السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إنَّ أخْطَر عُضْو في الجَسَد بَعْدَ القَلْب هو اللِّسَان، وتَتَمَثَّل خُطُورَته في أنَّه خَفِيف الحَرَكَة، عَظِيم الأثَر، فالحَرْب تكون بكَلِمَة، والسِّلْم بكَلِمَة، والزَّوَاج بكَلِمَة، والطَّلاق بكَلِمَة، والدُّخُول في الإسْلام بكَلِمَة، والخُرُوج مِنْه بكَلِمَة، ولأنَّ الإنْسَان بطَبِيعَته مُتَّبِع للهَوَى، فقد قَيَّد له الله تَبَارَك وتعالى رَقِيبَاً يُرَاقِبه، لا تَشْدِيدَاً عَلَيْه، ولكن ليَتَّخِذ الإنْسَان حذْرَه ويَبْتَعِد عن الهَوَى، لأنَّه [ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ]، وأنَّه لَنْ يَسْتَطِيع الإنْكَار [ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ ]، ولقد رُوِيَ عن لُقْمَان الحَكِيم أنَّ أحدهم طَلَبَ مِنْه قَائِلاً [ اذْبَح لِي شَاةً وائْتنِي بأفْضَل ما فيها، فجَاءَه بالقَلْب واللِّسَان، فقال له: اذْبَح لِي أُخْرَى وائْتنِي بأخْبَث ما فيها، فجَاءَه بالقَلْب واللِّسَان، فقال: خَبِيثَان وطَيِّبَان؟ قال: نَعَم، إنْ صَلُحَا فَهُمَا أطْيَب ما في البَدَن، وإنْ خَبُثَا فَهُمَا أسْوَأ ما في البَدَن ]، ويقول رَسُول الله صَلَّى الله عليه وسَلَّم مُحَذِّرَاً مِن آفَات اللِّسَان:
@ [ مَن كان يُؤْمِن بالله واليَوْم الآخِر فليُحْسِن إلى جَارِه، ومَن كان يُؤْمِن بالله واليَوْم الآخِر فليُكْرِم ضَيْفه، ومَن كان يُؤْمِن بالله واليَوْم الآخِر فليَقُل خَيْرَاً أو ليَسْكُت ].
@ [ إنَّ الرَّجُل ليَتَكَلَّم بالكَلِمَة لا يَرَى بها بَأسَاً يَهْوِي بها سَبْعِين خَرِيفَاً في النَّار ].
@ [ إنَّ الرَّجُل ليَتَكَلَّم بالكَلِمَة مِن رضْوَان الله تعالى ما يَظُنّ أنْ تَبْلُغ ما بَلَغَت، فيَكْتُب الله له بها رضْوَانه إلى يَوْم القِيَامَة، وإنَّ الرَّجُل ليَتَكَلَّم بالكَلِمَة مِن سَخَط الله تعالى ما يَظُنّ أنْ تَبْلُغ ما بَلَغَت، فيَكْتُب الله عَلَيْه بها سَخَطه إلى يَوْم القِيَامَة ]، ومَعْنَى [ ما يَظُنّ أنْ تَبْلُغ ما بَلَغَت ] أي أنَّه لا يُقَدِّرهَا حَقّ قَدْرهَا، ويَسْتَهِين بها اسْتِخْفَافَاً واسْتِصْغَارَاً لشَأنها وهي عِنْدَ الله عَظِيمَة، قال تعالى [ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ 15 وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ 16 يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ 17 وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ 18 ].
@ [ إنَّ العَبْد ليَتَكَلَّم بالكَلِمَة، ما يَتَبَيَّن فيها، يَزِلّ بها إلى النَّار أبْعَد مِمَّا بَيْنَ المَشْرِق والمَغْرِب ]، ومَعْنَى يَتَبَيَّن أي يَتَفَكَّر هَلْ هي خَيْر أمْ لا قَبْلَ أنْ يَنْطِقها.
@ [ خَيْر المُسْلِمِين مَن سَلِمَ المُسْلِمُون مِن لِسَانه و يَده ].
@ عن عُقْبَة بن عَامِر قال [ قُلْتُ يا رَسُول الله؛ ما النَّجَاة؟ قال: أمْسك عَلَيْكَ لِسَانك، وليَسَعَكَ بَيْتك، وابْكِِ عَلَى خَطِيئَتك ].
