الحَلِف بغَيْر الله:
لأهَمِّيَّة المَوْضُوع سَنَتَعَرَّض لَهُ في مُشَارَكَة مُسْتَقِلَّة بِهِ، سَنَبْدَأ أوَّلاً بأمْثِلَة الحَلِف بغَيْر الله، ثُمَّ نَشْرَح أدِلَّة التَّحْرِيم، وتَنْقَسِم الأمْثِلَة إلى:
أيْمَان اعْتَادَ عَلَيْهَا النَّاس مِثْل
@ والنَّبِي، وحياة النَّبِيّ، والمُصْطَفَى، ورسول الله ...
@ عَلَشَان خَاطري، وحياتي، وحياة أغْلَى ما عندك، وحياة كذا (ويُضِيف أيّ شَيْء حتى لو كان جَمَاداً أو حَيَوَانَاً أو شَيْء غَيْر مَوْجُود أصْلاً)، وغَلاوَة أوْلادِي، وغلاوتي عندك ...
@ ورَحْمة أبي أو أُمِّي أو كِلَيْهما، ورَحْمة فُلان (ويُضِيف اسْم أيّ شَخْص قد مَات، سواء كان مَعْرُوفَاً أو غَيْر مَعْرُوفَاً أو حتى حَيَوَان) ...
@ ومَقَام السَّيِّدَة، والحُسِين، ومَقَام سِيدِي فُلان (ويُسَمِّي أيّ اسْم حتى لو لَمْ يَكُن مَوْجُودَاً أو مَعْرُوفَاً أو لَيْسَ لَهُ مَعْنَى) ...
@ والأمَانَة، والبُخَارِي ...
@ والقُرْآن، والمُصْحَف، وكتاب الله، والقُرْآن اللِّي رَبّنا خَلَقه (وكأنَّه نَسِيَ أو تَنَاسَى فِتْنَة خَلْق القُرْآن) ...
@ وحياة رَبِّنَا (فيَزْعُمُون لله حَيَاة) ...
وبعض المُسْتَحْدَثَات مِن الأيْمَان مثل
@ وتُرْبِة خَالِي حَسَن (أو أي اسم آخر، والتُّرْبَة بالعَامِّيَّة المِصْرِيَّة هي القَبْر) ...
@ والعَشَرَة (بتَشْبِيك الأصَابِع العَشْرَة، خَمْسَة مِن الحَالِف وخَمْسَة مِن المَحْلُوفِ لَهُ) ...
@ والعِشْرَة اللي بيننا ...
@ يِحْرَم عَلَيَّ كذا (يَلْجَأ إلى تَحْرِيم الأُمُور الحلال للقَسَم عَلَى الشَّخْص الآخَر والضَّغْط عَلَيْه) ...
أمْثِلَة للحَلِف بالشَّرِيفَة
@ والكَعْبَة الشَّرِيفَة ...
@ والطَّاهْرَة الشَّرِيفَة ...
@ والخِتْمَة الشَّرِيفَة ...
أمْثِلَة للحَلِف بما عَلَيَّ
@ عَلَيَّ النِّعْمَة ...
@ عَلَيَّ الطَّلاق ...
@ عَلَيَّ الحَرَام مِن أهْل بَيْتِي ...
@ عَلَيَّ الحَرَام مِن دِينِي (وهي تَحْمِل أكْثَر مِنْ مَعْنَى، فإمَّا أنَّه يَخْتَار الحَرَام مِنَ الدِّين ويَحْلِف بِهِ، أو أنَّه يُحَرِّم الدِّين عَلَى نَفْسه، أو أنَّه يَجْزِم بأنَّ الدِّين حَرَام أصْلاً، وكُلّها أُمُور كُفْر) ...
أمْثِلَة للحَلِف بصِيغَة الدُّعَاء
@ يا رَبّ تِعْدَمْنِي لو لَمْ تَفعل كذا (ويُسَمِّي أيّ فِعْل يُرِيد مِن المَحْلُوفِ لَهُ أنْ يَفْعَله تَحْت ضَغْط القَسَمْ) ...
@ إنْ شَالله (إنْ شَاءَ الله) ينْقطِع لِسَانِي إنْ كُنْت أكْذِب ...
@ إلَهِي يِحْصَل لِي كذا (ويُسَمِّي مُصِيبَة) لو كُنْت أغِشَّك ...
