عيني بِتْرِفّ، أُذُنِي تُصَفِّر، القِطَّة السَّوْدَاء شَرّ:
وما إلى ذَلِك مِنْ ألْفَاظ التَّشَاؤُم المَنْهِي عَنْهَا شَرْعَاً مِثْل (الله يكفينا شِرّ هذه الضّحكة)، (أنَا أتَشَاءَم مِنْ رُؤْيَة هذا الشَّخْص)، (الشِّبْشِب المَقْلُوب فَقْر وشَرّ في البيت)، وما إلى ذَلِك مِنْ خُرَافَات العَقْل، جَلَسَ ابن عَبَّاس ذات مَرَّة في مَجْلِس عِلْم، فغَرَّد الكَرَوَان، فقال أحدهم [ خَيْرٌ، خَيْر ]، فقال له ابن عَبَّاس [ يا هذا؛ إنَّه لا يَمْلِك نَفْع، ولا يَمْلِك ضُرّ ]، وقد قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسَلَّم [ الطِّيَرَةُ شِرْك ]، وقال [ مَنْ رَدَّته الطِّيَرَة عن حَاجَته فقد أشْرَك ]، وقال [ لا عَدْوَى ولا طِيَرَة، ويُعْجِبُني الفَأل، قالوا: وما الفَأل؟ قال: كَلِمَةً طَيِّبَة ]، يقول الإمام ابن القَيِّم [ التَّطَيُّر هو التَّشَاؤُم مِنَ الشَّيْء المَرْئِي أو المَسْمُوع، فإذا اسْتَعْمَلَها الإنْسَان فرَجَعَ بها مِنْ سَفَره، وامْتَنَعَ بها مما عَزَمَ عَلَيْه، فقد قَرَعَ بَاب الشِّرْك، بَلْ وَلجَه، وبَرِئَ مِنْ التَّوَكُّل عَلَى الله، وفَتَحَ عَلَى نَفْسه بَاب الخَوْف والتَّعَلُّق بغَيْر الله، والتَّطَيُّر مما يَرَاه أو يَسْمَعه، وذَلِك قَاطِع له عن مَقَام (إيَّاكَ نَعْبُدُ وإيَّاكَ نَسْتَعِين)، فيَصِير قَلْبه مُتَعَلِّقَاً بغَيْر الله عِبَادَةً وتَوَكُّلاً، فيَفْسَد عَلَيْه قَلْبه وإيمانه ]، وبمُنَاسَبَة ذِكْر الكَرَوَان، هُنَاكَ خُرَافَة يقولونها عِنْدَ سَمَاع صَوْت الكَرَوَان، وهي أنَّ الكَرَوَان يقول (المُلْك لَكْ لَكْ يا صَاحِب المُلْك)، فمَنْ الذي ادَّعَى هذا الكلام؟؟ وأيْنَ دَلِيل صِحَّته؟؟ هَلْ سَمِعْنَا عَنْه في مَكَانٍ غَيْر فِيلْم دُعَاء الكَرَوَان؟؟ هَلْ بُعِثَ فينا سُلَيْمَان عَلَيْه السَّلام الذي يَعْلَم مَنْطِق الطَّيْر؟؟ بالطَّبْع كُلّ شَيْء عَلَى وَجْه الأرْض يُسَبِّح لله، ولكِنَّنا لا نَسْتَطِيع فَهْم هذا التَّسْبِيح، ولا نَسْتَطِيع تَخْمِينه عَلَى سَبِيل الاعْتِقَاد والتَّقْرِيب، فقد قال تعالى [ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ].
