(12) نُبُوءَته صَلَّى الله عليه وسَلَّم عن كَثْرَة القَتْل:
أخْرَجَ الإمَام مُسْلِم في صَحِيحه:
حَدَّثَنَا قُتَيْبَة بْن سَعِيد؛ ثَنَا يَعْقُوب يَعْنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن سُهَيْل؛ عن أبِيه؛ عن أبي هُرَيْرَة قال: قال رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم [ لا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى يَكْثُر الهَرَجَ، قالوا: ما الهَرَجَ يا رَسُول الله؟ قال: القَتْل، القَتْل ].
دَرَجَة الحَدِيث:
صَحِيح، أخْرَجَه الشَّيْخَان.
تَحَقُّق النُّبُوءَة:
قد تَحَقَّق ما تَنَبَّأ بِهِ النَّبِيّ الصَّادِق صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم؛ حَيْثُ سَادَ الهَرَجَ وكَثُرَ القَتْل في هذا الزَّمَان، وانْتَشَرَت بَلِيَّته في كُلّ مَكَان، وهو في ازْدِيَاد إلى أنْ تَقُوم السَّاعَة، فَمَا يَمُرّ بِنَا يَوْم إلاَّ وتَقْرَع آذاننا فِيهِ عَشَرَات القَضَايَا للقَتْل بشَتَّى صُوَره، لدَرَجَة أنَّ القَلْب صَارَ لا يَفْزَع مِنْ نَبَأ القَتْل وخَبَر الاغْتِيَال، بَلْ أصْبَحَت هذه القَضِيَّة قَضِيَّة يَوْمِيَّة عَادِيَّة، نَسْأل الله سُبْحَانَه السَّتْرَ والعَافِيَة والنَّجَاة مِنْ فِتَن الدُّنْيَا وعَذَاب الآخِرَة.
الأمْثِلَة التَّطْبِيقِيَّة (مُجَرَّد أمْثِلَة):
1- فَلَسْطِين - العِرَاق - أفْغَانِسْتَان - البُوسْنَة والهَرْسَك - الهِنْد.
2- الفَيْرُوسَات - المَجَاعَات - الأوْبِئَة.
3- الإجْرَام (الَّذِي يُسَمُّونَه الإرْهَاب) - الانْتِحَار - تَضْيِيق الحَيَاة وسُبُل العَيْش - الإدْمَان بكُلّ صُوَره.
4- الإجْهَاض عن عَمْد بلا ضَرُورَة شَرْعِيَّة (والضَّرُورَة الوَحِيدَة هي الخَوْف عَلَى حَيَاة الأُمّ مِنَ الهَلاك).
5- القَتْل (سَوَاء القَتْل العَمْد أو القَتْل الخَطَأ، فكِلاهُمَا قد كَثُر).
(13) نُبُوءَته صَلَّى الله عليه وسَلَّم عن تَقَارُب الزَّمَان:
أخْرَجَ التِّرْمِذِي في سُنَنه:
حَدَّثَنَا عَبَّاس بْن مُحَمَّد الدَّوْرِي؛ ثَنَا خَالِد بْن مَخْلَد؛ ثَنَا عَبْد الله بْن عُمَرَ العَمْرِيّ؛ عن سَعْد بْن سَعِيد الأنْصَارِي؛ عن أَنَس بْن مَالِك قال: قال رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم [ لا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى يَتَقَارَب الزَّمَان؛ فتَكُون السَّنَة كالشَّهْر؛ والشَّهْر كالجُمُعَة؛ وتَكُون الجُمُعَة كاليَوْم؛ ويَكُون اليَوْم كالسَّاعَة؛ وتَكُون السَّاعَة كالضِّرَمَة مِنَ النَّار ].
الضِّرَامُ .. هو ما تُضْرَم بِهِ النَّار مِنْ كُلّ سَرِيع الاشْتِعَال؛ كالحَطَب وغَيْره مِمَّا لَيْسَ لَهُ جَمْر، والمَعْنَى المَقْصُود أنَّ السَّاعَة تَكُون سَرِيعَة الانْقِضَاء كسُرْعَة اشْتِعَال الحَطَب الهَشّ.