ولهذا؛ كان الصَّحَابَة رُضْوَان الله عَلَيْهم يَتَذَوَّقُون الكلام قَبْلَ أنْ يَتَلَفَّظوا بِهِ، فإنْ وَجَدوه مُرَّاً ابْتَلَعُوه ولَمْ يُخْرِجُوه، وإنْ وَجَدوه حُلْوَاً أخْرَجُوه عَسَلاً، فعَن أبي بَكْر رَضِيَ الله عَنْه أنَّه أمْسَك بلِسَانه وقال لصَاحِبه [ لِسَانِي هذا أوْرَدَنِي المَوَارِد ]، أي أوْدَى بِي إلى المَهَالِك، ونَحْنُ نَعْلَم مَن هو الصِّدِّيق، فإنْ كان لِسَانه أوْرَدَه المَوَارِد، فمَاذَا فَعَلَت بِنَا ألْسِنَتنا؟!!! وعن عَبْد الله بْن مَسْعود قال [ لِسَانِي سَبْعٌ، إنْ أرْسَلْته أكَلَنِي ]، وقال عُمَر بْن الخَطَّاب مُخَاطِبَاً اللِّسَان [ يا لِسَان؛ قُلْ خَيْرَاً تَغْنَم، واسْكُت عن شَرٍّ تَسْلَم، مِنْ قَبْل أنْ تَنْدَم ]، وكان ابْن مَسْعُود يقول [ إنَّ أحَقّ الأشْيَاء بطُول الحَبْس والسِّجْن؛ هو اللِّسَان ].
لكُلّ ما سَبَق؛ كان لِزَامَاً عَلَيْنَا أنْ نُورِد هذا المَوْضُوع ضِمْن مَوْضُوعَات المُنْتَدَى، فحال المُنْتَدَيَات هو إطْلاق الألْسُن لَيْلَ نَهَار، وهذا الإطْلاق إمَّا أنْ يُورِدنا الجَنَّة، أو يُورِدنا النَّار أعَاذَنَا الله وإيَّاكُم مِنْهَا، ولقد حَاوَلْتُ جَاهِدَاً جَمْع أكْبَر عَدَد مِنَ الكَلِمَات والمَفَاهِيم والألْفَاظ الخَاطِئَة التي اعْتَادَهَا النَّاس هذه الأيَّام، وهي مما يُخَالِف كَوْننا مُسْلِمِين، وقد يُخْرِجنَا مِنَ الإسْلام دون أنْ نَشْعُر، قال تعالى [ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ ]، وأُرِيدكُم أنْ تُعِينُوني في هذا المَوْضُوع لنُنْقِذ الغَافِلِين، ونُرْشِد المُؤْمِنِين لخَيْر طَرِيق، ونُحَقِّق قَوْل الله [ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ ]، والتَّوْبَة عن الذَّنْب لا تكون إلاَّ بمَعْرِفَة الذَّنْب، والإقْرَار بأنَّه ذَنْب، ثُمَّ تَأتِي بَعْدَ ذَلِك شُرُوط التَّوْبَة الثَّلاثَة ( إيقَاف الذَّنْب، النَّدَم عَلَيْه، عَدَم العَوْدَة إلَيْه )، لِذَا؛ فنَحْنُ هَهُنَا لنَتَعَرَّف عَلَى هذا الذَّنْب الخَطِير المُسْتَفْحِل في مُجْتَمَعَاتِنَا، وبَعْدَ أنْ شَرَحْنَا أهَمِّيَّة اللِّسَان، والتَّشْدِيد الصَّارِم عَلَى مُرَاعَاة كُلّ كَلِمَة يَنْطِق بها، فنَحْنُ الآن بصَدَد عَرْض هذه الكَلِمَات والمَفَاهِيم والألْفَاظ المُنْتَشِرَة بَيْنَنَا كالسَّرَطَان، بل هي أسْوَأ، ولكن قَبْل أنْ نَبْدَأ يَجِب التَّأكِيد عَلَى ما يَلِي:
1. اسْم المَوْضُوع (الإيقَاظ في تَصْحِيح المَفَاهِيم والكَلِمَات والألْفَاظ) لَيْسَ مِن تَألِيفِي، بل هو لأخ فَاضِل، وقد اسْتَأذَنْته بأنْ اسْتَعْمِل الاسْم ووَافَق، فجَزَاه الله عَنَّا خَيْرَاً.