أمْثِلَة للحَلِف بصِيَغ مِنْ خَارِج دِيَانَة الإسْلام
@ والمَسِيح ...
@ والإنْجِيل ...
@ والتَّوْرَاة ...
هذه مُجَرَّد أمْثِلَة فَقَط، لا عَدّ ولا حَصْر، والكَثِير مِنَّا يقولها؛ طَبْعَاً وقَطْعَاً باسْتِثْنَاء [ إِلاَّ مَن رَّحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ]، ويَرْفُضُون التَّرَاجُع عَمَّا يَقُولون بزَعْم أنَّ ذَلِك مِن الدِّين وأنَّنَا نَحْنُ المُخَرِّفُون، أو تكون حُجَّتَهم ( إحْنَا طُول عُمْرِنَا مِنْ جُدُود الجُدُود بِنْقُول الكلام دَهْ ومَفِيش حَاجَة، عَادِي يَعْنِي، تِيجُوا إنْتُوا يا ولاد اليُومِين دُول عَايْزِين تِغَيْرَولْنَا كَلامْنَا وفِكْرِنَا اللِّي عِشْنَا عَلِيه إحْنَا وأهَالِينَا؟؟!! )، وسبُحْاَن الله، ما أشْبَة اليَوْم بالبَارِحَة، وما أشْبَه حُجَّتهم بحُجَّة الكُفَّار قَدِيمَاً [ قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا ]، وفي أقَلّ الأحْوَال يُجَادِلون في أنَّ هذا كلام طَيِّب لا شَيْء فِيهِ، والغَرَض مِنْه طَيِّب، والعِبْرَة بالنِّيَّة، وأنَّنَا نَحْنُ المُتَشَدِّدُون.
ولكن؛؛ رَسُول الله صَلَّى الله عليه وسَلَّم لَهُ قَوْل آخَر في هذه المَسْألَة، والله المُسْتَعَان عَلَى مَا يَصِفُون.
يَقُول صَلَّى الله عليه وسَلَّم:
1. [ لا تَحْلِفوا بآبَائكُم، مَن حَلَف بالله فليَصْدُق، ومَن حُلِفَ له بالله فليَرْضَ، ومَن لَمْ يَرْضَ بالله فلَيْسَ مِنْ الله ].
2. [ لا تَحْلِفوا بآبَائكُم ولا بالطَّوَاغِيت ].
3. [ لا تَحْلِفوا بآبَائكُم، ولا بأُمَّهَاتكُم، ولا بالأنْدَاد، ولا تَحْلِفوا إلاَّ بالله، ولا تَحْلِفوا إلاَّ وأنتم صَادِقُون ].
4. [ إنَّ الله يَنْهَاكُم أنْ تَحْلِفوا بآبَائكُم، فمَنْ كان حَالِفَاً فَلْيَحْلِف بالله، وإلاَّ فَلْيَصْمُت ].
5. [ مَن حَلَفَ فَلْيَحْلف برَبّ الكَعْبَة ].
6. [ لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَفَ بالأمَانَة ..... الخ ].
7. [ لا طَلاق إلاَّ فيما يُمْلَك، ولا عِتْق إلاَّ فيما يُمْلَك، ولا بَيْع إلاَّ فيما يُمْلَك، ولا وَفَاء نَذْر إلاَّ فيما يُمْلَك، ولا نَذْر إلاَّ فيما ابْتُغِيَ بِهِ وَجْه الله، ومَنْ حَلَف عَلَى مَعْصِيَة فلا يَمِين له، ومَنْ حَلَف عَلَى قَطِيعَة رَحِم فلا يَمِين له ].
8. [ مَنْ حَلَف عَلَى يَمِين فرَأى غَيْرها خَيْرَاً مِنْهَا فَلْيَدَعَها وَلْيَأتِ الذي هو خَيْر، فإنَّ تَرْكها كَفَّارَتها ].
9. [ احْلفوا بالله وبَرُّوا واصْدُقُوا، فإنَّ الله يُحِبُّ أنْ يُحْلَفَ بِهِ ]، أي احْلفوا بالله، وبَرُّوا القَسَم إذا حُلِفَ لَكُم، واصْدُقوا إذا حَلَفْتُم.
10. [ إيَّاكُم وكَثْرَة الحَلِف في البَيْع، فإنَّه يُنْفِق ثُمَّ يُمْحِق ]، أي يُمْحِق البَرَكَة مِنْ رِزْق هذا البَيْع.