دَرَجَة الحَدِيث:
الحَدِيث حَسَن، رِجَال أحْمَد ثِقَات إلاَّ سُهَيْل بْن أبي صَالِح فإنَّه صَدُوق.
تَحَقُّق النُّبُوءَة:
قد تَحَقَّق ما تَنَبَّأ بِهِ النَّبِيّ الصَّادِق صَلَّى الله عليه وسَلَّم؛ حَيْثُ بَدَأ تَقَارُب الزَّمَان، وفَقَدَ الوَقْت بَرَكَته وصَارَ قَصِيرَاً، فيَمُرّ اليَوْم والأُسْبُوع والشَهْر بَلْ عَام كَامِل كطَرْفَة عَيْن ولا نَنْتَبِه له.
يَقُول الحَافِظ ابْن حَجَر [ قال ابْن أبِي جَمْرَة: يُحْتَمَل أنْ يَكُون المُرَاد بتَقَارُب الزَّمَان قِصَره، والقِصَر يُحْتَمَل أنْ يَكُون حِسِّيَّاً ويُحْتَمَل أنْ يَكُون مَعْنَوِيَّاً، أمَّا الحِسِّي فلَمْ يَظْهَر بَعْد، ولَعَلَّه مِِنَ الأُمُور التي تكون قُرْب قِيَام السَّاعَة، وأمَّا المَعْنَوِي فلَهُ مُدَّة مُنْذُ ظَهَر، يَعْرِف ذَلِك أهْل العِلْم الدِّينِي ومَنْ لَه فِطْنَة مِنْ أهْل السَّبَب الدُّنْيَوِي، فلا يَقْدِر أحَدهم أنْ يَبْلُغ مِنَ العَمَل قَدْر ما كانوا يَعْمَلُونَه قَبْل ذَلِك، ويَشْكُون ذَلِك ولا يَدْرُون العِلَّة فيه، ولَعَلَّ ذَلِك بسَبَب ما وَقَعَ مِنْ ضَعْف الإيِمَان لظُهُور الأُمُور المُخَالِفَة للشَّرْع مِنْ عِدَّة أوْجُه ].
ويَقُول الخَطَّابِيّ [ هو مِنْ اسْتِلْذَاذ العَيْش والله أعْلَم، ويَقَع عِنْد خُرُوج المَهْدِي ووُقُوع الأمَنَة في الأرْض وغَلَبَة العَدْل فيها، فيُسْتَلَذّ العَيْش عِنْدَ ذَلِك وتُسْتَقْصَر مُدَّته، ومازَالَ النَّاس يَسْتَقْصِرون مُدَّة أيَّام الرَّخَاء وإنْ طَالَت، ويَسْتَطِيلون مُدَّة المَكْرُوه وإنْ قَصرَت ].
قال الكِرْمَانِي [ الحَقّ أنَّ المُرَاد نَزْع البَرَكَة مِنْ كُلّ شَيْء حَتَّى مِنَ الزَّمَان، وذَلِك مِنْ عَلامَات قُرْب السَّاعَة ].
الأمْثِلَة التَّطْبِيقِيَّة (مُجَرَّد أمْثِلَة):
أقْرَب مِثَال عَلَى ذَلِك هو شَهْر رَمَضَان، فمَا أنْ نَنْتَهِي مِنْه حَتَّى نَجِده قَدْ قَرُبَ مِيعَاده، وقِسْ عَلَى ذَلِك الكَثِير.
(14) نُبُوءَته صَلَّى الله عليه وسَلَّم عن قِلَّة الرِّجَال وكَثْرَة النِّسَاء:
أخْرَجَ البُخَارِيّ في صَحِيحه:
حَدَّثَنَا مسدد؛ ثَنَا يَحْيَى؛ عن شُعْبَة؛ عن قَتَادَة؛ عن أَنَس قال [ لأُحَدِّثَنَّكُم حَدِيثَاً لا يُحَدِّثكُم أحَد بَعْدِي، سَمِعْتُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم يَقُول: مِنْ أشْرَاط السَّاعَة أنْ يَقِلّ العِلْم، ويَظْهَر الجَهْل، ويَظْهَر الزِّنَا، وتَكْثُر النِّسَاء ويَقِلّ الرِّجَال حتى يَكُون لخَمْسِين امْرَأة القَيِّم الوَاحِد ].