2. المَوْضُوع مَفْتُوح لكُلّ مَن يُرِيد المُشَارَكَة ببَيَان لَفْظ أو مَفْهُوم مِن المَفَاهِيم الخَاطِئَة المُنْتَشِرَة بَيْنَنَا، ولكن شَرْط المُشَارَكَة هو إقَامَة الدَّلِيل عَلَى خَطَأ اللَّفْظ أو المَفْهُوم، لأنَّنَا أُمَّة تَتَّبِع عَلَى بَصِيرَة.
3. أرْجُوا عَدَم حَصْر المَوْضُوع دَاخِل هذه السَّاحَة فَقَط، أو حتى دَاخِل المُنْتَدَى فَقَط، بَلْ لابُدَّ مِنْ إخْرَاج كُنُوز المُنْتَدَى إلى النَّاس، إلى مَن لا يَدْخُلُون المُنْتَدَيَات خَاصَّة والإنْتَرْنِتّ عَامَّة، إلى بَاقِي المُجْتَمَع، لأنَّ المُنْتَدَى لَيْسَ كُلّ المُجْتَمَع، إنَّمَا هو جُزْء صَغِير جِدَّاً مِنْه، والنُّهُوض بكَامِل الأُمَّة لَنْ يَتِم ومَوْضُوعاتنا وأفْكَارنا مَحْصُورَة دَاخِل جُدْرَان المُنْتَدَى وسَاحَاته، بَلْ يَجِب إخْرَاجها وعَرْضها ونَشْرها بَيْنَ النَّاس، لأنَّهُم هُمْ المُجْتَمَع الذي نُرِيد نَهْضَته.
مَنْعَاً لجِدَال لَيْسَ له أصْل، مَنْبَعه الاسْتِهَانَة ببَعْض الألْفَاظ والمَفَاهِيم وعَدَم رُؤْيَة ضَرَرها، فإنَّ القَاعِدَة التي نَتَّبِعها في مَنْع أنْفُسنا مِنْ هذا الجِدَال سَوَاء فيما بَيْننَا أو مَعَ النَّاس هي القَاعِدَة القُرْآنِيَّة [ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ 65 لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ 66 الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ 67 وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ 68 كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَدًا فَاسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُواْ أُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الُّدنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ 69 أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وِأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ 70 وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ 71 وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ 72 يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ 73 يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ 74 ].
أبْيَار عَلِيّ
وَقَّت النَّبِيّ صَلَّى الله عليه وسَلَّم المَوَاقِيت، ومِنْهَا مِيقَات أهْل المَدِينَة (ذو الحليفة)، وهو وَادٍ يَقَع عَلَى حَافَّة وَادِي العقيق عَلَى يمين الذَّاهِب إلى مَكَّة مع طَرِيق الهِجْرَة (المُعَبَّد)، ويكون (جَبَل عَيْرٍ) - وهو حَدّ المَدِينَة جَنُوبَاً - عَلَى يَسَاره، ولا يَزَال هذا المِيقَات مَعْرُوفَاً بهذا الاسْم إلى اليَوْم، ويُعْرَف أيْضَاً باسْم (آبَار عَلِيّ) أو (أبْيَار عَلِيّ)، وهي تَسْمِيَة مَبْنِيَّة عَلَى قِصَّة مُخْتَلَقَة مَوْضُوعَة بأنَّ عَلِيَّاً رَضِيَ الله عَنْه قَاتَلَ الجِنّ فيها، وهذا مِن وَضْع الرَّافِضَة.