11. [ ثَلاثَة لا يَنْظُر الله إلَيْهِم غَدَاً: شَيْخٌ زَانٍ، ورَجُل اتَّخَذ الأيْمَان بِضَاعَة؛ يَحْلِف في كُلّ حَقٍّ وبَاطِل، وفَقِير مُخْتَال يَزْهُو ].
12. [ كُلّ يَمِين يُحْلَف بها دون الله شِرْك ].
13. [ مَنْ حَلَفَ بغَيْر الله فقد أشْرَك ].
14. [ لا يَزَال يُسْتَجَاب للعَبْد ما لَمْ يَدْعُ بإثم أو قَطِيعَة رَحِم؛ ما لَمْ يَسْتَعْجِل؛ يقول قد دَعَوْت وقد دَعَوْت فلَمْ يُسْتَجَبْ لِي، فيَسْتَحْسِر عِنْدَ ذَلِك ويَدَع الدُّعَاء ].
15. [ مَنْ قال إنِّي بَرِيء مِنَ الإسْلام فإنْ كان كَاذِبَاً فهُوَ كَمَا قال، وإنْ كان صَادِقَا لَمْ يَعُد إلى الإسْلام سَالِمَاً ] وكَذَلِك مَنْ قال (عَلَيَّ الحَرَام مِنْ دِينِي، وهي أشَدّ).
وكَمَا عَلِمْنَا أنَّ أي حَلِف بغَيْر الله فهُوَ شِرْك مَهْمَا كانَت صِيغَته ومَهْمَا كانَت النِّيَّة فِيهِ أو مِنْ وَرَاءه، وذَلِك لأنَّ العِبْرَة في الألْفَاظ الشِّرْكِيَّة بمُجَرَّد اللَّفْظ ولَيْسَ المَقْصِد، والنَّبِيّ صَلَّى الله عليه وسَلَّم سَمَّى الحَلِف بغَيْر الله شِرْكَاً، وعَلَيْه فهُوَ شِرْك دون الحَاجَة إلى البَحْث عن القَصْد، وكَفَّارَة ذَلِك العَوْدَة إلى الإسْلام مِنْ جَدِيد بقَوْل كَلِمَة التَّوْحِيد [ لا إلَه إلاَّ الله ]، مِصْدَاقَاً لقَوْله صَلَّى الله عليه وسَلَّم [ مَنْ حَلَفَ مِنْكُم فقال في حلفه: والَّلات والعُزَّى؛ فَلْيَقُل: لا إله إلاَّ الله ]، والَّلات والعُزَّى هُنَا مِثَالاً للحَلِف بغَيْر الله، أي أنَّ الحَدِيث لَيْسَ قَصْرَاً عَلَيْهما فَقَط، ويُثْبِت ذَلِك عُمُوم لَفْظ الحَدِيث [ كُلّ يَمِين يُحْلَف بها دون الله شِرْك ]، ورَدّ الشِّرْك هو الدُّخُول في الإسْلام، والدُّخُول في الإسْلام لا يكون إلاَّ بنُطْق الشَّهَادَتَيْن، ثُمَّ الوُضُوء وصَلاة رَكْعَتَان اسْتِغْفَارَاً وتَوْبَةً ومُعَاهَدَةً لله عَلَى عَدَم العَوْدَة لِمَا كُنْت عَلَيْه.