الجُمُعَة فيها سَاعَة نَحْس:
ورَغْمَ أنَّه قَوْلٌ بِهِ مِنَ التَّشَاؤُم مَا بِهِ، إلاَّ أنَّه أيْضَاً يُخَالِف قَوْل النَّبِيّ صَلَّى الله عليه وسَلَّم مُخَالَفَةً صَرِيحَة، فقد قال صَلَّى الله عليه وسَلَّم [ خَيْر يَوْم طَلَعَت عَلَيْه الشَّمْس يَوْم الجُمُعَة، فِيهِ خُلِقَ آدَم وفِيهِ أُدْخِلَ الجَنَّة وفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، ولا تَقُوم السَّاعَة إلاَّ في يَوْم الجُمُعَة ]، وقال أيْضَاً [ مَنْ اغْتَسَلَ يَوْم الجُمُعَة ثُمَّ أتَى الجُمُعَة فصَلَّى ما قُدِّرَ لَهُ ثُمَّ أنْصَت حتى يَفْرغ الإمام مِنْ خُطْبَته ثُمَّ يُصَلِّي مَعَه؛ غُفِرَ لَهُ ما بَيْنَه وبَيْن الجُمُعَة الأُخْرَى وفضل ثَلاثَة أيَّام ]، وقال أيْضَاً [ إنَّ مِنْ أفْضَل أيَّامكُم يُوْم الجُمُعَة، فِيهِ خُلِقَ آدَم وفِيهِ قُبِض وفِيهِ النَّفْخَة وفِيهِ الصَّعْقَة، فأكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلاة فِيهِ فإنَّ صَلاتكُم مَعْرُوضَة عَلَيّ، إنَّ الله حَرَّم عَلَى الأرْض أنْ تَأكُل أجْسَاد الأنْبِيَاء ]، فكَيْفَ بَعْدَ كُلّ ذَلِك نَقُول بأنَّ الجُمُعَة فيها سَاعَة نَحْس؟!!
مَثَل مِصْرِي يقول ( يِدّي الحَلَق لِلِّي بلا وِدَان ):
ومَعْنَاه (يُعْطِي القِرْطَ لِمَن لا أُذُنَ لَهُ)، وهي مِنْ صِيَغ السُّخْرِيَة والاعْتِرَاض عَلَى فَضْل الله الذي أتَاه لشَخْص دُونَ الآخَر، فيُقَال هذا المَثَل حِقْدَاً عَلَيْه واسْتِكْثَارَاً لنِعْمَة الله عَلَيْه، وهو يُشَابِه سَبّ القَدَر في مَعْنَاه وإنْ اخْتَلَفَ اللَّفْظ، فهو كِنَايَة عَنْ سُوء تَقْدِير الله وتَوْزِيعه للأرْزَاق عَلَى مَنْ لا يَسْتَحِقُّونها، فهو يُعْطِي شَيْئَاً لمن لا يَسْتَحِقّ في حين يُوجَد آخَر يَسْتَحِق، ويُمْكِن تَفْسِير ذَلِك بالمِثَال التَّالِي ولله المَثَل الأعْلَى (رَجُل يُهْدِي حِذَاءً لصَدِيقه، وهو يَعْلَم أنَّ قَدَمَيّ صَدِيقه مَقْطُوعَتَان)، فماذا سَنَقُول عَنْه؟ أكَيِد سَنَقُول أنَّه غَبِيّ، لَيْسَ لَدَيْه حِكْمَة في الفِعْل والتَّصَرُّف، لا يَعْرِف أنْ يَضَع الشَّيْء في مَوْضِعه الصَّحِيح ويَسْتَخْدِمه الاسْتِخْدَام الأمْثَل، فإذا طَبَّقْنَا هذه النَّظْرَة عَلَى رَجُل أتَاه الله فَضْلاً مِنْ عِنْده، ونحن نَرَى أنَّ هذا الرَّجُل لا يَسْتَحِقّ، فنقول بهذا المَثَل، فهذا يَعْنِي أنَّنَا نَصِف الله بعَدَم الحِكْمَة في تَوْزِيع الأرْزَاق، ونَتَّهِمَه بالظّصلى الله عليه وسلم لأنَّه أعْطَى مَنْ لا يَسْتَحِقّ وتَرَكَ مَنْ يَسْتَحِقّ، والله تعالى أعْلَى وأجَلّ مِنْ ذَلِك، وهذا بسَبَب الجَهْل بالقُرْآن، فمَنْ يَقْرَأ القُرْآن بتَدَبُّر يَجِد أنَّ الله يَرْوِي لَنَا قِصَّة قَوْم اسْتَكْثَرُوا نُزُول القُرْآن عَلَى رَجُل فَقِير اسْمُه النَّبِيّ مُحَمَّد، وقالوا أنَّه كان مِنَ المَفْرُوض أنْ يَتَنَزَّل القُرْآن عَلَى مَنْ يَسْتَحِقّ، وهو رَجُل غَنِيّ مِنْ سَادَة القَوْم، قال تعالى [ وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ 31 أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ 32 وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ 33 وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ 34 وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ 35 وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ 36 وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ 37 حَتَّى إِذَا جَاءنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ 38 وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ 39 ]، وقد يَأتِي المُتَفَلْسِفُون لتَصْحِيح هذا الخَطَأ الفَادِح فيقولون (لا تَقُل ذَلِك، وإنما قُلْ: رِزْق الهِبْل عَلَى المَجَانِين)، فيا سُبْحَان الله، يَخْرُج مِنْ اعْتِرَاض عَلَى أمْر الله إلى سَبّ ذَات لله تَعَالى، فمَنْ الذي يَرْزُق النَّاس غَيْر رَبّ النَّاس؟ فهَلْ نَصِف الله بالعَتَه والهَبَل؟ تعالى الله عَمَّا يَصِفُون، قال تعالى [ قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ]، ويقول آخَر (لا هذا ولا ذاك: أصْل الحِكَايَة أنها .. تأتي مَعَ الهُبْل دُبْل)، وبنَفْس المَعْنَى يَقُولُون (حَدَثَ صُدْفَة)، فيَرُدّ الله عَزَّ وجَلّ كَيْدَهُم وجَهْلَهُم قَائِلاً [ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ].
لا حَيَاءَ في الدِّين:
وهذه مُخَالَفَة صَرِيحَة لنُصُوص الأحَادِيث الصَّحِيحَة عن الحَيَاء، ومُخَالَفَة واضِحَة لآدَاب الإسْلام، فهَلْ مَنْ يَتَدَيَّن يَذْهَب حَيَاؤه؟؟ هَلْ مَنْ يَتَمَسَّك بالدِّين وبأحْكَامه وبآدَابه لا يكون عِنْده حَيَاء؟؟ الصَّوَاب أنْ نَقُول كما قال النَّبِيّ صَلَّى الله عليه وسَلَّم [ الحَيَاء خَيْر كُلّه ]، وقَوْله [ الإيمان بِضْع وسَبْعُون شُعْبَة، فأفْضَلها قَوْل: لا إلَه إلاَّ الله، وأدْنَاهَا إمَاطَة الأذَى عن الطَّرِيق، والحَيَاء شُعْبَة مِنَ الإيمان ]، وقَوْله [ الحَيَاء مِنَ الإيمان، والإيمان في الجَنَّة، والبذَاءَ مِنَ الجَفَاء، والجَفَاء في النَّار ]، ألَيْسَ ما يقولونه مُخَالِفَاً لقَوْله صَلَّى الله عليه وسَلَّم [ إنَّ الحَيَاءَ والإيمان قُرِنَا جَمِيعَاً، فإذا رُفِعَ أحدهما رُفِعَ الآخَر ]، ألَيْسَ مُخَالِفَاً لقَوْله [ إنَّ الله تعالى حَيِيّ سِتِّير يُحِب الحَيَاء والسِّتْر، فإذا اغْتَسَلَ أحَدكُم فَلْيَسْتَتِر ]، ومَنْ يَقُول (لا حَيَاءَ في العِلْم) هو جَاهِل بتَطْبِيقَات الدِّين، لا يُرِيد أنْ تَنْسَحِب أحْكَام الدِّين عَلَى أُمُور الحَيَاة، فلابُدَّ للعِلْم مِنَ الحَيَاء حتى يَسِير عَلَى المَنْهَج الإسْلامِي، ويَرْضَى الله عَنْه، وإلاَّ سَمِعْنَا عَمَّن يُرِيدُون تَدْرِس الجِنْس في المَدَارِس للأطْفَال كالعِلْم الغَرْبِي الذي لَيْسَ فِيهِ ذَرَّة حَيَاء، لأنَّ لَيْسَ لَدَيْهم دِين الإسْلام، بَيْنَمَا نحن لَدَيْنَا دِين يَقُول لَنَا [ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ 19 وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ 20 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 21 ].
