربَّى فيه المسلمون ليعودوا أشد قوة، فالمؤمنون أصحاب قضية، ولن يرضوا بالحياة المستريحة في الحبشة ويتركوا قضيتهم، وكما ذكر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه قد بُعث لقومه خاصة وللناس عامة، ولا بد أن المؤمنين سيبذلون قصارى جهدهم ليصلوا بهذه الدعوة إلى مشارق الأرض ومغاربها، ولا شك أن مكة ستكون من أهم النقاط في محطات المسلمين.
2- المؤمنون سيفسدون علاقة الحبشة بمكة:
فإذا رأى أهل الحبشة أخلاق المؤمنين ونضجهم ونقاء ما يدعون إليه، فإنهم ما يلبثون أن يستنكروا أفعال الذين عذبوهم، وقد يقطعون علاقاتهم السياسية والاقتصادية بمكة.
3- الخوف من دخول أهل الحبشة في الإسلام، ومن ثَمَّ فقد يُقدِمون على غزو مكة:
فلم يكن بعيدًا على أهل مكة تخوفهم من أن يسلم أهل الحبشة، ثم يقبلون بعد ذلك على مكة لغزوها ونشر الإسلام فيها. وقريش تعلم أنها ليس لها طاقة بحرب دولة الحبشة وجيش الحبشة وملك الحبشة، وليس ببعيد من أهل مكة ما حدث من أبرهة، وهو مجرد تابع لملك الحبشة على منطقة اليمن.
4- الخوف من انتشار المد الإسلامي خارج مكة بصفة عامة:
كانت قريش على يقين أن دعوة المسلمين مقنعة ودينهم قيِّم وقرآنهم معجز، ولو تركت لهم حرية الدعوة فلا شك أن عموم الناس من أصحاب الفطر السليمة سيدخلون في هذا الدين، إذن فليُمنع المسلمون من السفر، ولتُحدد إقامتهم في أرض مكة.
ثانيًا: استخدام أساليب التعذيب المتنوعة:
كانت الوسيلة الثانية التي استخدمها مشركو مكة لمجابهة الدعوة في هذه الفترة هي التعذيب الشديد من جديد، وهي وسيلة العاجز، وسيلة الضعيف، وسيلة المهزوم الذي لا يجد حيلة، وكانت الانتكاسة البشعة في الإنسانية، فقد انقلبوا على كل من بقي من المسلمين في أرض مكة يعذبونهم، ولم يستطع حمزة وعمر رضي الله عنهما كأفراد أن يقوموا بحماية المؤمنين من هذه الحرب القرشية المنظمة.
فقه الموازنات وقرار الهجرة الثانية إلى الحبشة:
في هذا الموقف العصيب وتحت هذا الضغط القرشي الظالم، وخوفًا من استئصال عامة المسلمين في لحظات الغضب والتهور غير المحسوب وغير المدروس، في هذا الموقف الصعب أصدر رسول الله صلى الله عليه وسلم قراره بالهجرة مرة ثانية إلى أرض الحبشة. في المرة الأولى كان قد هاجر عشرة رجال وأربع نساء، ثم عادوا إلى مكة، ثم عاد بعضهم ثانية إلى الحبشة، أما في هذه المرة فقد صدرت الأوامر بهجرة أكثر من ثمانين رجلاً مسلمًا (اثنين وثمانين أو ثلاثة وثمانين إن كان من بينهم عمار بن ياسر)، وهاجر أيضًا ثماني عشرة امرأة، إحدى عشر منهن قرشيات، وسبع منهن غير قرشيات، هذا غير الأطفال، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم كقائد مسئول له أهداف واضحة ومحددة، فالرؤية عنده واضحة، والأولويات عنده محكمة، وهو يتحرك بمرونة سياسية وفقهية عالية، كان يعلم أن الدعوة لا بد أن تصل إلى عموم الناس، والدعوة لن تصل إلى الناس إلا عن طريق الدعاة، والدعاة قد وصلوا إلى مرحلة من الإيذاء يصعب معها استمرار الدعوة، إذن فليكن القرار الحاسم الجريء وفي الوقت المناسب، وهو هجرة أكثر من ثمانين مسلمًا، وهو ما يمثل نصف الطاقة الإسلامية تقريبًا في ذلك الوقت.
وإنه لقرار إستراتيجي خطير، موازنة بين الهجرة وترك الديار ونقل ميدان العمل إلى الحبشة، وبين البقاء في مكة واستمرار الدعوة مع التضييق الشديد الذي تمارسه قريش.
فقد ينفعل الشباب يقولون: نبقى مهما كانت النتائج، ولو أدى ذلك إلى الموت، فهذا موت في سبيل الله. لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم القائد السياسي المحنك، والداعية الحكيم يعلم أن الأمور لا تسير بهذه الطريقة، فالله عز وجل خلق النبات ضعيفًا لينًا طريًّا مرنًا، فإذا جاءت ريح شديدة مال معها حتى لا ينكسر، ثم عندما يشتد عوده ويصبح شجرة راسخة الأركان لها جذور عميقة، فإنها لا تميل أمام الريح الشديدة، بل تظل ثابتة وتمر الرياح مهما اشتدت قوتها من حولها.
وهكذا حال المؤمن الفقيه، ومن هنا أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم القرار الجريء، وكان هذا القرار أصعب مائة مرة من قرار الهجرة الأولى، إنه الهجرة الثانية للحبشة.