إلى الرَّفِيق الأعْلَى
لَيْسَ مِنَ الهَدْي النَّبَوِيّ أنْ يَقُول المُسْلِم في حَقّ أخِيه المُسْلِم الذي مات (انْتَقَلَ - ذَهَبَ - رَحَلَ) إلى الرَّفِيق الأعْلَى، فمِنْ نَاحِيَة؛ قَاعِدَة الإسْلام في عَدَم الشَّهَادَة لأحَد بجَنَّة أو بنَار إلاَّ مَنْ شَهِدَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى الله عليه وسَلَّم تَمْنَع هذا الإطْلاق في حَقّ عَامَّة النَّاس إلاَّ مَنْ شَهِدَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى الله عليه وسَلَّم، ومِنْ نَاحِيَة أُخْرَى كَلِمَة الرَّفِيق تَعْنِي المُصَاحَبَة في المَكَان والزَّمَان، فنقول مَثَلاً أخِي رَافَقَنِي في السَّفر، أي كان مَعِي في المَكَان والزَّمَان وأنا مُسَافِر، وهذا المَعْنَى لا يَجُوز في حَقّ الله، أوَّلاً لأنَّ الله لا يَرِد النَّار، وهذا الشَّخْص الذي تُقَال الكَلِمَة في حَقّه سَيَرِد النَّار لا مَحَالَة [ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا ]، وثَانِيَاً لأن الله لا يَحدّه مَكَان ولا زَمَان، ومِنْ نَاحِيَة أُخْرَى الكَلِمَة فيها إيِحَاء بتَسَاوِي الرُّفَقَاء، فإذا كان الله هو الرَّفِيق الأعْلَى، فكَلِمَة الأعْلَى تُثْبِت وُجُود رَفِيق آخَر في الأسْفَل، وبالتَّالِي يَتَسَاوَى الرُّفَقَاء عَلَى الأقَلّ في التَّشْبِيه، والله تعالى لا يَجُوز تَشْبِيهه بالمَخْلُوقَات، ثُمَّ أنَّ كَلِمَة مَاتَ أو تُوُفِّيَ لَيْسَت عَيْبَاً مُخْجِلاً لنَبْحَث ونَخْتَرِع لها بَدَائِل.
فلان رَبِّنَا افْتَكَره:
هذه الجُمْلَة تَنْسِب النِّسْيَان إلى الله تعالى، وفِيهَا تَأكِيد لقَوْل المَلاحِدَة الغَرْبِيُّون الذين يَدَّعُون أنَّ الله خَلَقَ الكَوْن ثُمَّ نَسِيَه، تَعَالَى الله عَمَّا يَصِفُون، قال تعالى [ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ]، فمَتَى نَسِيَ الله عِبَاده حَتَّى يَتَذَكَّرَهُم في وَقْت المَوْت فَقَط؟ وإذا كان قد نَسِيَهُم طِيلَة حَيَاتهم، فماذا يُفِيدهُم إذا تَذَكَّرَهُم بَعْدَمَا مَاتُوا؟ إنَّه والله لقَوْل الأغْبِيَاء، ألَمْ يَقْرَءوا قَوْل الحَقّ تَبَارَك وتعالى [ قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى 49 قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى 50 قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى 51 قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى 52 ].
إطْلاق لَفْظَة مَرْحُوم عَلَى كُلّ من مات حتى غَيْر المُسْلِم، ولَفْظَة شَهِيد دون وُجُود دَلِيل شَرْعِيّ عَلَى شَهَادَته:
فمِنَ النَّاحِيَة اللُّغَوِيَّة كَلِمَة مَرْحُوم عَلَى وَزْن مَفْعُول، مِثْلَمَا نَقُول فلان مَكْسُور، أي تَمَّ كَسْره بالفِعْل، وبالتَّالِي المَرْحُوم هو مَنْ تَمَّت رَحْمَته بالفِعْل، وهذا لا نَعْرِفه ولا نَسْتَطِيع أنْ نجْزِم بِهِ، فالبَعْض يَقُولونها أحْيَانَاً عَلَى المَرِيض إذا مَات، بمَعْنَى أنَّ المَوْت رَحْمَةً لَهُ مِنْ عَذَاب المَرَض، ولكن مَنْ أدْرَاكَ أنَّه بَعْد المَوْت لَنْ يُعَذَّب عَذَابَاً أشَدُّ مِنَ المَرَض بكَثِير؟! هَلْ تَعْلَم ما في كِتَابه مِنْ حَسَنَات وسَيِّئَات لتَحْكُم أنَّه رُحِم؟ هَلْ أنْتَ تُوَجِّه الله ليَرْحَمَه أو يُعَذِّبه؟ وهُنَاك مَنْ يَقُولها عَلَى سَبِيل الدُّعَاء للمَيْت بالرَّحْمَة، وهذا خَطَأ مِنَ النَّاحِيَة اللُّغَوِيَّة، والأصَحّ أنْ نَقُول ( يَرْحَم الله فلان ) فهذا دُعَاء مُسْتَحَبّ، وهذا لا يَجُوز إلاَّ في حَقّ المُسْلِم فَقَط، فلا تُقَال في حَقّ غَيْر المُسْلِم إذا مات، ولا تُقَال في حق الحَيَوَانات كما يَقُولها بَعْض سُفَهَاء العُقُول، كما أنَّه لَيْسَ كُلّ مَيْت بشَهِيد، حتى لو مَاتَ في مَعْرَكَة وهو يُدَافِع عن الإسْلام، فهُوَ لَيْسَ بشَهِيد إلاَّ إذا تَوَافَرَت فِيهِ شُرُوط الشَّهَادَة، وأعْلَى هذه الشُّرُوط هي النِّيَّة، والمَقْصُود أنَّنَا نَرَى الرَّجُل قد مَاتَ في سَبِيل الله في مَعْرَكَة، ولكن الله أعْلَم بِهِ مِنَّا، فنَحْنُ لا نَعْلَم هَلْ كان يُقَاتِل بنِيَّة الجِهَاد ورَغْبَة في الشَّهَادَة، أمْ أنَّه قَاتَل بسَبَب تَوَاجُده في الجَيْش وَقْت الحَرْب رَغْمَاً عَنْه مَثَلاً؟ هَلْ خَرَجَ إلَيْهَا رَاضِيَاً أمْ مُكْرَهَاً؟ هَلْ قَاتَلَ جِهَادَاً أمْ رِيَاءً؟ حتى من مات في غير المعركة ممن قاع عنهم رسول الله صَلَّى الله عليه وسَلَّم أنهم شهداء، لا يمكننا الجزم بشهادتهم لعدم معرفة نيتهم، قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسَلَّم [ خَمْس مَنْ قُبِضَ في شَيْء مِنْهن فهُوَ شَهِيد: المَقْتُول في سَبِيل الله شَهِيد، والغَرِيق في سَبِيل الله شَهِيد، والمَبْطُون في سَبِيل الله شَهِيد، والمَطْعُون في سَبِيل الله شَهِيد، والنُّفَسَاء في سَبِيل الله شَهِيدَة ]، أي أنَّ القَاعِدَة الحَاكِمَة في الشَّهَادَة هي أنْ تكون (في سَبِيل الله)، وهذه لا يَعْلَمها إلاَّ الله، قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسَلَّم [ والَّذِي نَفْسِي بِيَدِه لا يُكْلَم أحَدٌ في سَبِيلِ الله؛ والله أعْلَم بمَنْ يُكْلَم في سَبِيله؛ إلاَّ جَاءَ يَوْمَ القِيَامَة وجَرْحه يشخب، اللَّوْن لَوْن الدَّم والرِّيح رِيح المِسْك ]، وبالتَّالِي لا يَجُوز أنْ نَطْلِق عَلَى كُلّ مَنْ مَاتَ في مَعْرَكَة أنَّه شَهِيد، فَضْلاً عن إطلاقها عَلَى الفُسَّاق مِنَ المُغَنِّيِّين والمُمَثِّلِين وأمْثَالهم.
تَوَفَّى إلى رَحْمَة الله:
وهذا خَطَأ، لأنَّ الذي يَتَوَفَّى هو الله، قال تعالى [ وَاللّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ]، وقال تعالى أيْضَاً [ اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ]، والصَّحِيح أنْ نَقُول ( وُفِّيَ فلان )، أو ( تُوُفِّيَ )، أو ( تَوَفَّاه الله ).
دُفِنَ في مَثْوَاه الأخَيِر:
هذه الكَلِمَة جَاءَت إلَيْنَا مِنَ المَلاحِدَة الغَرْبِيُّون، لأنَّهُم لا يُؤْمِنُون بالبَعْث مَرَّةً أُخْرَى بَعْدَ المَوْت، وبالتالي فإنَّ هذه الكَلِمَة تَتَضَمَّن إنْكَار البَعْث والحِسَاب والجَنَّة والنَّار، فهي حَرَام عَلَى قَائِلها، فلَيْسَ القَبْر هو المَثْوَى الأخِير.
البَقِيَّة في حَيَاتك:
فمَا مَعْنَاهَا؟ هل مَعْنَاهَا أنَّ هذا المَيْت قد مَات قَبْل أنْ يُكْمِل عُمْره وبَقِيَ مِنْه بَقِيَّة نَرْجُو أنْ تُضَاف إلى حَيَاتك؟؟!! ألا يَصْطَدِم هذا الكلام بقَوْل الله عَزَّ وجَلّ [ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ]، وقَوْله تعالى [ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ]، الصَّحِيح أنْ نَقُول عِنْدَ العَزَاء (البَقَاء لله) ورَدّها (سُبْحَانَ مَنْ لَهُ الدَّوَام).