حَرَام عليك:
كَلِمَة لا تَنْبَغِي طَالَمَا أنَّها تُقَال عَلَى شَيْء لَمْ يُحَرِّمه الله، قال تعالى [ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ 116 مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ 117 ].
حَرَمَاً:
جَرَت عَادَة بَعْض المُسْلِمِين (خَاصَّة في مِصْر) أنْ يقول أحَدهُم للآخَر [ حَرَمَاً ] بَعْدَ الانْتِهَاء مِنَ الصَّلَوَات، فيُجِيبه [ جَمْعَاً إنْ شَاءَ الله ] ويُصَافِحُون بَعْضهم البَعْض، ولعَلَّهُم يَقْصدون الدُّعَاء بشَدِّ الرِّحَال إلى الحَرَم لأدَاء الحَجّ أو العُمْرَة، وذِكْر ذَلِك بَعْدَ الصَّلَوَات مِن البِدَع المُحْدَثَة التي لا يُعْلَم لها دَلِيل مِنْ كِتَاب أو سُنَّة أو قَائِل بها مِنَ السَّلَف، قال النَّبِيّ صَلَّى الله عليه وسَلَّم [ مَنْ أحْدَثَ في أمْرِنَا هذا ما لَيْسَ مِنْهُ فهُوَ ردّ ] أي مَرْدُود عَلَيْه، أو يَجِب رَدّه وإنْكَاره عَلَيْه.
الدِّين أفْيُون الشُّعُوب - الدِّين لله والوَطَن للجَمِيع:
مِنْ كَلِمَات كَارْل مَارْكِس أحَد دُعَاة الشّيُوعِيَّة الأوَائِل، وهي كَلِمَات تُوجِب الرِّدَّة عن الإسْلام، أوَّلاً لأنَّ فيها تَطَاوُل عَلَى الدِّين، وثَانِيَاً لأنَّ بها إنْكَار للدِّين.
رِجَال الدِّين:
الدِّين في الفِكْر الغَرْبِي بشَتَّى مَذَاهِبه ودِيَانَاته يَعْنِي (العِبَادَة المَصْحُوبَة بالرَّهْبَة أو الوَحْشة)، ومَعْنَى هذا عِنْدَهُم أنَّ رَجُل الدِّين لا يَصْلُح لفَهْم أُمُور المَعَاش في الحَيَاة بسَبَب انْقِطَاعه عن مَحَبَّة النَّاس، والأمْر لَيْسَ كَذَلِك في مَفْهُوم الإسْلام الذي لا يَعْتَرِف بأنَّ هُنَاك رَجُل دِين له نُفُوذ واخْتِصَاص، فكُلّ مُسْلِم رَجُل دِين ودُنْيَا مَعَاً، فالدِّين في المَفْهُوم الإسْلامِي هو ما شَرَعَه الله عَلَى لِسَان رسوله صَلَّى الله عليه وسَلَّم فيما يُنَظِّم صِلَة العَبْد مَعَ رَبّه مِنْ نَاحِيَة ومَعَ النَّاس عَلَى اخْتِلاف طَبَقَاتهم مِنْ نَاحِيَة أُخْرَى، ويُنَظِّم أُمُور مَعَاشه وسُلُوكه، مِنْ غَيْر وُجُود وَسَاطَة بَشَرِيَّة بين الخَالِق والمَخْلُوق، ولهذا فلا تَجِد في المَعَاجِم الإسْلامِيَّة ما يُسَمَّى رِجَال الدِّين، وإنَّمَا تَسَرَّبَت بُوَاسِطَة المَذَاهِب المَادِّيَّة وخَاصَّةً العَلْمَانِيَّة والتي تُنَادِي بفَصْل أُمُور الدِّين عن أُمُور الدُّنْيَا.