دَرَجَة الحَدِيث:
صَحِيح، أخْرَجَه الشَّيْخَان.
تَحَقُّق النُّبُوءَة:
صَدَقَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم؛ حَيْثُ نَجِد الوَاقِع تَمَامَاً كَمَا أخْبَر صَلَّى الله عليه وسَلَّم، فإنَّ العِلْم قد بدأ يُرْفَع (بقَبْض العُلَمَاء كَمَا في حَدِيث آخَر) وفَشَا الجَهْل في النَّاس حتى أصْبَح الدِّين غَرِيبَاً، وشُرِبَت الخُمُور حتى لَمْ يَعُد شُرْبها قَبِيحَاً؛ بَلْ أصْبَح نَوْع مِنَ التَّفَاخُر والتَّبَاهِي، وقَلّت نِسْبَة وِلادَة الذُّكُور وكَثُرَت نِسْبَة وِلادَة الإنَاث، ويَسِير الأمْر عَلَى ذَلِك إلى أنْ تَكْثُر النِّسَاء في صُورَة أكْبَر؛ فيَكُون الرَّجُل الوَاحِد قَيِّمَاً عَلَى خَمْسِين امْرَأة؛ مُتَوَلِّيَاً أمْرهنّ كَمَا تَنَبَّأ النَّبِيّ الصَّادِق صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم.
قال الحَافِظ ابْن حَجَر [ قَالَ القُرْطُبِيّ: في هذا الحَدِيث عَلَم مِنْ أعْلام النُّبُوَّة، إذْ أخْبَر عن أُمُور سَتَقَع فوَقَعَت خُصُوصَاً في هذه الأزْمَان ]، وقال الحَافِظ ابْن حَجَر أيْضَاً [ أمَّا كَثْرَة النِّسَاء فسَبَبه أنَّ الفِتَن تَكْثُر، فيَكْثُر القَتْل في الرِّجَال لأنَّهُم أهْل الحَرْب دُونَ النِّسَاء ]، وقال أبُو عَبْد المَلِك [ هو إشَارَة إلى كَثْرَة الفُتُوح، فتَكْثُر السَّبَايَا، فيَتَّخِذ الرَّجُل الوَاحِد عِدَّة مَوْطُؤات ]، قال الحَافِظ ابْن حَجَر [ وفيه نَظَر لأنَّه صَرَّح بالقِلَّة في حَدِيث أبِي مُوسَى فقال (مِنْ قِلَّة الرِّجَال وكَثْرَة النِّسَاء)، والظَّاهِر أنَّهَا عَلامَة مَحْضَة لا لسَبَب آخَر، بَلْ يُقَدِّر الله في آخِر الزَّمَان أنْ يَقِلّ مَنْ يُولَد مِنَ الذُّكُور ويَكْثُر مَنْ يُولَد مِنَ الإنَاث، وكَوْن كَثْرَة النِّسَاء مِنْ العَلامَات مُنَاسِبَة لظُهُور الجَهْل ورَفْع العِلْم ].
الأمْثِلَة التَّطْبِيقِيَّة (مُجَرَّد أمْثِلَة):
انْظُرُوا في الشَّوَارِع وفي المُنْتَزَهَات، وفي أمَاكِن العَمَل العَامَّة والخَاصَّة، انْظُرُوا لعَدَد مَقَاعِد الطَّالِبَات في الجَامِعَات، وإلى عَدَد مَدَارِس البَنَات في المَرَاحِل المُخْتَلِفَة، انْظُرُوا لَهُنَّ على الإنْتَرْنِت وفي غُرَف المُحَادَثَة والمُنْتَدَيَات، انْظُرُوا لَهُنَّ في الجَمْعِيَّات الخَيْرِيَّة والأهْلِيَّة الخَاصَّة والعَامَّة، انْظُرُوا في أيّ مَجَال وفي أيّ اتِّجَاه، سَتَجِدُوا نُبُوءَة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم تَحَقَّقَت، ومازَالَت تَتَحَقَّق إلى يَوْم القِيَامَة، ورَغْم ذَلك مَازِلْنَا نَجِد مَنْ يُشَكِّك في صِدْق هذا النَّبِيّ وصِدْق رِسَالَته وإحْكَامها وصَلاحِيَّتهَا لكُلّ زَمَان ومَكَان، والكَارِثَة أنَّ بَعْضهم مِنَ المُنْتَسِبِين إلى الإسْلام، فاللَّهُمَّ ارْحَمْنَا.
(15) نُبُوءَته صَلَّى الله عليه وسَلَّم عن ظُهُور الشُّرْطَة:
أخْرَجَ الإمَام مُسْلِم في صَحِيحه:
حَدَّثَنَا ابْن نُمَيْر؛ ثَنَا زَيْد يَعْنِي حباب؛ ثَنَا أفْلَح بْن سَعِيد؛ ثَنَا عَبْد الله بْن رَافِع مَوْلَى أُمّ سَلَمَة قال [ سَمِعْتُ أبَا هُرَيْرَةَ يَقُول: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم: يُوشِك إنْ طَالَت بِكَ مُدَّة أنْ تَرَى قَوْمَاً في أيْدِيهم مِثْل أذْنَاب البَقَر؛ يَغْدُون في غَضَب الله ويَرُوحُون في سَخَط الله ].
دَرَجَة الحَدِيث:
صَحِيح، أخْرَجَه الإمَام مُسْلِم.
تَحَقُّق النُّبُوءَة:
صَدَقَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم؛ حَيْثُ ظَهَرَ مُنْذُ العُصُور الأولى هذا الصّنْف مِنَ النَّاس، وهؤلاء القَوْم في صُورَة الشُّرْطَة والجَلاَّدِين الَّذِينَ كانوا يمْسِكُون بأيْدِيهم الكَرَابِيج والسِّيَاط ويَضْرِبُون بها النَّاس صَبَاحَاً ومَسَاءً لسَبَبٍ مَا حَقِيرَاً كان أو عَظِيمَاً.
يَقُول الإمَام المَنَاوِي [ إنَّه خَلَفَ بَعْدَ الصَّدْر الأوَّل قَوْمٌ يُلازِمُون السِّيَاط التي لا يَجُوز الضَّرْب بها في الحُدُود قَصْدَاً لتَعْذِيب النَّاس، وهُمْ أعْوَان وَالِي الشُّرْطَة المَعْرُوفُون بالجَلاَّدِين، فإذا أُمِرُوا بالضَّرْب تَعَدّوا المَشْرُوع في الصِّفَة والمِقْدَار، ورُبَّمَا أفْضَى بهم الهَوَى وما جُلِبُوا عَلَيْه مِنَ المَظَالِم إلى هَلاك المَضْرُوب أو تَعْظِيم عَذَابه ]، وقال الإمَام القُرْطُبِيّ [ وبالجُمْلَة هُمْ سَخَط الله، عَاقَبَ الله بهم شِرَار خَلْقِه غَالِبَاً؛ نَعُوذ بالله مِنْ سَخَطِه، وقِيلَ المُرَاد بهم في الخَبَر الطَّوَّافُون عَلَى أبْوَاب الظَّلَمَة ومَعَهُم المَقَارِع يَطْرُدُون بها النَّاس ].
الأمْثِلَة التَّطْبِيقِيَّة (مُجَرَّد أمْثِلَة):
قَدِيمَاً كانوا في سُجُون الحَجَّاج وأمْثَاله، ثُمَّ حَدِيثَاً في المُعْتَقَلات في عَهْد جَمَال عَبْد النَّاصِر، ثُمَّ الآن في أقْسَام الشُّرْطَة والسُّجُون ومَا وَرَاء الشَّمْس.
قَدِيمَاً كان الكُرْبَاج، أمَّا حَدِيثَاً فحَدِّث ولا حَرَج عن أسَالِيب التَّعْذِيب.