أخْبَرَنِي قَلْبِي بكذا
قال القُرْطُبِي عِنْدَ تَفْسِير قَوْله تعالى [ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ ]؛ قال [ ومِن هذا النَّمَط مَنْ أعْرَض عن الفِقْه والسُّنَّة وما كان عَلَيْه السَّلَف؛ فيقول وَقَعَ في خَاطِرِي كذا أو أخْبَرَنِي قَلْبِي بكذا، فيَحْكُمُون بِمَا يَقَع في قُلُوبهم ويَغْلب عَلَيْهم في خَوَاطِرهم، ويَزْعُمُون أنَّ ذَلِك لصَفَائها وخُلُوّها مِنَ الأغْيَار فتُجْلَى لَهُم العُلُوم الإلَهِيَّة والحَقَائِق الرَّبَّانِيَّة ]، ولَيْسَ المَقْصُود ذات اللَّفْظ، وما يأتي عَلَى لِسَان المُتَكَلِّم في أُمُور الدُّنْيَا، أو تَحَرِّي بَحْث مَسْألَة في كِتَاب مَثَلاً، وإنَّمَا المُرَاد إقَامَة ما وَقَعَ في الخَاطِر دَلِيلاً عَلَى الحُكْم، وهو ما يُعَبَّر عَنْه لَدَى الخَوَارِج باسْم (الإلْهَام) ولَدَى الصُّوفِيَّة باسْم (فِتْيَا القَلْب)، وما أكْثَر هذا الفِكْر بَيْنَ المُتَكَلِّمِين في أُمُور الدِّين بلا دَلِيل أو بَيِّنَة أو عِلْم صَحِيح.
الله مَوْجُود (رَبِّنَا مَوْجُود)
مَوْجُود هو اسْم مَفْعُول، ولكُلّ مَوْجُود وَاجِد أوْجَده، وإذا كان الله مَوْجُودَاً فمَعْنَى ذَلِك أنَّ هُنَاك مَنْ أوْجَده، وبالتَّالِي هو أحَقُّ بالعِبَادَة، وهذا شِرْكٌ بالله تعالى، أمَّا ما يقوله العَامَّة وكَثِير مِنَ الخَاصَّة بأنَّ الله مَوْجُود ويَعْنُون بذَلِك ذَاته الكَرِيمَة؛ فهو ضَلال، بل هو مَأخُوذ مِن القَوْل بوِحْدَة الوُجُود الذي يقول بِهِ غُلاة الصُّوفِيَّة الذين لا يُفَرِّقُون بَيْنَ الخَالِق والمَخْلُوق، والصَّحِيح أنْ تَقُول بأنَّ الله وَاجِد الوُجُود.
هؤلاء أهْل كِتَاب، ولَيْسُوا كُفَّارَاً
هذا قَوْل كُفْر صَرِيح، ومُعْتَقِده مُرْتَدّ عن الإسْلام، قال تعالى [ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ ]، وقال تعالى أيْضَاً [ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَاللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ ]، وقال سُبْحَانه [ قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ]، والآيَات كَثِيرَة، والحُكْم بكُفْر مَنْ لَمْ يُؤْمِن برِسَالَة مُحَمَّد صَلَّى الله عليه وسَلَّم مِنْ أهْل الكِتَاب مِنَ الأحْكَام القَطْعِيَّة في الإسْلام التي لا مَجَال للجِدَال فيها، فمَنْ لَمْ يُكَفِّرهم أو شَكَّ في كُفْرهم فهو كَافِر لأنَّه مُكَذِّب لنُصُوص الوَحْيَيْن الشَّرِيفَيْن، وعَلَى هذا إجْمَاع العُلَمَاء، والشَّكّ في كُفْرهم أو نَفْي الكُفْر عَنْهم دَعْوَى مَنْبَعها تَرْقِيق القُلُوب عَلَى الكُفَّار كدَرَجَة أوَّلِيَّة عَلَى سُلَّم مُوَالاتهم التي نَهَى الله عَنْها.
حَرَام عليك ( كذا )
يَعْتَرِيها وَاحِد مِنْ مَعْنَيَيْن:
1- إنْ كان يَقْصُد أنَّ الله سُبْحَانَه قد حَرََّم هذا الشَّيْء شَرْعَاً بدَلِيل صَحِيح، فلا مَحْذُور فيه.
2- وإنْ كان يَقْصُد ما ذَكَر وهو غَيْر مُحَرَّم شَرْعَاً؛ فهذا تَقَوُّل عَلَى الله بغَيْر عِلْم وَصَّفَه الله بأنَّه افْتِرَاء كَذِب؛ ويَجِب اجْتِنَابه، قال تعالى [ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ 116 مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ 117 ].