روح الدِّين:
أهْل العِلْم في هذا الزَّمَان يَعِيشُون في زَحْمَة زَحْف مَهُول مِنْ (عَامِّيَّة الثَّقَافَة المُعَاصِرَة) ومِنْ (تَوْلِيد المُصْطَلَحَات) ومِنَ الوُقُوع في دَائِرَة (اصْطِلاح المُتَصَوِّفَة) مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُون، مِثْل هذا اللَّفْظ ونَحْوه مِثْل (روح الشَّرِيعَة - روح الإسْلام - المَجَالِس الرَّوْحَانِيَّة )، ومَعْلُوم أنَّ لَفْظَة (الرَّوْحَانِيّةَ) مِنْ مُصْطَلَحَات الصُّوفِيَّة التي لا عَهْدَ للشَّرِيعَة الإسْلامِيَّة بها، فعَلَى المُسْلِم تَجَنُّب الانْصِيَاع وَرَاء هذه المُصْطَلَحَات بلا عَقْل وإنْ كان لها بَرِيق، فعِنْدَ تَأمُّل البَصِير لها يَجِدها خواء، أو تَشْتَمِل عَلَى مُنَابَذَة للشَّرِيعَة بوَجْهٍ مَا.
إطْلاق لَفْظ زَنُّوبَة وخَدُّوجَة عَلَى النَّعْل:
هذه ألْفَاظ وأسْمَاء ابْتَكَرَها اليَهُود للإسَاءَة لزَوْجَات النَّبِيّ وبَنَاته، فالسَّيِّدَة زَيْنَب هي زَوْجَة النَّبِيّ صَلَّى الله عليه وسَلَّم، وكَذَلِك ابْنَته، وخَدِيجَة هي أحَبّ زَوْجَاته إلَيْه، فيُحَرِّفُون الأسْمَاء كي يَسْخَرُوا مِنْهُنّ، ويَجْعَلُوا المُسْلِمِين يَسْخَرُون مِنْهُنّ بجَهْلهم، فلا يَشْفَع لَنَا النَّبِيّ صَلَّى الله عليه وسَلَّم يَوْمَ القِيَامَة لاسْتِهْزَائِنَا بأهْل بَيْته، فنَدْخُل النَّار مَعَهُم، وهذا مِنْ حِقْدهم عَلَيْنا نحن المُسْلِمُون، فهُمْ عَلَى اقْتِنَاعٍ تَامّ بأنهم لَيْسُوا بخَارِجِين مِنَ النَّار، وأنهم مُعَذَّبُون فيها، وإنَّا لدَاخِلُون الجَنَّة بإذْن الله، مُنَعَّمُون فيها، فيُرِيدُون أنْ يُكْثِرُوا مِنَ المُسْلِمِين في النَّار حِقْدَاً عَلَيْهم، وهذا هو مَنْهَج أُسْتَاذهم إبْلِيس اللَّعِين، فبَعْدَ أنْ كان المُسْلِمُون يَتَبَاهُون بتَسْمِيَة بَنَاتهم بأسْمَاء زَوْجَات النَّبِيّ وبَنَاته، صَارَت الآن تِلْكَ الأسْمَاء عَارَاً، وعَيْبَاً، وتَخَلُّفَاً، صَارَت مُوضَة قَدِيمَة، وأسْمَاء لا تَلِيق أنْ تُوصَف بها امْرَأة، ويَأخُذُون في الاسْتِهْزَاء والسُّخْرِيَة بمَنْ يُسَمِّي ابْنَته بها، ومِنَ البِنْت نَفْسها وكأنَّه العَارْ، وفي هذا العَجَبْ، نَرَى سُفَهَاء العُقُول يُطْلِقُون لَفْظَة تَدْلِيل عَلَى النَّعْل، في نفس الوقت الذي يَتَحَاشُون فيه أنْ يُطْلِقُوا لَفْظَة تَدْلِيل عَلَى زَوْجَاتهم وبَنَاتهم في المَنْزِل، والسؤال الآن: لماذا لا نُسَمِّي الحِذَاء الرِّجَالي كِلِينْتُون، والحِذَاء النِّسَائِي جُولْدَامَائِير، ونَكْتُب عَلَى أحْذِيَة الأطْفَال بُوش وشِيرَاك ومُوشِي؟؟!! ألاَ نَجِد أسْمَاءً للأحْذِيَة سِوَى أسْمَاء أفْضَل النَّاس عَلَى وَجْه الأرْض، اللَّهُمَّ لا تُؤَاخِذنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا.